إزالة الحيطان.. لتغيير الثقافة

التصميمات المفتوحة داخل أماكن العمل بين مؤيد ومعارض

مكاتب بلا حيطان لفرض قواعد جديدة للتعامل بين الموظفين (نيويورك تايمز)
TT

في نوفمبر (تشرين الثاني)، وبعد 45 عاما من المكاتب الهادئة المنعزلة داخل المبني رقم777 في الشارع الثالث بمدينة نيويورك، تحول عملاق الإعلانات «غراي غروف» إلى تصميمات مفتوحة داخل مبنى مركز الألعاب الدولي في المبني 200 بالشارع الخامس في نيويورك.

وكان ذلك التغيير مفاجئا، بل مربكا نوعا ما، للموظفين البالغ عددهم 1200 موظف، الذين يحتلون حاليا ستة طوابق فقط بدلا من 26 طابقا. ومن قبل، كان جميع الموظفين تقريبا لديهم مكاتب، ولكن لا يوجد حاليا سوى ثلاثة مكاتب داخل الشركة بالكامل. ولا يوجد داخل الطابق الذي يحتوي على أقسام الإنتاج والإبداع أي حيطان.

وتختلف «غراي»، التي أنشئت عام 1917 وعرفت في تلك الأيام من خلال إشارات متكررة إليها خلال مسلسل «رجال مجانين»، عن الشكل الأول للشركة وتسعى حاليا إلى الاعتماد على التصميم الداخلي المفتوح.

يذكر أن مركز المؤسسة التابع لـ«ألكوا» داخل مدينة بيتسبرغ به تصميم داخلي مفتوح منذ عام 1998، وعندما تولى العمدة مايكل بلومبرغ منصبه عام 2002 جلس مع وكلائه ومساعديه البارزين في مكتب مفتوح يحتوي على حيطان فاصلة منخفضة، وهو التصميم الذي طُبِّق منذ ذلك الحين داخل نحو 12 إدارة بمدينة نيويورك. ولكن داخل «غاري» فإن التخلص من الهيكلة التقليدية أدى إلى هزة وإن هذا كان مقصودا. ويقول تور ميرين، المسؤول عن الإبداع داخل «غراي نيويورك»، الكيان التابع الأكبر لعملاق الإعلانات: إن التغيير كان شيئا ضروريا من أجل تعزيز الشفافية والتعاون. ويضيف ميرين: «كانت غراي رمزا على ما اعتادت عليه الإعلانات: بطيء من دون إفراط. وخلقنا بيئة أسرع وأكثر انفتاحا وتعاونا. وتعكس هذه المساحة ما يحدث داخل العالم الرقمي».

وعلى الرغم من جاذبية المبنى الجديد، والعزلة الكئيبة للمبنى القديم، فقد بُذل جهد كبير لإقناع الموظفين بأن تطوير الشركة يهدف إلى التخلص من الشكل غير المناسبة للمكاتب. وقضت الإدارة عاما كاملا تطرح التصميم المفتوح على الموظفين، وخلال أشهر مقبلة، سيعقد طبيب نفسي جلسات لتبديد أي مخاوف محتملة. ويقول جويل ماسنر، الطبيب النفساني الذي تستعمله مجموعة «غراي» لضمان أن هذه الخطوة لن تجعل الموظفين غير سعداء: «لا تختفي حالة التذمر خلال ليلة واحدة. وجزء من دوري هو إخراج هذه الأشياء حتى لا يتفاقم الأمر».

وعكس تصميم المساحة الداخلية، وهو من عمل «ستدويوز للعمارة»، الاتجاه داخل تصميم المكاتب الذي يهدف إلى الجمع بين عناصر سكنية وصناعية. وتوجد ألواح من خشب البلوط الخام على الكثير من الحيطان. وتتدلى من السقف مصابيح أديسون، وتوفر مناضد من تصميم خاص مساحات تساعد على إزكاء الروح الجماعية. ومن المفاجئ، ولكنه شيء مناسب، أنه توجد غرفة نوم تحتوي على أثاث كامل وحيطان زجاجية في الطابق الثاني. ويقول ميرين: إن غرفة النوم «تستخدم بالفعل. ولكني لا أقصد هذا النوع من الاستخدام». وعلى الرغم من ذلك، فالمكتب يحتوي على بعض التفاصيل الأصلية من المبنى الذي افتتح عام 1909 وشكل جزءا من منطقة ليديز ميل التاريخية. وتمزقت السجادة لتكشف أسفل منها عن قرميد فسيفسائي وأرضية تجمع بين قطع الرخام والأسمنت الصغير، وفي بعض المناطق حفرت فتحات داخل السقف الجديد لتظهر السقف القديم. وتطل نوافذ كبرى ذات حلق علوي مقوس على منتزه ميدان «ماديسون»، ويمثل الأثاث تقريبا كل عقد عودة إلى الأربعينات من القرن الماضي.

ويقول الدكتور موسنر: إن الموظفين الذين أصبحوا أخيرا بلا مكاتب ربما يشعرون بالقلق المرتبط بالتطفل أو احتمالية الشعور بالقلق. ويخطط لعقد ثلاثة أشكال من الجلسات: واحدة للسماح للموظفين بالتعبير عن حزنهم بسبب خسارة المبنى القديم، والثانية للوصول إلى وسائل للتعامل مع القصور المحتمل للتصميم المفتوح، والثالثة لمساعدة الموظفين على استخدام المساحة الجديدة بصورة كاملة. ويقول موسنر: «يعتقد الكثير من الأشخاص أنه عمل أحمق، ولكن ربما يكون شيئا جيدا للوصول إلى تفاهم مشترك للتصرفات المختلفة التي سوف يقومون بها داخل المساحة الجديدة».

وقبل الخطوة الكبرى، كانت معدلات القلق كبيرة. وكان الموظفون يشعرون بالقلق بخصوص فقدان حيطانهم، ولكن كان عليهم أيضا أن يقللوا ملفاتهم ومتعلقاتهم، فهؤلاء داخل الأماكن المبتكرة لديهم صندوق واحد فيما كان أي شخص آخر لديه اثنان. وتحتوي منطقة الإنتاج والابتكار على مناضد عمل طويلة ومتصلة بعضها مع بعض وتحتوي الطوابق الأخرى على مكاتب منفصلة بها حيطان منخفضة. وتقول ناتاليا شولتز، التي تحمل لقب مسؤولة الابتكار داخل «غراي نيويورك»: «كان لدي درج للأحذية في مكتبي، ومع ذلك فلدي درجان فقط». وقد طلبت شولتز مكتبا صغيرا في المبنى الجديد حيث إنها في قسم التنمية البشرية، ولكن لا يوجد في المكتب مساحة لأحذيتها. وتقول: «معظم أحذيتي حاليا داخل حقيبة سيارتي».

وفي يوم الانتقال، كان الجمال الواضح داخل المكتب ومناسبته للعمل، سببا في تقليل معدل الشكاوى. ويقول ألكس لوبار، نائب رئيس النشاطات التجارية الجديدة داخل «غراي نيويورك»: «أعتقد أن الأمر كان يتعلق بالخوف من المجهول، فقد كان هناك حالة من الخوف بسبب الأشياء المتضمنة في المساحة المفتوحة».

ولا يزال الموظفون يتعودون على غياب الخصوصية. ويستخدمون بعض الإشارات بدلا من الطرق التقليدي على الباب وتعلموا الانحناء داخل غرفة المؤتمرات لتلقي المكالمات المهمة. وقد ظهرت قواعد أخرى غير رسمية. وعلى سبيل المثال، تقول شولتز: «لا يجب تناول التونة في المساحة المفتوحة».

ويفتقد بعض الموظفين القدماء مكاتبهم القديمة. ويرى روب بايوكو، وهو مدير ابتكار تنفيذي داخل «غراي نيويورك» أن الانتقال كان شيئا حلوا مرا. ويقول: «قضيت 17 عاما من حياتي أذهب إلى المبنى القديم. وكانت هذه وظيفتي الأولى داخل نيويورك، وكنت مرتبطا بهذا المبنى كثيرا». ويقول بايوكو: إنه بصورة مجملة كان يشعر بالفرح بالمساحة الجديدة. ويقول: «إنه مثل استاد يانكي القديم. فالاستاد الجيد رائع، ولكن لا يزال الناس مغرمين بالاستاد القديم».

* خدمة «نيويورك تايمز»