سودانيون نقبوا عن الذهب في صحراء العتمور فعثروا على 500 برميل «نفايات»

نصف مليون مواطن انتشروا خلال الأشهر ينقبون عن الذهب في صحاري الشمال بعد سماح حكومي

نحو «نصف مليون» مواطن انتشروا خلال الأشهر ينقبون عن الذهب في صحراء العتمور وجزء واسع من سلسلة جبال البحر الأحمر
TT

قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أمس: إن السلطات السودانية بدأت رسميا إجراءات تحقيقات ميدانية حول عثور مواطنين ينقبون عن الذهب في صحراء شهيرة في شمال السودان، على «مواد» مدفونة في براميل تحت الأرض، يرجح أنها نفايات نووية، حسب التقارير غير الرسمية المتداولة في الخرطوم، فيما رجحت مصادر حكومية أنها قد تكون من مخلفات شركة قامت في وقت سابق بأعمال طرق في المنطقة. وذكر شهود عيان أن الشرطة وضعت يدها، في صحراء العتمور في ولاية نهر النيل على نحو 500 برميل يختلف شكلها عن البراميل المعتادة في السودان، وبداخلها مواد غريبة ومحكمة الإغلاق، وظلت في انتظار التحقيقات الفنية حول حقيقة تلك المواد. وتشهد مساحات شاسعة من شمال السودان الآن موجة من الهجرة من أنحاء السودان كافة، من أجل التنقيب عن الذهب، ووصف خبير جيولوجي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، تلك الهجرة إلى مواقع الذهب بأنها عالية، وتشابه ما يعرف بهجرات «غولد رش» (gold rush)، كما حدث في الولايات المتحدة في القرن الثامن عشر وجزء من القرن التاسع عشر. وقال: «هناك مدن قامت في الولايات المتحدة بعدما ظهرت فيها كميات من الذهب وهاجر إليها الناس فأصبحت مواقع معمرة بالسكان وتحولت فيما بعد إلى مدن».

وأعادت واقعة براميل المادة المجهولة للأذهان تقارير غير رسمية ظهرت في النصف الأخير من السبعينات من القرن الماضي، وحتى منتصف الثمانينات عن وجود مزارع للنفايات النووية في شمال السودان، دفنتها سلطات الرئيس السوداني الراحل نميري، باتفاق مع جهات أميركية. وقالت مصادر في الخرطوم: إن الشرطة منعت آلاف السكان من الاقتراب من موقع البراميل. ونسبت صحيفة في الخرطوم إلى مصدر قوله: إن مجموعة من المواطنين عثروا أثناء أعمال التنقيب عن الذهب في منطقة تبعد نحو 100 كيلومترا شرق مدينة أبو حمد في نهر النيل استخرجوا 500 «برميل معدني مصفحة» ومغلقة وكتب عليها عبارات باللغة الانجليزية لم يتبين المواطنون معناها.

وتقول تقارير محلية: إن نحو «نصف مليون» مواطن انتشروا خلال الأشهر ينقبون عن الذهب في صحراء العتمور وجزء واسع من سلسلة جبال البحر الأحمر، بعد أن اكتشف السكان المحليون في ولاية نهر النيل في العامين الماضيين، كميات من الذهب في الجبال والوديان والخيران ومراقد المياه، واتخذوا من عمليات التنقيب التقليدية مهنة لهم درت لهم مبالغ مالية كبيرة، ويقول السكان المحليون: إن «هناك فقراء في المنطقة حولهم التنقيب عن الذهب وبيعه للتجار إلى أغنياء بين عشية وضحاها».

وقال خبير جيولوجي متخصص في الذهب لـ«الشرق الأوسط»: «إن التنقيب التقليدي عن الذهب يتركز الآن في مناطق: (العنج، ونصب الحصان، وجبل الرجل، والمعقل وقبقبة، ووادي العشار، وأم قمر). وتفيد تقارير محلية حصلت عليها «الشرق الأوسط» أن عمليات التنقيب تتم في ظروف قاسية، في مناطق وعرة تقل فيها المياه والطرق السالكة، وتشتد فيها حرارة الجو في الصيف بصورة تصيب المواطنين الذين ينقبون عن الذهب بضربات الشمس، وتقل حرارة الجو في الشتاء بصورة قاتلة، حسب التقارير. وتشير التقارير إلى أن من مخاطر التنقيب عن الذهب في شمال السودان تعرض الأعداد الموجودة هناك إلى لدغات الثعابين والعقارب»، وقد يتعرضون إلى هجمات من الذئاب والضباع المنتشرة في الصحراء.

وتفيد التقارير أنه سجل نحو 40 حالة موت خلال العام الماضي في مواقع مختلفة بمواقع التنقيب، ولا تستبعد التقارير حدوث حالات موت غير مسجلة، وهناك العشرات الذين تعرضوا لإصابات، من بينهم عمال يتبعون شركة حصلت على امتياز للتنقيب عن الذهب في عدد من المربعات شمال مدينة أبو حمد.

ويرجح شهود عيان، أنه إلى جانب وجود مواطنين من كل أنحاء السودان في المنقطة، وجود أجانب من دول الجوار الأفريقي ضمن الحشود التي تنقب عن الذهب. ويرتبط السودان تاريخيا بالذهب، حيث يرى مؤرخون كثيرون أنه من أغني بلدان المنطقة بالذهب غير المكتشف. وكان هدف الغزو التركي للسودان في منتصف القرن التاسع عشر، الحصول على الذهب والرجال الأقوياء. ويعرف الخبير الجيولوجي، وقد طلب عدم ذكر اسمه، نوع الذهب الذي يُنقّب عنه في شمال السودان الآن بـ«البلاسر غولد» (placer gold)، وحسب الخبير فإنه ينتشر في أغلب شمال السودان الصحراوي من أقصى الشمال، وحتى قرب العاصمة الخرطوم ، ومن الساحل الشرقي على البحر الأحمر وسلسلة جبال البحر الأحمر إلى أقصى الغرب بالقرب من جبل عوينات والطينة في دارفور.

وقال: إن مناطق التنقيب القديمة لمثل هذا النوع من الذهب تتمثل في مناطق (أبو أحمد وصحراء العتمور، وجبال البحر الأحمر، والأنقسنا في منطقة جنوب النيل الأزرق وجنوب الخرطوم، والعباسية تقلي في جنوب كردفان، ومناطق موزعة في دارفور).

وحسب الخبير الجيولوجي فإن التنقيب يتم عبر وسيلتين: الأولى عبر حفر الآبار وقد وصلت بعضها إلى عمق 50 مترا، وأصبحت بالتالي خطيرة على الناس، لأنها تنهار كما تفقد الأكسجين في الأعماق. والوسيلة الثانية التنقيب عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وتحدث عن وجود ثلاثة أنواع من الأجهزة في تلك المواقع، منها ما يعرف بالـ«جي بي إكس» وسعره نحو 600 ألف جنيه سوداني (الدولار يساوي 250 جنيه)، وهناك جهاز الـ«كانكس» وسعره 150 ألف جنيه، وهناك أجهزة مخصصة في الأصل لكشف الألغام. وقال: إن هناك مجموعات تشترك لشراء جهاز للعمل به ميدانيا، وهناك من يشتري هذه الأجهزة ويؤجرها للمواطنين الذين يرغبون في التنقيب.

وحمل الخبير على السلطات الحكومية في الإقليم وفي الخرطوم بشأن قيامها بعمليات حظر للتنقيب في بعض المواقع بأسباب واهية حسب قوله، وقال: إن مثل هذا النشاط موجود في دول كثيرة؛ لأنه ليس من الأنشطة التي لها جدوى تجارية، مما يجعل الحكومة تستدعي شركات للعمل في مواقع مثل هذا النوع من الذهب، وتترك كنشاط ساكني، كل حسب طاقته، ولكن دور الدولة أن تنظم هذا النشاط وتوفر سبل الحياة من مياه إلى خدمات صحية في مواقع التنقيب، وقبل ذلك توفر التوعية للازمة للسكان من مخاطر التنقيب والتعامل مع بعض المواد الخاصة بتجلية الذهب عن الشوائب، وقال: «بعض هذه المواد سام وقاتل». وقال: «أغلب مدن الغرب الأميركي قامت عبر هجرات الذهب والتنقيب التقليدي»، وأضاف «حتى الآن موجود في الولايات المتحدة .. وتجد الراية من قبل الدولة .. حيث توفر الأجهزة في كل مكان في الأسواق لمن يرغب»، وتساءل «لم هذا التخوف القائم على الجهل بالأمر»، ومضى يقول: «هؤلاء الآلاف الذين في الصحراء الآن سيكونون أسبابا لتعمير تلك المواقع الخالية وتأمينا طبيعيا لها .. ليس على الدولة إلا أن توفر لهم سبل الحياة»، ونوه الخبير إلى أن «التنقيب عن الذهب البلاسر يعتبر واحدا من المشروعات العالمية المعتمدة لمحاربة الفقر».

ويطلق المنقبون عن الذهب على الكميات التي يستخرجونها أسماء محلية، فهناك قطع صغيرة تسمى «تسالي» وتباع بنحو 40 جنيه سوداني، وهناك «الناموسة»، بنحو 80 جنيه، ويطلق على كميات أخرى بحجم أكبر «الضفضعة» تصل وزنها نحو «كيلوغرامين»، ويُجلى الذهب محليا في المدجن والقرى المجاورة، حيث أنشا تجار محليون وآخرون قادمون من الخارج مطاحن لها، تشير التقارير إلى أنها بلغت نحو 300 مطحن مهمتها طحن حجر الكركار، الذي يأتي به المنقبون من باطن الآبار أو أطراف الجبال، ويُطحن الجوال من الحجارة المشتبه بوجود الذهب فيها بـ 10 جنيهات. وانتعشت الأسواق المحلية، وراجت تجارة الذرة كقوت للحشود التي تبحث عن الذهب هناك، وتضاعفت أسعار الخيام، حيث يقيم فيها المواطنون في مواقع التنقيب.

وقال سكان محليون: إن الصحراء أصبحت أسواقا جديدة بعد حضور الآلاف للمنطقة يبحثون عن الذهب».