بداية جيدة لمهرجان برلين السينمائي الدولي

افتتح عروضه بالفيلم الصيني «معا منفصلين»

بطلة فيلم الافتتاح الصيني «معا منفصلين» Tuan Yuan أمام المصورين
TT

في معظم السنوات العشر الأخيرة، منذ أن بدأت الطبيعة بإعلان تمردها على الإنسان، توقف الثلج عن الهطول، كان الزائر يصل باحثا عن علامات الشتاء فلا يجدها، بقي البرد وحده أحيانا والمطر هطل لكن الثلج كان شحيحا.

هذا العام يهطل الثلج بغزارة ويفترش الأرض والأسقف والسيارات والأشجار والأنهار ويدفع بالزائر المشتاق للطبيعة تمارس طقوسها «الطبيعية» لأن يبتسم شاكرا الله على نعمة لا تُقدر حق قدرها.

لكن لمعظم الوافدين إلى هنا هذا العام، لم يكن واردا الوقوف تحت الثلج والإمعان في فصول الحياة فكلهم آتون لدورة أخرى من مهرجان عالمي لا يزال يحط بثقله على المحيط العالمي ولا يتراجع عن موضعه بين المهرجانات كواحد من أهم 3 مهرجانات عالمية، أما الآخران فهما «كان» و«فنيسيا» لكن من الأول بينهما هو الموضوع الذي يختلف عليه البعض، ثم من هو الثاني، هو الموضوع الذي يختلف عليه الجميع.

إذا ما كان «برلين» أولا، فإن «كان» الفرنسي سيحل ثانيا و«فنيسيا» ثالثا وهذا لا يبدو صحيحا، كذلك لا يبدو صحيحا أن يكون «كان» الأول، و«فنيسيا» الإيطالي الثاني، ربما الأصح هو اعتبار «كان» الأول، لاعتبارات تخضع للنقاش، و«برلين» و«فنيسيا» يتقاسمان المركز الثاني - علما بأن قوة أو ضعف برمجة كل دورة من كل مهرجان هي التي تتحكم في المعايير، لذلك قوة برنامج برلين قبل 3 أعوام فقط، في موازاة ضعف برمجة «كان» في العام نفسه، رجح «برلين» ليكون الأول في ذلك العام - لم لا؟

وقوة أو ضعف البرمجة الحالية أمر يصعب تحديده، المهرجان الفرنسي في العام الماضي أطلق على دورته دورة المخرجين الكبار، لكن معظم الأفلام كانت دون المستوى على أي حال، بالنتيجة لا يهم ما يطلق المهرجان على نفسه من تسميات، المهم العروض ذاتها وما تنبلج عنه، وهذا ما يجعل من المسبق لأوانه معرفة ما إذا كانت الدورة الحالية منه هي بالعنفوان والإجادة ذاتيهما الذي يتحدث عنهما المهرجان.

لكن إذا ما كان فيلم الافتتاح هو عنوان ما سيلي فإن المرء يشعر بالتفاؤل. الفيلم هو «معا منفصلين» صيني من إخراج وانغ كوانآن وبطولة الممثلة الصينية التي تعيش في هوليوود، ليزا لو ولينغ فنغ واكزو كايغن، ثلاثة ممثلين يعكسون أكثر من أدوارهم في دراما تكاد تكون آسرة كليا حول الصيني العائد من تايوان لزيارة المرأة التي أحب وهجر بعد خمسين عاما مضت على انتقاله إلى الجزيرة المتمردة، إنه واحد من الجنود الذين حاربوا الجيش الصيني الشيوعي وخسروا المواجهة فانتقلوا إلى تايوان التي أعلنت استقلالها وبقي فيها خمسين عاما قبل أن تتاح له فرصة العودة إلى الأرض الصينية في زيارة لمدينة شنغهاي التي ترك فيها حبيبته «ليزا لو»، يجدها تعيش مع أولادها في كنف رجل يحبها كل الحب، التايواني يحل ضيفا على العائلة ثم يعلن السبب الحقيقي وراء زيارته: إنه لا يزال يحب المرأة ويريد أن يأخذها معه إلى تايوان.

الرجل الذي تعيش تلك المرأة معه، يوافق على مضض، يعلم أنه لا يجب أن يكون عائقا في طريق هذا الحب المتجدد بين امرأته وحبيبها السابق، لكن حتى تتيح لها السلطات مغادرة الصين، عليها أن تتزوج من ذلك الرجل الذي تعيش في كنفه ثم تطلقه، وما يبدو مسألة سهلة في البداية يتعقد في الإجراءات، في الوقت التي تقرر فيه المرأة العزوف عن هجرة رجلها الذي يتعرض لأزمة قلبية ما يجعلها تعي مغبة ما كادت أن تقوم به، الحال هذه، فإن الحبيب السابق الآتي من الجزيرة غير البعيدة سيعود خالي الوفاض ولو أنه يعد بالزيارة، بعد سنة على تلك الزيارة ها هي تجلس وابنتها الكبرى وزوجها حول مائدة غداء أخرى (الفيلم مليء بالموائد) لكنه جمع يبدو مثل قشة على سطح نهر الحياة يجرفها الماء بعيدا أكثر في كل يوم.

نتحدث عن ثلاث شخصيات تجاوزت منتصف العمر، بالتالي هناك قيمة آنية سريعة وهي مشاهدة شخصيات كبيرة في العمر تقود بطولة فيلم ما، أمر ما عدنا نراه كثيرا في أفلام اليوم، الأهم هو أن هذه الشخصيات المعنية ليس لديها ما تعكسه سياسيا، الفيلم بحد ذاته لا علاقة له بالخطأ والصواب لا على صعيد الفرد ولا على صعيد النظام، ولو أنه ينتقد «الثورة الثقافية» أكثر من مرة من خلال حكايات يتبادلها الزوج وامرأته على مسمعي الزائر الذي جاء محاولا استعادة المرأة التي أحب، ما ينتج عن متابعة فيلم المخرج الجديد نوعا (هذا هو فيلمه الخامس في عشر سنوات) هو معايشة حالة عاطفية حول امرأة تتنازعها الرغبة بين رجلين، لا عراك بينهما ولا شعور بالبغض والكوميديا التي تشرأب برأسها تأتي من خلال الموقف وبعض المشاهد المقصود بها أن تكون إيماءات سهلة، بل مدارك عاطفية وإنسانية في سلسلة من المشاهد التي تأنف عن تصوير الحياة زاهية وجميلة حتى بالنسبة للجيل الأصغر المحيط بتلك العائلة، العصرنة تزحف على شنغهاي التي لا تتوقف عن النمو، لكننا لن نرى شيئا من ذلك بل نسمعه وصفا من إحدى الشخصيات التي لا تبدو سعيدة أو مغتبطة لهذه الملاحظة بدورها.

النتيجة التي طرأت على زيارة العائد العاكس مدى حبه (ولو متأخرا) هي أن المرأة والرجل الذي تعيش معه تزوجا في نهاية الأمر، أصبحا شرعيين (ولو متأخرا أيضا)، ومع أن المرأة التي تؤديها ليزا لو تدرك أن قلبها مشدود إلى حبها الأول إلا أن عقلها هو الذي ينتصر في سرد لا يختار توقيت المشاعر حسب اللقطات، فالمشاهد طويلة بلقطات بعيدة وأحيانا بحركة تمسح المكان القريب في بطء مقصود به التعايش مع إيقاع حياة هو ذاته الذي نراه: غير مثير.

الفيلم ناضج وإن كان يعاني أحيانا من ضآلة أحداثه، لكنه على ذلك يمضي ملقيا نظرة ذات نقد خفي والكثير من المسحات الإنسانية حول حياة لا يحدث فيها الكثير.

فيلم آخر من الشرق الصيني هو «كانيكوسن»، كلمة يابانية غير مترجمة وأحداثه تقع في البحر خلال الحكم الإمبراطوري في مطلع الأربعينات، سفينة صيد تشرف عليها شركة تبيع محصولها من الصيد إلى الحكومة، داخل السفينة آلات لصنع المعلبات تدار عجلاتها الثقيلة باليد، وذلك ليس مصدر الشكوى، بل الطريقة التي يعامل بها أصحاب الشركة وأزلامها المعدودون كل البحارة والصيادين العاملين، الضرب والقتل والإذلال يستمر من مطلع الفيلم إلى أن يخطب أحد البحارة في رفاقه طالبا منهم التمرد والإضراب، كان هذا البحار قد هرب من السفينة فالتقطته سفينة صيد روسية وشهد على متنها بحارة سعداء يرقصون ويغنون ويعاملون معاملة يتمناها لنفسه ولرفاقه فقرر العودة لنشر هذه المبادئ.

النهاية وخيمة هنا فهو سيدفع ثمنا لأفكاره الجديدة لكن الفيلم يوعز بأن الاضطهاد والفوارق الاجتماعية والطبقية هو بعض الأسباب التي أدت لتفسخ ثم انهيار النظام الياباني، الفيلم يذهب إلى حد السخرية من المبدأ البوذي الذي يؤمن بالتقمص، ففقراء السفينة يحدوهم الأمل بالعودة إلى الحياة بعد موتهم كأثرياء، ما لم تمنحه لهم الحياة الحاضرة سوف تمنحها لهم حياة أخرى على الأرض، كل ما على الواحد منهم أن يموت وهو يتخيل نفسه من عائلة ثرية وسيعود كما تخيل نفسه، إذ يعمد المخرج سابو (وكان هناك فتى هندي مثل في أفلام أميركية وهندية كثيرة في الخمسينات باسم سابو لكن لا علاقة) إلى هدم هذه الفكرة، ينتقي مشاهد بعينها للسخرية منها، حين يتحدث البحار عن فقره ننتقل إلى مشهد له في قريته يعكس ذلك الفقر، وحين يتخيل آخر نفسه ثريا، ننتقل إلى مشهد له يلعب كرة اليد في ثياب بيضاء متوهجة وبيئة مسالمة، تعبيريا، هذه النقلات ساذجة وبدائية، لكن الإصرار عليها يضعها في لحمة الفيلم من دون تأثير سلبي على صعيد العمل بأسره.

متابعات

* أخبار تتردد عن أن عمر الشريف سيلعب دور الملك لير في فيلم بريطاني تجري أحداثه في القاهرة، الفيلم، الذي سيستوحي من المسرحية الشهيرة أحداثا معاصرة سيكون من إنتاج شركة جديدة يرأسها فردريك شيشلر الذي كان رئيس الإنتاج في شركة «روتانا ستديوز» التي يرأسها الأمير الوليد بن طلال، وذلك بالمشاركة مع شركة مصر العالمية لغبريال خوري.

* حسب مجلة «فاراياتي» اليومية الصادرة هنا بمناسبة المهرجان، فإن شركة «إيماجنيشن»، التابعة للهيئة العامة للثقافة والتراث، اشترت حقوق رواية بوليسية جديدة للكاتب رتشارد ماثيسون (كاتب سيناريوهات أفلام عدة مثل «جوز 3» و«منطقة الغسق» و«الغراب»)، وذلك تبعا لعقد مبرم بين الشركة وشركة إنتاج أميركية أخرى اسمها «باركس / مكدونالد»، الرواية بعنوان «باتجاه الأرض» أو Earthbound

* المخرج رومان بولانسكي لم يستطع الحضور بسبب قرار الحجز عليه في منزله الذي أصدرته المحكمة السويسرية، لكن فيلمه الجديد «الكاتب الشبح» موجود كأحد أكثر أفلام المسابقة أهمية لدى الحاضرين، الجميع يريد أن يرى هذا الفيلم الذي ربما يكون آخر ما سيحققه المخرج المطلوب من العدالة الأميركية من أفلام، إلا إذا ما تم إصدار عفو عنه وهذا مستبعد في القريب على الأقل.