أسبوع إسطنبول لموضة الخريف والشتاء..آمال وأحلام

الصغار والكبار يتنافسون على خلق بريق يراوغها

من عرض أرزو كابرول ومن عرض غامزي ومن عرض بيير كاردان
TT

كل ما في إسطنبول يصرخ اعتزازا وفخرا هذه الأيام بكونها عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2010. مشاعر ترجمتها اللافتات المعلقة في شوارعها المكتظة بالسيارات والحافلات، والتي تجعلك تنسى أحيانا التمتع بمنظر البوسفور وجماله، كما ترجمتها نشاطاتها المتنوعة في الكثير من المجالات. ولأن الموضة تدخل ضمن الثقافة، على أساس أنها تعكس ثقافة الشارع وتؤثر فيه، فقد كان لا بد أن يكون لها دور فعال هذا العام أكثر من ذي قبل، من خلال أسبوعها للموضة. فعلى الرغم من أنه حديث الولادة ولم يبلغ عاما تقريبا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن موسمه الأول انطلق في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي فقط، أي منذ ستة أشهر تقريبا، فإنه مدلل إلى أقصى حد، ويأخذ أنواع المقويات كلها لكي يكبر بسرعة.

فإسطنبول تعتمد عليه ليزيدها أناقة وجذبا تضاف إلى مآثرها وعوالمها الأخرى، وتركيا تعقد الآمال عليه لتكمل إنجازاتها التجارية. فقد صرحت على لسان وزير تجارتها، بأنها تأمل أن يحقق لها الأسبوع أرباحا تقدر بـ500 مليار دولار خلال 13 عاما، وأن يصبح لها في هذه المدة ما لا يقل عن 10 بيوت أزياء عالمية، وأن تصبح من بين 10 قوى اقتصادية عالمية. لا شك أن هذه الآمال كبيرة، لكن كل شيء كبير يبدأ صغيرا، وهذا ما هو حاصل بالنسبة إلى أسبوع إسطنبول، مما يجعل انتقاده صعبا، ومقارنته بباقي العواصم العالمية ظالما، إلا أن الآمال والوعود الكبيرة للأسف تجعل الترقب أيضا كبيرا، وهو الأمر الذي لا يصب في صالح الأسبوع.

والبريق من العناصر المهمة التي يفتقدها، فعلى الرغم من أن النجمة الهوليوودية، ميغ رايان، افتتحته وتعتبر ضيفة الشرف فيه، لقاء 100 ألف دولار حسبما يشاع هنا، فإنها لم تتعب نفسها وتحضر أيا من العروض، وكأن اسمها وحده كان كافيا لاستقطاب الحضور وإضفاء البريق. من حسن حظه أنه يحبو بطريقة صحية، بفضل خيال مصمميه وإصرار الحكومة على إنجاحه، وحرص بعض القطاعات الصناعية، وعلى رأسها قطاع تصدير النسيج، أن تدعمه. أما ما افتقده في جانب الإبهار، فعوض عنه في جانب الإبداع، خصوصا أن أسماء معظم المشاركين مهمة ومعروفة في الساحة التركية، فيما يشتهر بعضها عالميا مثل باهار كورشان، أرزو كابرول، هاكان يلدريم، وغامزي ساراغوغلو، الذين أتحفوا الحضور، وأغنوا الأسبوع.

حتى المخضرم بيير كاردان كان له حضور وإسهام، ولو بالاسم، من خلال خطه «ويك إند بيير كاردان» الموجه إلى الأيام العادية ونهاية الأسبوع كما يدل اسمه. تجدر الإشارة إلى أن هذا الخط يصنع في تركيا للسوق المحلية والشرقية، بحيث توظف فيه أقمشة وأيد عاملة محلية لتنفيذ تصميمات ولدت في فرنسا. لكن على الرغم من الاسم الكبير، فإن العرض كان باهتا، ولم يقدم جديدا سوى في الإخراج، الذي تعمد أن يغازل الرجال. كان من السهل توقع ما سيحدث قبل بداية العرض، حيث كان في الاستقبال مساعدون في ملابس حمراء مكونة من قطعة واحدة، مثل تلك التي تلبس في حلبات سباق السيارات، ووضعت على كراسي الضيوف قبعات «بايزبول» خاصة بهذه الفعالية. أما الطريف، فكان ملاحظة ردود فعل الحضور، فقد كانت النساء يضعن القبعة بلا مبالاة في حقائبهن أو يرمينها جانبا، بينما كان الرجال يسارعون إلى وضعها على رؤوسهم، ولسان حالهم يقول إنهم غير مصدقين أنهم سيعيشون رحلة «رالي» ولو افتراضية. كانت ابتساماتهم تتسع بالتدريج وهم يسمعون هدير السيارات العالية تقترب أكثر، ليبدأ العرض بمجموعة معقولة لكن عادية جدا من الأزياء الرجالية لا تحمل جديدا، ويبدو أن همها هو أن تمس وترا حساسا داخل الرجل أولا وأخيرا، وهذا ما حققته بالنظر إلى العيون المبهورة والابتسامات الواسعة التي كان يتبادلها الحضور منهم. ولم تنتقل العدوى إلى النساء إلا بعد ظهور كل من بطلي السباقات التركي بورشو شيتنكايا وميرت أيتوغ في آخر العرض. مصمم هذه التشكيلة، أيلان إيكيز، قال إن الفكرة كانت تجديد صورة بيير كاردان الكلاسيكية، لكن يظل نجاحه في هذه المهمة من عدمه محط سؤال، لأن الإخراج شيء والتصميمات شيء آخر.

في المقابل، كان عرض المصممة أرزو كابرول متعة حسية بكل معنى الكلمة. فعلى الرغم من أن الأسود كان طاغيا بشكل خلق إحساسا بالكآبة، خصوصا أنه ترافق مع عزف على الناي، فإن التصميمات الهندسية، أحيانا على شكل قبب تغطي الكتفين وأحيانا على شكل مراوح مفتوحة، غطت على هذه الإحساس. وبعد أن فقدنا الأمل في أي لون آخر، أطلت علينا فجأة قطع برمادي غامق ثم فضي ثم أبيض، وكأن المصممة أرادت بهذا التدرج أن تلاعبنا وترى إلى أي مدى يمكن أن تؤثر في مزاجنا. وليس غريبا أن تبدع أرزو في هذه المجموعة، أو غيرها، فهي مصممة متخصصة في مجالي «هوت كوتير» والأزياء الجاهزة، ولها خطان متوازيان فيهما، مما يجعلهما يتلاقيان في الكثير من الأحيان ليسعدا امرأة تتعطش إلى كل ما هو مميز وفريد. المثير أن الإتقان والتميز لم يقتصرا على الكبار من أمثالها، إذ قدمت مجموعة من المصممين الشباب تشكيلات كان بعضها يضج بالتجديد والحرفية إلى حد تشعر فيه كأنك في عرض باريسي أو ميلاني. فالأقمشة من دون استثناء كانت ذات جودة عالية، كما جاءت التفاصيل مبتكرة والتصميمات تشي بأن من وراءها تعلم فن التفصيل والتصميم في الوقت ذاته. وقد أثبت هؤلاء أنهم لا يقلون كفاءة عمن سبقوهم، ربما فقط في الخبرة في التعامل مع السوق، وهو أمر مقدور عليه، ويمكن أن يكتسب إما مع الوقت، أو على يد فرد من أفراد العائلة. وهذا بالتحديد ما حصل مع دينيس، مصمم شاب لا يتعدى عمره 23 سنة، ولا يزال يدرس التصميم في ميلانو، إلا أن خبرة والده كانت هدية من السماء. فالأب، جمال، أسس الدار منذ نحو 25 سنة في تركيا، ونقلها إلى بلدان عدة من العالم، بما فيها منطقة الشرق الأوسط. الدار هي «جيوفاني جنتيلي»، ومعناها الجنتلمان الشاب، وهي بالفعل كذلك، سواء كان هذا الشاب كلاسيكيا محافظا أو رياضيا جريئا. «جنتلمان» سيجد في هذه المجموعة كل ما يحتاجه، سواء كان يريد أزياء خاصة بمناسبة نهاية الأسبوع، أو بذلات تليق بحفل رسمي جدا.

ولأن الأسبوع الإسطنبولي ككل موجه للخريف والشتاء القادمين، فإن الصوف استخدم بكميات سخية، وفي عرض «جيوفاني جنتيلي» كان أجود، وترجم في أشكال عدة، أحيانا ككنزات محبوكة وأحيانا أخرى كبذلات مخلوطة بالكشمير، لعبت على موضة الطبقات المتعددة. لكن تبقى من بين الاقتراحات الأنيقة التي تقدمها الدار للموسمين القادمين مزج الكلاسيكي بالسبور بشكل عصري وحيوي شاب، مثل سترة مفصلة من الصوف بنقوشات مربعة، تم تنسيقها مع بنطلون جينز، تعمد ثنيه لكي يظهر مبطنا من أسفل بنقوش وألوان مقاربة لتلك التي تطبع السترة.