عميد الحلاقين العجائز في العالم يقص الشعر.. ويهوى الدردشة

مانسينيللي بدأ العمل في مهنته وعمره 12 عاما

مانسينيللي.. ذاكرته تشبه كتاب تاريخ متحرك («نيويورك تايمز»)
TT

ربما للمرة رقم 300، كان مايك جافي يجلس على المعقد أمام أنتوني مانسينيللي خلال أحد أيام السبت الماضية لكي يحلق شعره ويدردش.

وفي الوقت الذي كان فيه الرجلان يتحدثان حول بعض الأمور المعتادة، الطقس، وآخر الأحداث في المدينة، كان جافي يقوم بالروتين المعتاد، يقص أطراف الشعر، ويقص شعر «السوالف» بطريقة حادة.

لقد كان نوعا من المحادثات الخفيفة التي يمكن أن تدور بين أي حلاق وأحد زبائنه الدائمين. وكان لدى مانسينيللي بالتأكيد الكثير من مثل هؤلاء الزبائن.

بدأ مانسينيللي حلاقة الشعر عندما كان الرئيس كالفين كوليدج في الحكم، وكان هو في الثانية عشرة من عمره.

يزعم المسؤولون عن موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية والمهتمون بمثل تلك الأشياء أن مانسينيللي الذي سيبلغ عامه الـ99 في 2 مارس (آذار) القادم، هو أكبر الحلاقين العجائز في العالم.

فيقول مانسينيللي لزبونه جيف الذي كان زبونا لديه منذ ما يربو على 25 عاما «عندما بدأت مهنتي كان قص الشعر وحلاقة اللحية يكلفان ربع دولار. وبعد ذلك بقليل، أصبح قص الشعر يكلف 25 سنتا، فيما تكلف حلاقة الذقن 15 سنتا».

ويكلف قص الشعر في الوقت الراهن على يدي مانسينيللي - الذي يؤكد زبائنه الدائمون أن أصابعه ما زالت بنفس المهارة - نحو 12 دولارا.

ويقول جافي (60 عاما)، الذي كان حفيده أنتوني كولونا، البالغ أربع سنوات، يقص شعره أيضا عند مانسينيللي «إنه أسرع حلاق أعرفه، كما أنه ما زال يقص ببراعة. وبالنسبة للكثير من الزبائن الذين كانوا يأتون إلى هنا منذ زمن بعيد، فإنه يماثل أحد أفراد العائلة. أتمنى أن يظل يحلق لي شعري حتى يصبح عمري 125 عاما».

ويقول بيتر لي روز (60 عاما) من نيوبرغ بنيويورك - من زبائنه الدائمين أيضا - والذي كان يجلس منتظرا أن يقص شعره بصحبة والده، بيتر، الذي يبلغ 90 عاما، مثنيا على مانسينيللي ويديه البارعتين «ربما يكون مانسينيللي قد أوشك على بلوغ المائة لكنه ما زال يقدم لنا أفضل حلاقة ممكنة».

ومن جهته، يقول أنتونيو موغنانو، وهو يراقب مانسينيللي وهو يعمل في الجانب الخاص به من المحل بابتسامة خفيفة «في يوم مزدحم مثل اليوم، يستطيع أنتوني الاعتناء بنحو 25 إلى 30 زبونا. فهو لا يتوقف عن العمل، كما أنه لا يتوقف عن الدردشة وعن الابتسام، وذلك هو سر محبة الناس له».

يقضي حاليا مانسينيللي، الرجل الرفيع ذو الرأس المشتعل شيبا - الذي كان يمتلك قبل ذلك محلا في «ليبرتي ستريت» على مقربة من نيوبرغ - وقته في محل «أنتونيو وباسكويل»، الذي يعلو بابه عمود الحلاقين المزين بالأحمر والأبيض والأزرق، فيما تختلط بداخله اللهجات الإيطالية المختلفة.

يقول مانسينيللي الذي نشأ في نيوبرغ وما زال يعيش بها «كان أبي لا يحصل سوى على 25 دولارا في الأسبوع في مصنع لإنتاج اللباد، وكان لديه سبعة أطفال يجب عليه إطعامهم، ومن ثم فقد كنا بحاجة إلى المزيد من المال. وفي ذلك الوقت، كان التمرين على أن تصبح حلاقا يساعدك على كسب أربعة أو خمسة دولارات في الأسبوع».

ولكن مانسينيللي وقع في غرام تلك المهنة، فيقول «أحب الدردشة مع الناس، فهي من أفضل الأشياء في تلك المهنة». ولمدة تسعة عقود كان يطيل الحديث حول الموضوعات اليومية أو الموضوعات التاريخية مثل الكساد العظيم، والحرب العالمية الثانية، والبيتلز، وبطولات اليانكيز. وعن ذلك يقول موغنانو «إنه يشبه كتاب تاريخ متحركا».

بعدما قام برش رقبة جافي بفرشاة مغموسة في بودرة التلك، أجلس مانسينيللي رجلا آخر، وبدأ يحدثه بصوت عال بما يكفي لكي يتم سماعه رغم إحدى أغنيات فيليبو فالي المذاعة في الراديو حول كيف كان الحلاقين القدامى مثله يقومون مقام الأطباء».

فيقول دون أن ينتبه إلى أن هناك نحو ستة أشخاص في انتظاره، وأن هناك ثلاثة من الحلاقين يتابعون كل كلمة ينطق بها «لقد كانت لدي دائما زجاجة بها طفيليات على طاولتي كنت أضعها على جلد المرضى لسحب الدماء. وفي هذه الأيام، وأثناء قص شعر أحد الزبائن، أضع تلك الطفيليات على الهالات السوداء المحيطة بالعيون لإخفاء التورم، أو على ذراع أحد الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم لاعتقادي أنها تخفض ضغط الدم».

ومن جهة أخرى، أطلق جو أنونزياتا، أحد الحلاقين الأربعة بالمحل على مانسينيللي لقب «ملهمي». فيقول أنونزياتا (69 عاما) «انظر إلى هيئته. أقصد أنه لم يرتد أبدا نظارات نظر. بل إنه يقص شعره بنفسه وتلك مهارة حقيقية».

يعمل مانسينيللي الأرمل بالمحل ليومين أو ثلاثة بالأسبوع. وعن ذلك يقول «أستطيع أن أعمل كل يوم إذا سمحوا لي. ولكننا لدينا طاقم كامل من الحلاقين هنا». وعزا مانسينيللي قوته إلى حرصه على تناول الطعام الصحي، بالإضافة إلى أنه لا يشرب الخمر أو يدخن.

وقد سار مانسينيللي إلى آخر المحل وعاد ومعه نسخة من موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية لعام 2009. وقال بفخر، «انظر هنا»، في إشارة إلى إحدى صفحات الكتاب التي ظهر فيها مع آخرين من محققي الأرقام القياسية: جون سيمبلوت الذي كان أكبر ملياردير حتى توفي في عام 2008 عن عمر يناهز 99 عاما وهو لديه ما يقدر بنحو 3.2 مليار دولار، وجان لويس كالمينت التي كانت أكبر الممثلات حيث توفيت في عام 1997 عن عمر يناهز 122 عاما، وبيل والاس الذي قتل رجلا في ديسمبر (كانون الأول) 1925 وأصبح أكبر السجناء الأحياء بعدما قضى 63 عاما في الخدمة في مستشفى أسترالي للأمراض النفسية قبل أن يتوفى هناك في عمر 107 أعوام.

وفي أواخر اليوم، منح مانسينيللي قطعة من الحلوى لأنتوني حفيد جافي، وربت على رأسه وسار ليبحث عن الزبون القادم. قائلا «أنا فخور لأنني أقص شعر الأولاد الصغار وشعر آبائهم وأجدادهم، بل وفي بعض الأحيان جداتهم. وما زلت أشعر بأنني بصحة جيدة، وبالتالي فإنني لا أفكر في التقاعد لأن العمل هو ما يدفعني للبقاء».

* «نيويورك تايمز»