جيل جديد من الرجال الهنود يتمرّد على الشوارب

بعدما ظلت لقرون رمزا للرجولة

الشاربان .. موضة هندية إلى زوال (أ.ف.ب)
TT

بدعم من صديقاته، أقدم ناندا كومار (26 سنة)، على ثورة صغيرة، لكنها مهمة قبل رحيله مؤخرا عن منزل أسرته في مدينة كوتشي الساحلية الهندية، لتولي وظيفة في بمجال التقنيات المتطوّرة، حيث حلق شاربه.

بالنسبة لأجيال كثيرة من الرجال الهنود، كان الشاربان عنصرا أساسيا في مظهرهم، وبالأخص، هنا في جنوب الهند، حيث نُظر منذ أمد بعيد إلى شعر الوجه على أنه رمز للرجولة. غير أنه بين الأجيال الأصغر سنا من الهنود الحَضَر، يتنامى الاعتقاد بأن الرجال حليقي الشاربين واللحية هم المفضّلون عند النساء، طبقا لما كشفته دراسة مسحية أجرتها مؤخرا مؤسسة «إيه سي نيلسن» في ثماني مدن كبرى. وحول هذا الجانب يقول كومار معلّقا: «كان آباؤنا يعتقدون أنهم لن يكونوا رجالا من دون الشاربين. لكن عصر الرجال كثيفي شعر الوجه في هندوستان (الاسم الشعبي لشبه القارة الهندية) ولّى. وهذا الاعتقاد بات ينتمي إلى الهند القديمة. فالشاربان يليقان بوالدي... وليس بي». في الواقع، فإن النسبة المرتفعة جدا للنساء اللواتي أبدين رفضهن لإطالة شعر الوجه بمثابة مفاجأة لكثير من المعلقين الهنود المعنيين بالقضايا الثقافية. ومع هذا، توافرت لديهم تفاسير عديدة، إذ رأى البعض أن اختفاء الشوارب مؤشر على تنامي تأثيرات العولمة في أوساط الشباب القاطنين في المدن، بينما أبدى آخرون اعتقادهم بأن الجانب المثير في الموضوع هو أخذ آراء النساء في الاعتبار.

المسح توصّل إلى أن 72% من النسوة اللواتي شاركن فيه من مومباي، و83% من المشاركات من مدينة تشيناي (مدراس سابقا، في جنوب البلاد)، أكثر رغبة في أن يكون الرجل الذي يقبّلنه حليق الوجه. وجاءت الأرقام مشابهة في العاصمة الهندية نيودلهي، ومدينة كولكاتا (كالكتا سابقا، في شرق البلاد) التي عادة ما تعتبر من معاقل التقاليد الهندية. في كتاب «شَعر الهند: مرشد للحى الغريبة والشوارب الضخمة في هندوستان»، الذي ألفه ريتشارد ماكالوم، وشارك فيه بالصّور المصوّر كريس ستاورز، يستعرض الرجلان تنقلاتهما ورحلاتهما في الهند تبعا لترتيب زمني، ابتداء من القبائل التي تعيش على رعاية الإبل في ولاية راجستان في الشمال الغربي، إلى سكان «المياه الخلفية» في ولاية كيرالا بالجنوب للتعرّف على «زينة الوجه» في الهند، من شوارب ولحى، قبل أن تصبح جزءا من الماضي. ويعلق ماكالوم، الخبير في مجال شعر الوجه، بقوله: «بات الشاربان يمثلان جميع صور الهند القديمة، مثل الفساد وشخصية الشرطي السيئ التي كانت تظهر كثيرا في الأفلام القديمة، والوظائف الحكومية التي كان يتبوأها المرء طيلة عمره.. وكلها مظاهر يودّ جيل الشباب في تركها وراء ظهره. أضف إلى ذلك، أنه لا أحد صار يرغب في أن يبدو مثل والده». غير أنه يستطرد، بعد ذلك، موضحا أن الشوارب الضخمة ربما تبقى في الهند كأحد عناصر الجذب السياحي.

وبالمناسبة، الملاحظ أن صالونات الحلاقة في الهند تطلق الكثير من الأسماء على القصات المختلفة للشوارب، والتي تُرسَم على سبيل الفكاهة على لوحة. وعلى سبيل المثال، تحمل إحدى القَصّات اسم «مقوَد الدراجة»، وهي قَصّة تسمح للشاربين بتكوين لفات، وهي من المتطلبات المهنية للبوّابين في الفنادق الهندية الفاخرة ذات النجوم الخمسة. وهناك قَصّة أخرى تحمل اسم حيوان «الفظ»، وهي عبارة عن شاربين ضخمين متدليين فوق الشفاه. وهناك ثالثة تحمل مسمى «خط القلم»، بجانب الشوارب المصبوغة باللون السود أو المنقطة باللون البرتقالي. مع الإشارة إلى أن الهنود اعتادوا دهن شواربهم بالزيوت وتمشيطها. لكن الأذواق بدأت تختلف، ولم تعد لدى بعض لاعبي الكريكيت في الهند، الذين يحظون بشعبية بالغة، شوارب. كما أن كثيرين من نجوم «بوليوود» (السينما الهندية)، الذين يُنظر إليهم باعتبارهم نماذج للجاذبية يكتفون بشَعر في الوجه بالغ القصر.

ولقد بعثت المجلات النسوية الهندية رسائل إلى رئيس التحرير تعرب فيها عن سعادتها بأنه سيجري أخيرا تشذيب الشوارب الهندية الضخمة، وهي مشاعر أبدت الكثير من الشابات هنا اتفاقهن معها. فعلى سبيل المثال، قالت فايشنافي فيراج (18 سنة)، وهي طالبة بجامعة دلهي: «لم يسبق لي قط أن أعجبت بشاب له شاربان. وعلى الرغم من أن والدتي تعتقد أن الشوارب رمز للملكية وتوحي بالبهاء والفخامة، فلا يروق لي الرجال كثيفو شعر الوجه». في حين قالت أديشري باندا (18 سنة، أيضا): «أربط دائما بين هذا النوع من الرجال وبين أعمامي وآبائي». والحقيقة، أنه قبل القرن الثامن عشر، كان يسمح للرجال من أبناء الطبقة العليا فقط بإطالة الشاربين. وأثناء انتفاضة غاندي السلمية ضد البريطانيين في ثلاثينات القرن الماضي، طلب من الهنود إطالة لحاهم اعتراضا على استيراد شفرات الحلاقة من الخارج. إلا أن الهنود من طائفة السيخ يمتنعون عن حلق شعر الرأس انطلاقا من معتقدات دينية، ولكن حتى هنا، فإن أعدادا متنامية من شباب السيخ باتوا يحلقون رؤوسهم، وهو ما يثير قلق الأجيال الأكبر سنا في أوساط هذه الأقلية الدينية البالغ عدد أبنائها 20 مليون فرد. على صعيد آخر، يعد رام سنغ تشومان، من مدينة جايبور (بولاية راجستان، بشمال غرب البلاد)، واحدا من أصحاب أطول الشوارب على مستوى العالم، إذ وصل طول شاربيه إلى 12.5 قدم. وبفضل شاربيه شارك بدور ثانوي في فيلم «أوكتوبوسي»، من سلسلة أفلام جيمس بوند، عام 1983، وظهرت صورته على غلاف مجلة «لونلي بلانيت».

وكان شائعا بين الهنود أن يقسم الرجل بشاربيه دليلا على صدقه، كما تشير عبارة أن «شاربي رجل ما متدليان» إلى أنه حزين. ولكن في الفترة الأخيرة وقع انقسام حول الشاربين حتى بين النساء الهنود الأكبر سنا، فبينما يرى البعض منهن أن الرجال أصحاب الشوارب ما زالوا يشكلون رمزا جذابا للهند التقليدية، يرى آخرون أن زمن الشاربين ولى بالفعل. وفي هذا الصدد، علقت بولين هيو (56 سنة)، وهي مصففة شعر في أحد أشهر صالونات التصفيف في دلهي، قائلة: «الكثير من النساء لم يرق لهن الشاربان قط، فهما شائكا الملمس. في أيام شبابي، كان الرجال الهنود يكافئون بين الشاربين والقدرة على تحمل المسؤولية والاحترام وكون المرء رجلا بحق. وفي تلك الأيام عانت النساء من جراء ذلك». أما ريشي كومار نيوباني (43 سنة)، وهو أحد زملاء بولين، ويحمل على وجهه شاربين كثيفين يشبهان شاربي والده (82 سنة) الضابط المتقاعد من الجيش الهندي، فإنه يتولى تهذيب وصبغ عشرات الشوارب شهريا. إلا أن نيوباني لاحظ في الفترة الأخيرة أن زبائنه من جيل الشباب يطلبون حلق شواربهم تماما، وأن نجله، البالغ من العمر 23 سنة، يرفض إطالة شعر وجهه. وحول هذا التطور يقول: «أحيانا تراودني الرغبة في حلق شاربيّ، لكنني لا أستطيع ذلك حتى يتوفى والدي، ذلك أن حلقي شاربي سيؤلمه كثيرا. فالشاربان يرمزان لثقافتنا الهندية. وعلى الرغم من أن الأمور تتبدل، فلا يمكننا إنكار ما يجعلنا هنودا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»