إيلي صعب يعود إلى الرومانسية.. وجون بول غوتييه يأخذنا لمغامرات المكسيك

في اليوم الثالث من موسم «الهوت كوتير» الباريسي

TT

ثلاثة أيام من البذخ والترف والجمال، ثلاثة أيام من قصائد الغزل موجهة لامرأة ذات إمكانيات عالية جدا. امرأة بيدها، على ما يبدو، كل المفاتيح التي تضمن نجاح الـ«هوت كوتير» وبقاءها، مما يجعل أي شكل من أشكال هذا الغزل مشروعا وأمرا يفرض نفسه الآن أكثر من أي وقت مضى. وليس أدل على ذلك من عام طويل من القلق والمخاوف من تبعات الأزمة المالية وبعض المطبات المالية التي تعرضت لها بعض البيوت وأدت ببعضها للإفلاس. قراءة خاطفة لمجريات هذه الأيام تشير إلى أن المصممين وجدوا مضادا حيويا قويا للأزمة، التي بدأت تنقشع بالتدريج. مضادهم الحيوي يتمثل في العودة إلى البريق والتصميمات المبتكرة التي أغدقوها عليها بدون حساب في هذا الموسم. الحساب اقتصر فقط في اختيار أماكن العرض التي كانت أقل إبهارا، وأصغر مساحة مما استدعى في بعض الحالات تنظيم أكثر من عرض لتمكين فوجين من الناس من الحضور مثل دار «ديور» التي اختارت مركزها الرئيسي في «أفينو مونتين» ودار «شانيل» التي اختارت شارع غامبون عوض «لوغران باليه»، وفيما عدا ذلك فإن كل شيء كان يؤذن بنهاية الأزمة المالية من جهة، ونهاية أزمة اللعب على المضمون التي داروا حولها في الموسم الماضي، من جهة ثانية.

ولا شك أن عاشقات الـ«هوت كوتير» أيضا تنفسن الصعداء وهن يرين أن التقشف والحساب لم يطل الجوانب الإبداعية، بدليل ما شاهدنه لحد الآن، والذي سيضمن تجريدهن من كل قواهن أو أي مقاومة. الاستراتيجية التي اتبعها معظم المصممون وبيوت الأزياء اعتمدت على هجوم لذيذ ومكثف من التطريزات المبتكرة والرائعة وشلال من أحجار الكريستال وغيرها من الخامات التي تقمصت ألوان الماس. فرغم أن العديد من العروض كانت في أماكن صغيرة أكثر عملية وأقل إبهارا مما تعودنا عليه في السنوات الأخيرة، فإن كل ما في الموسم يصرخ ببذخ وترف القصور والبلاطات. وهكذا ضمنت باريس بقاءها كعاصمة للأحلام والجمال رغم غياب ابنها كريستيان لاكروا. إلى جانب مصمميها الشباب الذين أبدعوا وأوفوا، فإن الفضل أيضا يعود للأنامل الناعمة التي تعمل وراء الكواليس. فهي التي تنفذ هذا البريق وتجعله واقعا ملبوسا من خلال التطريزات والترصيعات وغيرها، مع العلم أن هذه التفاصيل يستغرق تنفيذ بعضها مئات الساعات لتخرج إلينا بالصورة التي تروق العين وتمس شغاف القلب ومن ثم الجيوب. فحتى دار «شانيل» التي عودتنا على أزياء كلاسيكية بألوان الأسود والأبيض أو الوردي، معتمدة على الإكسسوارات لإضافة جرعات خفيفة من البريق، قدمت تشكيلة تتلألأ بالماس والكريستال وألوان فاتحة تجاهلت الأسود تماما. ستيفان رولان أيضا طوع التكنولوجيا وحولها إلى فن. بعد عرضه قال إن فستان الزفاف الذي قدمه في آخر التشكيلة استغرق أكثر من أسبوعين لتنفيذه على يد 10 أشخاص قاموا بترصيعه ب26.000 قطعة من زجاج البلاستيك، مضيفا أنه يزن حوالي 60 كيلوغراما. واعترف رولان أن هذا الفستان تحفة فنية وليس واقعيا، أي إنه ليس هناك عروس بكامل قواها العقلية ستلبسه في أرض الواقع إلا إذا خففت من هذه التفاصيل بشكل كبير، وهذا طبعا سيفقد الفستان خصوصيته.

بعد عروض تفتح النفس وتمنح الأمل بألوانها وفنيتها، جاء دور دار«جيفنشي» ومصممها الشاب ريكاردو تيشي، على الساعة التاسعة مساء أول من أمس، لينزلنا من عالم الحلم إلى الواقع من خلال أزياء تلعب على الجانب المظلم بألوانها الداكنة التي تتخللها بعض الزخات من الألوان الفاتحة. اقتصرت التشكيلة على 22 تصميما فقط مما جعل العرض قصيرا وحلوا في الوقت ذاته، أكد فيه المصمم أن العبرة في الكيف وليست في الكم، كما يقال. كل قطعة كانت تتضمن مفهوما حداثيا للجمال يعبق بفلسفة وجرأة أصبحت لصيقة بهذا المصمم الذي التحق بالدار منذ خمس سنوات فقط ورفع من أسهمها في مجال الأزياء الجاهزة، ويؤكد حاليا نضجا وثقة في مجال «الهوت كوتير». ورغم أن الأسلوب الذي عودنا عليه يتميز عموما بالجرأة والحداثة والنظر باتجاه المستقبل، فإنه قرر هذه المرة أن يتوجه بأنظاره إلى الماضي، وبالتحديد إلى حقبة السبعينات من القرن الماضي، حيث قدم العديد من التايورات، بعضها على شكل توكسيدو وبعضها الآخر على شكل جاكيتات تتميز بذيل خفيف من الخلف مع «تي - شيرتات» مزينة بالريش مما أصبغ عليها نكهة عصرية، إلا أنه لم ينس أن يقدم مجموعة من فساتين الكوكتيل، لا تقل قوة وفساتين سهرة طويلة استعرض فيها قدراته التي تقول بأن دار «جيفنشي» أصبحت في يد أمينة.

اليوم الثالث والأخير من هذا الموسم، سجل أيضا مشاركة عراب الموضة اللبنانية، العالمي إيلي صعب وشقي الموضة الفرنسية، جون بول غوتييه. الاثنان وعدا بالشمس والدفء، لكن الأجواء كانت مختلفة، فلدى إيلي صعب، كان البحر بزرقته وشعابه هي الغالبة مع نسيم عليل تمثل في الورود المتناثرة على فساتين سهرة حالمة مطبوعة بالحرير والدانتيل والأورغنزا والشيفون، بتدرجات ألوان هادئة تريح العين والأعصاب وتمنح الثقة لصاحبتها بأنها ستبدو رومانسية وفي غاية الأنوثة لكن من دون تأثير درامي. حتى الراقصة العالمية ديتا فون تيس علقت عليها بعد العرض مباشرة بأنها «رومانسية، بتطريزات رائعة كما العادة». والحق أن التطريز هنا كان مدهشا ولا يعلى عليه، إلا أن اللافت للنظر أن إيلي هنا تخلى عن التيار أو بالأحرى الأسلوب الذي تبناه أخيرا والذي ركز فيه على الهندسية والنحت تماشيا مع الموضة، وعاد إلى أسلوبه القديم الذي أطلقه إلى العالمية، وجعله محبوب الطبقات المخملية ونجمات هوليوود، ألا وهو الأسلوب الانسيابي. فالتصميمات لم تتغير كثيرا على العكس من الدقة والحرفية التي تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة وفي هذه المجموعة، كذلك إحساسه بالألوان وتدرجاتها. لكن ما إذا كانت التشكيلة مبتكرة وتحمل جديدا، فإن الجواب سيكون هو النفي حتما، أما إذا ما كانت رائعة، فهي فعلا كذلك بطياتها وثنياتها وانسيابيتها الناعمة، وسنرى الكثير منها في مناسبات السجاد الأحمر.

أما في مقر عمل جون بول غوتييه، حيث يقيم عروضه دائما، فإن الأجواء كانت أكثر سخونة، لأنه أخذنا إلى أميركا اللاتينية، بدأ بالمكسيك من خلال قبعات ضخمة وجاكيتات بوليرو قصيرة وبنطلونات واسعة مستوحاة من أزياء الكاوبوي في المنطقة، كما استعمل فيها قماش الدينم في بنطلونات وجاكيتات من الجينز طرزها بالذهب إلى جانب قطع على شكل تايورات مبتكرة ببنطلونات جد واسعة بألوان الصحراء والتوابل الحارة، تتخللها فتحات من الخصر إلى أسفل القدم تطل منها بليسيهات من الشيفون بالأبيض أو الكريم. بعد المكسيك أخذنا إلى أدغال الأمازون لتتحول امرأته التي كانت منذ لحظات قوية إلى حرباء تتلون بألوان الغابة من الأخضر إلى البني، قبل أن يذكرنا بتاريخ المنطقة من خلال مجموعة تستحضر حضارة الأزتيك من خلال أزياء إثنية وإكسسوارات لا تترك مجالا للشك أننا عدنا عدة قرون إلى الماضي. بالإضافة إلى الألوان كانت هناك قطع باللون الأسود مثل فستان كوكتيل قصير بصدر على شكل جناحي طائر. وأنهى العرض بفستان أحمر ضيق عند الصدر بتنورة واسعة عرضته المغنية الفرنسية أريال دومباسل، التي عاشت طفولتها في المكسيك بحكم أن والدها كان السفير الفرنسي هناك، وليؤكد لنا غوتييه مرة أخرى أنه لا يزال شقيا رغم مرور السنين.