«التفاحة الكبيرة» تتسلح بالترف لضرب الأزمة

الكبار يختتمون أسبوع نيويورك أمس وشباب لندن يتسلمون الشعلة اليوم

TT

اختتم أسبوع نيويورك للموضة فعالياته، أمس، بمشاركة أسماء مهمة، تم انتقاؤها بذكاء، بهدف الحفاظ على سخونته عالية، واستقطاب الحضور الذي يمكن أن يمل بعد ثمانية أيام من العروض المتوالية والطويلة. فأسبوعا نيويورك وباريس من أطول الأسابيع في دورة الموضة، الأمر الذي يجعل متابعتهما عبئا، ولو لذيذا.

فقد أنهي الأسبوع بعروض كل من المخضرم رالف لوران إلى جانب كالفين كلاين وإسحاق مزراحي وتومي هيلفيغر، لتتسلم باقة من المصممين الشباب الشعلة اليوم في عاصمة الضباب، لندن.

لكن قبل أن يكتب الأسبوع نهايته، أعطى الكلمة في أيامه الأخيرة لمجموعة أخرى من المصممين لا تقل أهمية مثل نانيت لوبور، برونزا شولر، فيليب ليب، أنا سوي، وغيرهم. نانيت لوبور، قدمت تشكيلة تمزج حلاوة الكرز والتوت بدفء القرفة، وتتراقص على أقمشة لا تقل دفئا مثل المخمل والصوف.

بينما طلب فيليب ليم إلى الحضور في نهاية عرض مثير، تصور امرأة سرقت فستانا يلمع بالبريق ويقطر أناقة «لكنها تكتشف أن درجة الإبهار فيه قوية بدرجة لا تستطيع تحملها، لهذا تقوم بقصه بشكل عشوائي، ليبدو وكأن الريح عبثت به». لحسن حظه أن الصورة التي شرحها ليست هي تلك التي تمت مشاهدتها، لأن الفساتين كانت معقولة إلى حد كبير، بل أنيقة مطبوعة بأسلوبه المعهود، الذي جعل نجمات هوليوود يقعن في حبها. إلى جانب هذه الفساتين، كان هناك عدد لا يستهان به من البنطلونات الواسعة، التي تستحضر حقبة السبعينات من القرن الماضي وسهرات الديسكو، الأمر الذي تشير إليه ألوانها التي تم التركيز فيها على درجات البرنز والأزرق، والبيج القريب إلى لون البشرة.

من جهتها، قدمت أنا سوي تشكيلة تضج بالألوان والنقوش والأقمشة، لكن على الرغم من تناقضاتها الصارخة، فإنها تميزت بتناغم تعرف المصممة كيف تصوغه، لأنها تجمع فيه كعادتها إيحاءات إثنية مع إيقاعات العصر. والدليل أنك إذا لم تتصوري يوما أن تبدو حقيبة مصنوعة من القماش المقصب، البروكار، متناغمة مع فستان يلمع بالبريق، فأنت حتما ستغيرين رأيك بعد مشاهدة صورة العارضة وهي تختال بهذه المتناقضات. أنا سوي قالت إنها استلهمت التشكيلة من الفن الأميركي والصناعة اليدوية، وهذا ما يفسر الإحساس القوية بإثنيتها وعمليتها.

أما الثنائي بروانزا شولر، فقد كسر القاعدة النيويوركية، وبدلا من أن يقدم تشكيلة عملية وتجارية كعادته، اختار أن يكون أكثر ابتكارا وجرأة، فأضفى على التشكيلة روحا «سبور» واضحة. والقصد بالرياضي هنا ليس تلك المخصصة للأيام العادية، التي كانت النواة التي ولد منها أسبوع نيويورك والأسلوب الأميركي، بل للرياضة، والتي يمكن الآن أن تلبس في المناسبات مع حذاء بكعب رفيع وعال. وعلى ما يبدو فإن هذه التيمة كان سائدة في الأسبوع كله، سواء في عرض ألكسندر وانغ، أو في تشكيلة «وليم راست»، التي يعتبر جاستن تيمبرلايك أحد مالكيها ومصمميها، إلى جانب صديق عمره ترايس أيالا. أطلق تيمبرلايك وأيالا على تشكيلتهما عنوان: «أميركا جديدة»، لكنها كالعادة جاءت غنية بقماش الدينم، إلى جانب كمية هائلة من الجلد. وعودة إلى الثنائي بروانزا شولر، فمن الخطأ القول بأنه لعب فقط على العنصر «الكاجوال»، لأنه كانت هناك أيضا تنورات غلبت عليها البليسيهات، تبدو أنيقة مع أحذية جلدية عالية، وجاكتات ضيقة عند الخصر، وقمصان من دون أكمام، وبنطلونات مطبوعة بالغرافيت بألوان تتباين بين الأسود والأبيض، والأخضر الزمردي والأصفر والبنفسجي. كان الثنائي يريد من ورائها مخاطبة شريحة الشابات الأنيقات، وليس فقط مناسبات المساء والسهرة أو مناسبات السجاد الأحمر.

أما براين رييس، لدار «أوسكار دي لارونتا»، فقدم مجموعة كل ما فيها يصرخ بالفخامة، احتراما لاسم صاحبها وأسلوبه، فالفساتين تميزت بسخاء في استعمال الأقمشة التي تتراقص على الشيفون والتول والتافتا والفرو. وتجدر الإشارة إلى أن الفرو استعمل بسخاء وبطرق جديدة حتى في الأحزمة، ليس في دار «أوسكار دي لارونتا» فحسب، بل في الكثير من التشكيلات الأخرى، مؤذنا بأنه سيكون خامة قوية في المواسم القادمة. وهذا يعطي الانطباع بأن المصممين اتفقوا ضمنيا على أن الوسيلة الفعالة لمحاربة الأزمة هي بالمزيد من الترف والفخامة، ضاربين عرض الحائط بتهديدات وتنديدات جمعيات الرفق بالحيوان، والمناهضين لاستعمال الفرو. من هذا المنطلق، لم يقتصر استعماله على المعاطف فحسب، بل شمل الإيشاربات والأحزمة وحقائب اليد، وحتى الأحذية، التي جاء بعضها مزينا بقطع واضحة منه بعد أن كان يقتصر في الماضي على الداخل لمنح الدفء.

في عرض «أوسكار دي لارونتا» مثلا، استعمل في الياقات، والحواشي، والمعاطف. وفي عرض مايكل كورس، طغى على تشكيلة باهرة، تم التركيز فيها على الأحجام الضخمة، خصوصا فيما يتعلق بالمعاطف والقلنسوات والقبعات المزينة بالفرو. بالإضافة إلى الفرو، استعمل كورس أيضا الكشمير وصوف الموهير، سواء في الكنزات أو في البنطلونات. تفسيره كان أنها تشكيلة «سبور» يريد توجيهها للنهار، لأنه حسب قوله، تعب من رؤية المرأة تتجه إلى أماكن العمل في أزياء تليق بالسهرة. ومن هنا، كانت ألوان البيج المائل إلى القرنفلي أو لون المستردة، والرمادي فضلا عن الذهبي، الذي غلب على مجموعة فساتين مغزولة بالصوف وحقائب يد بالدرجات المعدنية نفسها، وتصميمات ضخمة في الجاكتات الشتوية والمعاطف.

من الأشياء التي لا يمكن تجاهلها خلال الأسبوع أن الفستان لم يعد السيد على الساحة، وأن البنطلون بدأ يسترجع بعضا من قوته الثمانينية، حيث ظهر في معظم العروض بقصات سخية وواسعة. بدءا من «أوسكار دي لارونتا»، ومايكل كورس، إلى فيليب ليم، مرورا بأنا سوي وغيرهم، اختفت السيقان المكشوفة، في دلالة واضحة أننا في الخريف والشتاء القادمين يجب أن نعطي الأولوية للدفء والعملية، فالفساتين والتنورات ستكتسب أطوالا جديدة، والبنطلونات ستتوافر بشكل أنيق وجذاب، وحتى من لم يسهب من المصممين في طرح البنطلون، قدموا جوارب صوفية سميكة لتغطية هذا الجزء من الجسم أو نسقوا الفساتين والتنورات مع بنطلونات، مما يشير إلى أن موضة الطبقات المتعددة أيضا ستبقى معنا لموسمين آخرين.

يمكن القول بأن دار «ماركيزا»، قد تكون الوحيدة التي ظلت وفية لأسلوبها الرومانسي، الذي يخاطب النجمات، وامرأة رومانسية تتوق إلى أسلوب «أيام زمان»، فالتصميمات تميزت بوردات تزين الكتف أحيانا، والخصر أحيانا أخرى، أو بطيات تتفتح وكأنها بتلات وردة تحضن الصدر على أقمشة من التول والشيفون، والألوان تباينت بين الأحمر والسماوي والوردي أو الأبيض السكري، مع قليل من الأسود.

المخضرم رالف لوران، غيّر اتجاهه تماما هذا الموسم مقارنة بما قدمه في الموسم الماضي، حين اعتمد على قماش الدينم والجينز كليا احتفاء منه بالعمال الأميركيين في وقت الأزمة، كما قال حينها. أمس كان الأمر مختلفا رغم أن الألوان كانت هادئة، أو بالأحرى داكنة نوعا ما حتى فيما يتعلق بالقمصان المطبوعة بالورود، لأن المصمم كان يريد من خلالها مخاطبة امرأة قد تكون عاملة وعملية لكنها أنيقة وتميل إلى الترف والكلاسيكية. فالفساتين والقمصان كانت بنقوشات كلاسيكية على أقمشة مثل المخمل أو الشيفون أو حرير الجورجيت أو الصوف، مزينة أحيانا إما بالفرو أو بالدانتيل. لهذه المرأة أيضا قدم قطعا صارمة بخطوط مقلمة استعرض فيها قدرات الدار على التفصيل. ومثل مايكل كورس وفيليب ليم وغيرهما، ابتعد لوران عن فساتين السهرة الطويلة التي ظل المصممون طويلا يغازلون بها مناسبات السجاد الأحمر والحفلات، وعانق أسلوبا بسيطا وهادئا فيه أنوثة طاغية حتى عندما لعب على مفهوم الازدواجية: الأنوثة والرجولة.