أفلام سينمائية كثيرة في إيران لكنها لا تعرض بالضرورة

لهذا يفضل المنتجون استثمار أموالهم في أفلام تجارية

TT

مخرجو السينما في إيران لا يمكن، بكل تأكيد، أن يحسدهم أحد على مهنتهم. إذ إنهم لو استطاعوا التغلب على كل العقبات وحصلوا على تصريح من الجهات الحكومية المختصة لعمل أفلامهم فإن ذلك لا يعد ضمانة بأنه سيكون في مقدورهم عرضها في إيران.

وفي هذا الصدد يقول كامبوزيا باتروي، وهو مخرج وكاتب سيناريو إيراني شهير «على المرء أن يمر برحلة طويلة عبر دهاليز كثير من الجهات الحكومية، لكن في نهاية الأمر وعندما يتم الانتهاء من الفيلم لا يعرض لسبب قد يكون في غاية التفاهة».

هذا يعني أيضا أن الكثير من مخرجين السينما الإيرانيين يؤثرون إثبات أنفسهم خارج بلادهم.

وذلك ينطبق على المخرج رافي بيتس الذي اختير أحدث أفلامه وهو فيلم «شيكرشي» (الصياد) ضمن المسابقة الرئيسية لمهرجان برلين السينمائي الدولي المقرر افتتاحه الأسبوع المقبل.

وكان فيلم «إنه الشتاء» لهذا المخرج الإيراني، 42 عاما، قد رشح في عام 1996 للحصول على أرفع الجوائز في مهرجان برلين وهي جائزة «الدب الذهبي». ولا يعد بيتس مخرجا شهيرا في إيران، حيث إنه يعيش أساسا في فرنسا، لكنه في أوساط السينما يعد واحدا من أبرز المخرجين في البلاد في العصر الحديث.

لكن عند التفكير في مشروع فيلم فلا بد من أن توافق وزارة الثقافة أولا على السيناريو ثم لا بد أن يكون المنتج مستعدا للتعامل مع العملية المعقدة من أجل الحصول على تصريح بالإنتاج وبعد الانتهاء من تصوير الفيلم يلزم تصريح آخر للسماح بعرضه للجمهور.

ويقول أحد نقاد السينما في طهران «هناك كم هائل لا حصر له من الأفلام لمخرجين يحظون حتى بالشهرة على المستوى الدولي يقومون بإخراجها لكنها لا تعرض، ويتراكم عليها التراب».

وفي ظل هذه العراقيل يفضل منتجو السينما استثمار أموالهم في أفلام تجارية لا تسبب لهم وجع الدماغ لدى الجهات الثقافية.

يذكر أنه في أعقاب الثورة الإسلامية في 1979 سرعان ما وجد مخرجو السينما الإيرانيون أنفسهم أمام عدد هائل من القيود الجديدة المرتبطة بالدين. فقد تعين على مخرجي السينما في ظل عدم السماح للنساء في إيران بملامسة رجل غريب، حتى ولو بالمصافحة باليد، أن يعيدوا تفكيرهم ويستبعدوا حتى المشاهد العادية جدا مثل أم تحضن ابنها. بل إن عرض مشهد لزوجين وهما يلمسان بعضهما تعبيرا عن الحب أو حتى مسك الأيدي صار ولا يزال من المحرمات.

هذا الوضع دفع المخرج الإيراني الراحل علي حاتمي إلى أن يقول «كيف يمكن للمرء إخراج فيلم درامي بدون مشاهد الحب».

أيضا بسبب قواعد الزي الإسلامي التي تلزم المرأة بارتداء عباءة طويلة وغطاء للرأس لإخفاء تقاطيع الجسد والشعر فإن عرض مشهد للمرأة وهي تذهب إلى النوم لا بد أن يكون متفقا مع قواعد الزي الإجبارية.

في ظل هذا الوضع توصل بعض مخرجي السينما الشهيرين مثل أمير ناديري وعباس كياروستامي وبحرام بيزائي بعد سنوات من التجربة إلى أن الحل الوحيد هو التحول إلى أفلام ذات موضوعات تتعلق بالأطفال في محاولة لتفادي الرقابة الخانقة للجهات الثقافية.

كما أن مشاهد العشق والغرام صار يعبر عنها بالرمز مثل نظرات العينين والابتسامة ثم عرض صورة لزهرة تعبيرا عن مشاعر الحبيبين. بيد أنه رغم كل هذه القيود أثبتت الأفلام الإيرانية قدرتها تدريجيا على المنافسة في المهرجانات السينمائية الدولية الكبرى حيث حصدت العديد من الجوائز.

وفي عهد الرئيس السابق محمد خاتمي طرأ تحسن على وضع مخرجي السينما الإيرانيين بصورة مؤقتة، وذلك إبان حقبة الإصلاح التي دامت ثماني سنوات حتى عام 2005 عندما انتهجت وزارة الثقافة سياسات أكثر ليبرالية تجاه صناع السينما والكتاب والملحنين. لكن بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا للبلاد في 2005 وجد كثير من كتاب السيناريو والمنتجين والمخرجين أنفسهم محرومين من ممارسة المهنة واضطروا إلى البحث عن وسيلة أخرى للرزق.

وقال باتروي الذي لم يخرج أي فيلم منذ انتخاب أحمدي نجاد «بسبب المشاكل التي يواجهونها مع السلطات الثقافية يعتزم بعض صناع السينما عمل أفلامهم دون تصريح وعرضها في الخارج فقط».

وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في يونيو (حزيران) الماضي حيث جرت إعادة انتخاب أحمدي نجاد تم وضع كثير من المشتغلين بالسينما على القائمة السوداء للحكومة بسبب صلتهم بالمعارضة.

في ظل هذا المناخ رفض كثير من صناع السينما المشاهير حضور مهرجان فجر السينمائي، حتى كأعضاء في لجنة التحكيم احتجاجا على قمع أنصار المعارضة.