شقيقان مسلمان هنديان يكتشفان وسيلة لإعادة تدوير فضلات البلاستيك

طريقة صديقة للبيئة وتُستخدم في بناء الطرق عند خلطها بالقار

تساور الشكوك ناشطين بيئيين إزاء هذه التقنية، ويقول بعضهم: يجب أن يكون التركيز على تقليل المواد البلاستيكية لا على البحث عن وسيلة للتخلص منها («الشرق الأوسط»)
TT

بينما يحذّر بعض الناشطين البيئيين من الآثار السيئة التي تخلفها التقنية الحديثة على البيئة، يكتشف شقيقان مسلمان داخل الهند وسيلة مبتكرة وفريدة من نوعها لإعادة تدوير الفضلات البلاستيكية واستخدامها في بناء طرق صديقة للبيئة.

يتم مزج الفضلات البلاستيكية مع مادة البتومين (القار)، ويؤدي ذلك إلى تقوية الطرق المرصوفة، ويساعد في الوقت نفسه على التخلص من الفضلات البلاستيكية المتراكمة داخل مدافن النفايات في بلد مثل الهند، التي يبلغ عدد سكانها 1.25 مليار نسمة ويقل فيها الوعي. وبسبب ضعف الإدارة المحلية تصل هذه النفايات إلى مئات وآلاف الأطنان. وتوصل إلى إعادة تدوير أكوام القمامة بهذه الطريقة الأخوان أحمد خان (62 عاما) ورسول خان (59 عاما)، حيث فكرا في إعادة تدوير المواد البلاستيكية التي لا يمكن تحلليها بالمواد البيولوجية واستخدامها في بناء الطرق. ويُذكر أن الأخوين كانا يديران شركة تنتج مئات الآلاف من الحقائب البلاستيكية وغيرها من مواد التعبئة كل شهر يكون مآلها في نهاية المطاف داخل صناديق قمامة في مدينة بنغالور، مركز التقنية والتعهيد في الهند.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها رصف الطرق بنجاح باستخدام هذه الطريقة على الرغم من إجراء اختبارات معملية من أجل الوصول إلى هذه النتيجة، وذلك حسب ما يقوله الأخوان خان.

وكان الخوف من فقدان البضائع البلاستيكية هو السبب في الوصول إلى هذه الفكرة، حيث قويت حركة مناهضة لاستخدام المواد البلاستيكية داخل الهند في منتصف التسعينات من القرن الماضي.

وخلال مكالمة تليفونية مع «الشرق الأوسط»، قال رسول خان من مدينة بنغالور: «لم أكن أسعى في يوم من الأيام لأكون رجل أعمال مهتما بشؤون البيئة، ولكن بعد أن قويت الحركة المناهضة لاستخدام المواد البلاستيكية داخل الهند في منتصف التسعينات، رأيت أن النشطاء البيئيين على حق وبدأت أشعر بالقلق على عملي التجاري. أخذنا نفكر في حل لتقليل الآثار الذي تتسبب فيها منتجاتنا المصنَّعة وكيف يمكن المحافظة على صناعة البلاستيك ومعالجة مخاوف النشطاء البيئيين».

ويُنظر إلى الأخوين خان على أنهما متدينان، كما يؤمنان بالأخوّة الإنسانية وبأن الله واحد ويحترمان الأديان كافة. ويقول رسول خان: «ربما شاء الله أن تواتينا فكرة مزج الفضلات البلاستيكية مع مادة القار ورصف الطرق بذلك المزيج، حيث لم يكن لأي منا خلفية عن علم الهندسة. ولكن، أدركنا أن القار والبلاستيك من المواد البترولية، وكلاهما من المواد غير القابلة للتحلل باستخدام مواد بيولوجية. وبدأنا نفكر في وسيلة لاستخدامهما معا. ويستخدم القار في بناء الطرق، ولكن عندما يستخدم القار وحده، قد تكون الطرق ضعيفة في بعض الأحيان ويختلط الإسفلت مع التراب. وفي نفس الوقت، فإنه بمجرد إذابة البلاستيك يصبح صلبا جدا خلال عشر دقائق فقط. وفكرنا لماذا لا نقوم بمزج البلاستيك مع القار، وبعد ذلك حاولنا أن نخلطهما معا، ثم جربنا ذلك عن طريق وضع المزيج داخل حفر صغيرة على الطرق في المدينة».

وفي الفترة من عام 1998 حتى عام 2000، قام الشقيقان بتطوير هذه التقنية واختبارها داخل أكثر من 600 حفرة داخل منطقة جايانغر، وهي منطقة ثرية داخل بنغالور. وكانت هذه التجارب غير رسمية وكانت نتيجتها إيجابية. وبعد الانتهاء من التجارب الأصغر التي حققت نجاحا، كانت هناك حاجة إلى معرفة ما إذا كانت هذه العملية آمنة لاستخدامها في بناء الطرق.

ومن أجل ذلك قام الأخوان خان بتمويل أبحاث واختبارات داخل كلية الهندسة في بنغالور حيث يدرس ابنهما في قسم الهندسة الكيميائية. وتم إجراء الأبحاث وكانت النتائج إيجابية. وأُجريت الأبحاث أيضا في 12 كلية هندسة أخرى على الأقل داخل الهند. واستغرقت عملية إجراء الأبحاث عامين. وللتأكد من النتائج، جربت نفس التقنية على هيكل صغير طوله 500 متر. ونشر تقرير في عام 2002 يجيز استخدام هذا المزيج. وحينئذ، تم تأسيس شركة «كيه كيه لإدارة الفضلات البلاستيكية»، وكانت الشركة تقوم بتجميع الفضلات من المدينة لاستخدامها في أنشطة صديقة للبيئة. وبدأ الأخوان رحلتها إلى عالم الشهرة، بعد أن استخدما تقنية البلاستيك المدور في رصف الطرق داخل مدينة بنغالور. ولكن، لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كانت هناك حاجة إلى المزيد من أعمال البحث للتأكد من أمان هذه التقنية ومدى مناسبتها بيئيا. وقبل استخدام هذه التقنية رسميا، وافق عليها معهد أبحاث الطرق المركزي في نيودلهي.

ويشار إلى أن الهند لم تكن مستخدما كبيرا للمواد البلاستيكية حتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، عندما وافقت الحكومة على زيادات في الإنتاج الوطني للبلاستيك لمساعدة الصناعات على المنافسة عالميا. وضاعف من استخدام البلاستيك اتجاه المزيد من الموطنين إلى المدن وشراء المزيد من البضائع الأجنبية.

ولم تكن الهند، التي تقوم عرفا بتدوير الكثير من النفايات داخلها، مستعدة للتعامل مع الزيادة في الفضلات البلاستيكية، بما في ذلك الحقائب المهملة، التي يقول بعض الخبراء إنه يمكنها أن تعيش لما يصل إلى 1000 عام قبل أن تتحلل.

وفي 2005 وبعد أن غمرت الأمطار الموسمية مدينة مومباي، قيل إن الحقائب البلاستيكية كانت السبب في سد نظام الصرف الصحي تحت الأرض وإن ذلك فاقم من آثار الفيضان. وداخل أماكن يتردد عليها السياح، مثل غوا، أدى الاستهلاك الكبير للمياه المعبأة داخل زجاجات إلى انتشار القمامة على الشواطئ، وهو ما شكّل منظرا غير حضاري بالإضافة إلى تهديد الحياة البحرية.

ولم تنجُ البقر، التي لها قدسية داخل الهند، من أضرار المواد البلاستيكية. وبعد نفوق 3000 بقرة في مدنية لوكناو عام 2000، أجرت السلطات تحقيقا ووجدت حقائب بلاستيكية داخل أمعائها. وكان واضحا أن هذه البقرات تناولت الحقائب بينما كانت ترعى في مواقع النفايات. وأصدرت العديد من الإدارات الحكومة حظرا على استخدام الحقائب البلاستيكية خلال الأعوام الأخيرة، ولكن لم يكن من بينها مدينة بنغالور.

يتم تمزيق الفضلات البلاستيكية المصنوعة من الحقائب البلاستيكية والزجاجات وغيرها ومزجها مع الإسفلت لتشكيل مركب يطلق عليه القار المبلمر ويوضع على الطرق في أثناء عملية الرصف. وبإضافة البلاستيك على المزيج، تكون الطرق أكثر قوة ويمكنها مقاومة الرياح الموسمية أفضل من الوسائل التقليدية، مع تقليل احتمالية حدوث حفر في الطرق.

وقد وصلت تقنية الأخوين خان إلى مدن ودول أخرى، وحصلا على براءة اختراع لرصف الطرق باستخدام البلاستيك. وقامت شركة «كيه كيه لإدارة الفضلات البلاستيكية» ببناء مئات الأميال من الطرق داخل الهند وبنغلاديش وسريلانكا وبورما والسعودية ودبي ونيجيريا، وتسعى إلى رصف طرق سريعة باستخدام هذه التقنية. وتقوم شركات أخرى باستخدام نفس التقنية، ومع ذلك يقول الأخوان خان إنهما قررا عدم الاعتراض على ذلك. وقدم الأخوان خان طلبا للحصول على براءة اختراع دولية لحماية ابتكارهما. ويقولان: «نخطط لتوسيع نشاطنا التجاري ونتطلع إلى قيام رجال أعمال بالاستثمار في تقنيتنا». وحصل الأخوان أيضا على وسام «الأبطال الحقيقيين»، وعلى تكريم من منظمة «الأمم المتحدة» ومن الإدارة الحكومية في مدينة بنغالور.

ولكن تساور بعض الشكوك ناشطين بيئيين إزاء هذه التقنية، ويقول بهاراتي شاتورفيدي مدير «تشينتان» (مؤسسة بحثية غير حكومية تتخذ في نيودلهي مقرا لها): «يجب أن يكون التركيز على تقليل المواد البلاستيكية لا على البحث عن وسيلة للتخلص منها. هذا ليس حلا».

ومع ذلك يقول الأخوان خان إن «من غير العملي تخيُّل عالم دون مواد بلاستيكية، ولذا فإنه من الأفضل البحث عن وسائل صديقة للبيئة حال التخلص منها. وعلينا أن نبدأ بالنظر إلى المواد البلاستيكية كمواد خام لا كفضلات».

ويتم جمع الفضلات البلاستيكية من أماكن لإلقاء النفايات في مختلف أنحاء المدينة من خلال شبكة من العمال، وبعد ذلك يتم تقطيع المواد البلاستيكية وجعلها قطعا صغيرة ويمزج مع الإسفلت. وكل يوم تكون هناك أطنان من الفضلات البلاستيكية وتذهب إلى مدافن القمامة. ويجب أن تكون هناك نهاية لذلك، وبعد ملء هذه المدافن، لن تتحلل النفايات وحتى مع استخدام المواد البيولوجية، وفي النهاية ستكون هناك مشكلة، ولذا فإن الحل المثالي هو استخدامها في بناء الطرق.