جدة تستعد لموسم العمرة بمعرض يؤرخ للحرمين الشريفين

يضم 80 صورة تعود لمنتصف القرن التاسع عشر تقدم سجلا للحياة الاجتماعية والحياة المدنية في مدن السعودية

افتتاح مدارس برهان الاتحاد الابتدائية بمكة في فبراير 1910 (الصور: غازي مكي)
TT

بالتزامن مع بداية موسم العمرة في السعودية، وعطلة الربيع، أطلقت وزارة الثقافة والإعلام السعودية بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي ومركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باسطنبول (آرسيكا) معرضا فوتوغرافيا ليس الأول من نوعه لكنه الأكثر غنى بمقتنياته وصوره النادرة التي تؤرخ لعقود طويلة وأجيال كثيرة في منطقة الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة تحديدا.

وافتتح المعرض، الذي يضم مادة تاريخية غنية من الصور الفوتوغرافية والشروحات التاريخية الموثقة لهذه الصور، وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة مساء أول من أمس، بحضور نخبة من المهتمين والمشاركين على رأسهم الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي، في تظاهرة ثقافية اتخذت من متحف البنط وسط منطقة جدة القديمة والأثرية مقرا لها، ليستمر المعرض على مدى عشرة أيام كاملة ليتنقل بعدها في متاحف ومناطق أخرى من المنطقة الغربية.

ودعا وزير الإعلام السعودي عبد العزيز خوجة أثناء افتتاحه المعرض الباحثين والمؤرخين السعوديين وغير السعوديين من المهتمين بتاريخ المنطقة إلى الاستفادة من المعرض الذي يعكس بحسب خوجة جوانب مهمة من تاريخ هذه المنطقة المتضمنة المعمار الهندسي ومناشط الحياة اليومية، واستخدامها كدليل للبحث والتنقيب حول هذه الحقبة والتطور الذي تم في المنطقة إبان العهد السعودي من أواسط القرن التاسع عشر وحتى العصر الراهن.

وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية الدكتور أبو بكر أحمد باقادر بدوره قال إن معرض الصور الفوتوغرافية للحرمين الشريفين ومكة والمدينة وبعض المدن السعودية هو شريط تاريخي مهم لاعتبارين، الأول أن هذه الصور من أوائل بدايات التصوير الضوئي في العالم، وهي تقدم سجلا للحياة الاجتماعية والحياة المدنية في مدن السعودية، ولهذا فهي مفيدة للمؤرخ والإعلامي ودارس العلوم الاجتماعية لأنه يمكنه أن يرى الحياة المدنية في مدن المملكة في ذلك الوقت، ولمقارنتها بما انتهى إليه الواقع في العهد السعودي الزاهر. الصور تعكس ما كان عليه المجتمع من معمار وتطور قبل مائة عام وقبل بدء العهد السعودي الحديث، وهي تعطي مؤشرا عن أن هذا المجتمع ليس كما صوره بعض المتحاملين عليه من أنه مجتمع معزول وبعيد عن التنمية، والدليل هو الشواهد المادية التي تقدمها الصور من خلال لقطات عن حياة الناس اليومية.

وأضاف باقادر أن المعرض سيبقى لمدة 10 أيام في بيت البنط، ثم يتنقل في بعض المواقع داخل جدة وخارجها، متمنيا أن يضطلع المسؤولون عن برامج العمرة بإبلاغ المعتمرين بهذا المعرض المهم والتاريخي، نظرا لتزامن المعرض مع بداية موسم العمرة، كما تمنى باقادر أن تكون هناك زيارات مكثفة من قبل المدارس والجامعات لتنمية وعي النشء بهذه الحقبة التاريخية المهمة في تشكيل وعيهم وحس المواطنة لديهم من خلال رؤية التاريخ والتطور الذي شهدته أماكن يعيشون فيها دون أن تكون لديهم صورة عما كانت عليه قبل مائة عام.

أقدم صورة فوتوغرافية يضمها المعرض الذي يضم 80 صورة تعود لمنتصف القرن التاسع عشر، ويؤكد باقادر أن بعض هذه الصور تمثل بدايات التصوير الضوئي في العالم كله، وهو ما يكسبها أهمية إضافية لأن المسلمين بدأوا بتوثيق الحرمين الشريفين والأماكن المقدسة منذ بدايات التصوير، وعلى مستوى آخر فهي توثق لما كان عليه الحرمان الشريفان والمدينتان المقدستان في القرن التاسع عشر.

وأشار باقادر إلى أن هذه الصور نقلت من أرشيفات خاصة ولا تعرف أسماء ملتقطيها، أو المعلومات الخاصة بظروف التقاط هذه الصور التاريخية النادرة، ولهذا فإن هناك حاجة ماسة للباحثين والمؤرخين السعوديين لمراجعتها ومحاولة إيجاد الملابسات التاريخية المرتبطة بها، فبعض الصور تمتاز بوجود ملاحظات تأريخية تحدد الأيام والمناسبات والأماكن التي التقطت فيها، والبعض الآخر لم توجد عليه أي إيضاحات، لذا فإن هناك فرصة جيدة للباحثين والمختصين بالتأريخ لمحاولة دراستها واكتشاف المزيد عما تحمله وما تعنيه. وقال باقادر «نحن في المعرض نتيح الإمكانية لذلك، ونعطي لكل زائر أقراصا مدمجة تحوي كل الصور، التي تم جلبها من أرشيف عام تابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومركز الأبحاث والدراسات التاريخية والفنون والثقافة في العالم الإسلامي ومقره اسطنبول».

تجدر الإشارة إلى أن افتتاح المعرض تم مساء الأربعاء الماضي في منطقة جدة القديمة، ضمن تظاهرة ثقافية فنية متنوعة، تضمنت رقصات شعبية وأهازيج فلكلورية تعكس التراث الثقافي لمنطقة غرب المملكة، وبحضور حشد من الفنانين والمهتمين بالتاريخ والثقافة، وبعض أعضاء السلك الدبلوماسي العاملين في المملكة، الذين أبدوا اهتماما ملحوظا بالموروث الحضاري الذي تحمله صور المعرض. إلى جانب عشرات المتسوقين الذين أثار فضولهم وجود المعرض في المتحف الأثري الواقع في أقدم أسواق مدينة جدة (غرب السعودية) وأكثرها نشاطا وازدحاما بالرواد على مدار العام.