رحيل ألكسندر ماكوين قبل أن تبصر تشكيلته القادمة النور الشهر المقبل

نهاية مصمم الازياء البريطاني في شقته في لندن

ماكوين مع الأمير تشارلز (رويترز)
TT

مع انطلاق دورة الموضة العالمية في نيويورك أمس وتأهب عشاقها للتمتع بما ستقدمه على منصاتها، أفاقت أوساط العاملين فيها يوم أمس على واقع قبيح ترجمه خبر رحيل المصمم البريطاني المعروف ألكسندر ماكوين عن سن يناهز الـ40. فقد أعلن أن المصمم شنق نفسه لأسباب لم تعرف لحد الآن. ومع ذلك فإن العثور على جثته في ظروف ترجح انتحاره فتح أبواب التأويلات والتفسيرات على مصراعيها. فبينما صرح المقربون منه أنهم فوجئوا بمصرعه، لا سيما أنه كان يعمل معهم على تحضير تشكيلته القادمة التي كان سيعرضها في باريس في التاسع من شهر مارس (آذار) المقبل، فإن البعض الآخر ربط انتحاره بموت صديقته الحميمة إيزابيلا بلو. فهذه الأخيرة كان لها الفضل في شهرته وتقديمه للعالم، وكانت هي الأخرى قد انتحرت منذ ثلاث سنوات تقريبا بعد تعرضها لاكتئاب سوداوي. أما المتتبعون له على صفحته على موقع «تويتر»، التي توقفت مباشرة بعد موته، فأشاروا إلى أنه كتب في الثالث من شهر فبراير (شباط) أن والدته توفيت في اليوم السابق وأعرب عن حزنه الشديد، وبعدها بأيام كتب: «مساء يوم الأحد كان يوما قاسيا. لقد كان أسبوعا لعينا، لكن أصدقائي كانوا رائعين». وفي الأول من فبراير بعد أسابيع من عرضه تشكيلته الرجالية لخريف 2010 كتب: «من الجنة إلى جهنم ثم العكس.. الحياة مضحكة أحيانا. الجمال يمكن أن يكمن في أغرب الأماكن، بل وفي أقبح الأماكن». بعدها بدقائق كتب: «لماذا يتجاهل الناس الأشياء القبيحة في الحياة، فهم يخسرون أشياء كثيرة لأنهم بذلك يجهلون ما بداخلها من جمال». لكن مهما كانت الأسباب، فإن عالم الموضة فقد مصمما موهوبا وفذا، كانت لندن تفخر به، وعاشقات الموضة العصرية، والمثقفة أحيانا، لما تتضمنه من أفكار فلسفية. أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه جمع المجد من طرفيه: التفصيل وفنون الخياطة على أصولها، والابتكار الفني إلى حد الجنون لكنه دائما جنون يناسب الواقع بشكل أو بآخر. فماكوين تعلم أصول الخياطة والتفصيل في شارع «سافيل رو» اللندني المشهور، بل يقال إنه فعلا صمم بذلات خاصة للأمير تشارلز بعد إتقانه لها. ولم يمر وقت طويل حتى بدأ يطبق أفكاره وخبرته في مجال تصميم الأزياء النسائية التي سرعان ما أكد فيها على موهبة فذة، وخيال خصب جعله من بين أهم المصممين البريطانيين، إلى جانب جون غاليانو وستيلا ماكارتني. لم يكن وسيما لكن شخصيته وشقاوته كاننا تعوضان عن هذا الجانب، إلى جانب موهبته. وهذه الأخيرة كانت هي الطريق إلى قلب مديرة الموضة في مجلة «تاتلر» آنذاك، إيزابيلا بلو، التي فتحت له الأبواب، وساعدته بشتى الإمكانيات لكي يحلق إلى العالمية. فقد اشترت أول تشكيلة تخرج قدمها لقاء 5000 جنيه استرليني قدمتها له على دفعات، وهو مبلغ كبير آنذاك بالنسبة لمصمم مبتدئ. بعدها تنقل من نجاح إلى آخر حيث حصل على جائزة أحسن مصمم لأربعة أعوام ما بين 1996 و2003، فضلا عن جائزة أحسن مصمم عالمي. عندما انتحرت إيزابيلا بلو في عام 2007 كانت هناك شائعات بأن علاقة المصمم بها لم تكن على ما يرام، بل هناك من قال إنها كانت مصدومة فيه لأنه أدار لها ظهره، وهو الأمر الذي نفاه بشدة، وأثر عليه في الوقت ذاته. تشكيلته لربيع وصيف 2008 أهداها لذكراها، ويقول المقربون منه إنه لم يفق من صدمة انتحارها طوال هذه السنوات.

ولا شك أن الراحلة إيزابيلا بلو، هي أفضل من فهم أسلوبه ومدى موهبته. فقد قالت في إحدى مقابلاتها: «علاقتي بماكوين بدأت في عام 1994، عندما ذهبت لحضور عروض تخرج (سانت مارتنز). كان المكان مكتظا ولم أجد أي مقعد شاغر، فجلست على الدرج لأتابع العروض. توالت العروض، وفجأة قلت مع نفسي: ما أجمل هذه الأزياء، إنها فعلا مدهشة..كانت أول تشكيلة له. أهم ما شدني فيها التفصيل وطريقة حركتها. حاولت أن أتصل به فيما بعد مرارا في بيت والدته، وكنت دائما أسمع نفس الرد أنه لم يكن متواجدا في البيت، وأنه كان في إجازة، وعندما رجع، اتصل بي وقررت أن أشتري تشكيلته. كنت أشتري قطعة كل شهر وأدفع له 100 جنيه استرليني»... ومن هنا بدأت قصة صداقة لم يفرقها سوى موت إيزابيلا بعد تناولها مبيدا في عام 2007. أسلوبه أيضا كان يبدو مسرحيا للوهلة الأولى، إلا أنه كان يحضن بين طياته أفكارا ذكية وأحيانا فلسفية استقاها من الشارع أو من تجاربه الخاصة، فيما كانت عبقريته المسرحية تتجلى في الإخراج أكثر من أي شيء آخر. وهذا ما جعل الكثيرين يشبهونه بفيفيان ويستوود.

ولد ماكوين لأسرة بسيطة جدا تتكون من ستة إخوة، كان هو أصغرهم، لأب يعمل كسائق تاكسي. كان شقيا منذ نعومة أظفاره، الأمر الذي انعكس على تحصيله الدراسي. غادر مقاعد المدرسة وهو في الـ16 متوجها إلى «سافيل رو» ليشبع رغبته في تعلم الخياطة والتصميم بعد مشاهدته برنامجا تلفزيونيا عن تراجع الإقبال على مهنة الخياطة التقليدية. وكانت البداية مع «أندرسون آند شيبورد» التي كان يتعامل معها الأمير تشارلز، وميخائيل غورباتشوف وغيرهما. بعدها انتقل للعمل مع «جيفس آند هوكس» في الشارع نفسه، ثم مع «إينجلز آند برمانز» قبل أن يشد الرحال إلى اليابان ومنها إلى إيطاليا. في عام 1994 عاد إلى لندن للعمل كمدرس تفصيل نماذج على الورق في معهد سانترال سانت مارتنز. وبفضل موهبته وإمكانياته تم إقناعه للعودة إلى مقاعد الدراسة في المعهد. بعد التخرج، أسس دارا خاصة به في شرق لندن، حيث ولد كمصمم فيما بعد. فهنا أطلق بنطلونات الجينز المنخفضة الخصر بشكل فاضح، والتي قد لا تكون في غاية الأناقة إلا أنها كانت جديدة لفتت إليه أنظار الصحف الصفراء والمجلات. ويبدو أنه استعذب فكرة إحداث صدمات وخضات لعالم الموضة، لهذا قدم فيما بعد فساتين تبدو فيها المرأة وكأنها زواحف، وأحذية على شكل حوافر. لكن للأسف لم يكن نجاحه التجاري دائما بنفس قدر نجاحه الإعلامي. ومع ذلك سيبقى في الذاكرة كمصمم أغنى الساحة بتصميمات جد مبتكرة وعروض أزياء فنية جمع فيها التكنولوجيا بالدقة والإخراج المسرحي بالفني، وفي الوقت ذاته كان دائما ابن عصره، الأمر الذي انعكس على تصميماته العبقرية، حتى في غرابتها وسرياليتها.

في عام 1996 حصل على عقد من دار «جيفنشي» الفرنسية العريقة لكي يخلف ابن بلده جون غاليانو كمصمم فني فيها. وفي عام 2000 التحق بمجموعة «غوتشي» التي اشترت نسبة 51% من أسهم داره. أما يوم أمس فقد أنهى آخر فصل من حياته بطريقة مأساوية.