«فريدا كالو وعالمها» في معرض ببروكسل

يعتبر صورة شخصية وخاصة جدا للمكسيك كما تعبر عنه الفنانة

الفنانة ترسم القائد الشيوعي ليون تروتسكي الذي التجأ إلى المكسيك خلال حكم ستالين
TT

ست وعشرون لوحة، تسع عشرة منها زيتية، وواحدة بالألوان المائية القوية الحادة، وستة سكيتشات فقط، إضافة إلى فيلم قصير يعرض صورها الخاصة والنادرة منذ كانت في عمر الثالثة وحتى وفاتها في السادسة والأربعين، هو المعرض الاستعادي الذي افتتح في متحف الفنون الجميلة في بروكسل لفريدا كالو يوم السبت الماضي ويستمر حتى الثامن عشر من شهر أبريل (نيسان) القادم بعنوان «فريدا كالو وعالمها». كالو التي تعتبر واحدة من أهم الفنانين في القرن العشرين عاشت حياة قصيرة وصاخبة وقضت الوقت مع زوجها دييغو ريفيرا النحات المكسيكي الشهير في واحدة من أروع قصص الحب بين الفنانين في المائة عام المنصرمة. مع ذلك، فقد عاشت هذه الفنانة متألمة ومريضة معظم الوقت. كالو، التي تقام لها سنويا معارض استعادية في أنحاء العالم كافة، وكتبت عنها عشرات الدراسات الجامعية وكثير من المؤلفات كان آخرها كتاب الناقدة الفرنسية راكيل تيبول بعنوان «فريدا كالو عن فريدا كالو»، وهو عبارة عن رسائل كتبتها في مناسبات كثيرة عامة وخاصة، عبرت خلالها عن رأيها في الأشياء بصراحة جارحة في كثير من الأحيان، وبتعبيرات، أقل ما يقال فيها إنها نابعة من قلب إنسان يجمع ألم الآخرين في قلبه، كما أن فيها الكثير من رسائل الحب وحنان المرأة؛ عاشت الحب بكل جوارحها وعانت وقاست منه، تماما بالمستوى نفسه للمعاناة الصحية التي عاشتها وأقعدتها على كرسي مدولب.

هذا المعرض الذي يعتبر صورة شخصية وخاصة جدا للمكسيك كما تعبر عنه كالو، يحوي أكبر مجموعة شخصية في العالم للوحات هذه الفنانة. كما أنه يحوي أكثر لوحات كالو شهرة مثل «الباص» و«بورتريه أليسيا غالان» و«بورتريه شخصي مع قرد صغير» و«مستشفى هنري فورد» و«فريدا والولادة المزيفة» و«أنا وأمي».. إلخ. فهذه الفنانة سبقت عصرها بكل معنى الكلمة، كما أنها، عملت في مجالات فنون عديدة مثل الواقعية والرمزية والسريالية حتى قبل أن تتواصل فعليا مع السرياليين من أمثال آندريه بروتون وبيكاسو وكاندينسكي في باريس يوم أقامت معرضها الأول في عام 1939 بدعوة من بروتون الذي لم يتمكن من أن يقيم لها المعرض الذي وعدها به، فقام بالمهمة الفنان مارسال دوشان الذي اعتبرته الشخص الوحيد العقلاني بين مجموعة باريس السريالية.

لكنها في ذلك المعرض تلقت إعجابا كبيرا من بيكاسو الذي يعتبر أكثر آباء المدرسة السريالية في الفن التشكيلي شهرة إلى جانب كاندينسكي ودالي.

أعمال كالو المعروضة مفاجئة جدا، فعدم رؤيتها سابقا سوى من خلال المجلات الفنية أو الكتب لا يوضح سوى عدم المعرفة بحجمها الحقيقي. فلوحة «الباص» الشهيرة جدا على سبيل المثال، هي لوحة صغيرة جدا، عكس ما تبينه الكتب أو المجلات تماما، ما يعني تغييرا في الرؤية تجاه طريقة تنفيذ هذه الفنانة النادرة لأعمالها. فهي كانت شغوفة بالتفاصيل كما في «الباص» كلوحة تعبر عن ذلك جيدا، يليها عدد من اللوحات بقياسات صغيرة مقارنة بغيرها من فناني المرحلة السريالية، تماما، وبالتوازي، مع الهم التقني عند كاندينسكي الذي كان أيضا يختار أحجاما صغيرة للوحاته ليملأها بتفاصيل كثيرة. الفارق عن كالو أنها ترسم أشخاصا. في «الباص»، بدا العالم وكأنه خلفية لـ«باص» ممتلئ بالناس وبالحياة؛ ستة أشخاص، بينهم طفل يدير ظهره لرؤية حياة الخارج. تمنح البعد الإنساني للوحة مسارا دراميا وكأننا نشاهد فيلما سينمائيا. ماذا عن الألم؟ إذ هو القرين الموجود دوما في لوحات كالو وفي شخصها وحياتها. أغلب الظن أن كالو، إضافة إلى آلامها الشخصية من خلال مرضها الدائم ودخولها إلى المستشفيات كثيرا، وتجربتها في الداخل الإنساني الخاص والحميم، لم تجد أكثر من شخصيتها تعبيرا عن هذا الألم، فهي ترسم نفسها، كما تبين الصور الفوتوغرافية من خلال استعمال المرآة الصغيرة.. تضع نفسها موديلا للفنان الذي في شخصيتها، فتحيلها إلى لوحات تنطق بالمرارة والرغبة في الانعتاق من هذا الألم، فتخرج نحو عالم أرحب، ليس بالتأكيد عالم الثورة الصناعية التي تجدها مطحنة للإنسان. امرأة صغيرة من المكسيك تفكر بهذا المنطق في الثلث الأول من القرن العشرين، هذا قبل بناء المدن الكبيرة الهيولية نتاج العصر الصناعي. في «مستشفى هنري فورد» نجد التعبير عن هذا العالم أكثر وضوحا، غرفة مشفى يتوسطها سرير تشغله امرأة هي كالو نفسها، يطل من خلال نافذة على العالم الصناعي الكبير والمعامل والأبخرة المتصاعدة من المداخن، عالم نعانيه ونعيش في وسطه الآن. لكننا هنا نحار في أمر كالو، التي كانت أيضا ناشطة يسارية بامتياز، وصلت من خلال سحر فنها إلى التعرف على عدد لا بأس به من رواد بداية القرن العشرين، الصور الفوتوغرافية تظهر ذلك جيدا، فالفيلم الفوتوغرافي لا يختم بصورتها ميتة، بل بصورة يتيمة مع تروتسكي.