يوم في البيت الأبيض المزدحم بالزوار

أطفال وأساتذة من هارفارد.. يتابعون أوباما وهو يمارس رياضته ويتناول إفطاره

البيت الأبيض يفتح أبوابه للزوار من مختلف الأعمار للاطلاع على الحياة اليومية فيه (أ ب)
TT

عندما دقت الساعة السابعة صباحا، بدأت حشود الزائرين في التدفق على البيت الأبيض، كي يبدأ يوم آخر داخل أكثر مباني البلاد شموخا. كان من أول الواصلين إلى البيت الأبيض عائلة من ويسكونسن الريفية لم تأت من قبل إلى واشنطن، تلاها أحد الموظفين المحليين الذي جاء لحضور الاجتماع التاسع له خلال شهر. مر كلاهما بعملية التحقق من الأوراق الرسمية، ثم محطتين أمنيتين، يليهما جهاز رصد المعادن، قبل التمكن من دخول مكتب ومنزل الرئيس أوباما.

كان ذلك في 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2009، لكنه كان من الممكن أن يكون في أي يوم آخر داخل البيت الأبيض، حيث وصل 2215 من الزائرين الذين جاءوا من جميع أنحاء البلاد لحضور أحد اللقاءات الـ112 التي تشغل إدارة أوباما يوميا من الفجر وحتى منتصف الليل. كان من بين الزوار مدير أحد صناديق التحوط، وجنرال بالجيش، وخطاط، وعازف بيانو. وقد التقى أوباما مع 385 منهم، فيما التقى 85 من العاملين بالبيت الأبيض بآخرين.

وفي محاولة لإثبات الشفافية، قرر أوباما أن يعلن قائمة الزوار بعد مرور 90 يوما لأسباب أمنية. وقد أعلن فريقه أخيرا عن سجلات الشهر الأول؛ أكتوبر، وقد وفرت تلك البيانات إطلالة غير مسبوقة داخل البيت الأبيض. ففي 28 أكتوبر، قدم سيناتور عرضا موجزا للرئيس حول الأمن القومي، فيما قام أحد مصممي المسارح بتعليق عنكبوت زغب ذي سبع أرجل على السقف في احتفالات عيد الهالوين. وتمكن أحد السائحين الذي ترك سيارته بساحة انتظار قريبة من الدخول قبل عدة دقائق من دخول سفير سنغافورة من المدخل الخاص في موكب من خمس سيارات. بالإضافة إلى أحد الزوار الذي قطع زيارته لأستراليا وأحد أصحاب المشروعات الذي سافر من كلدير بداكوتا الشمالية لقضاء بعض الوقت الذي يتراوح بين ست دقائق وثماني ساعات مع النخبة السياسية للبلاد.

من جهتها، تقول دارين بيدج، التي تستقبل الزوار في ردهة الويست وينغ وتحييهم «إذا جاءوا إلى هنا، فقد جاءوا لسبب وجيه. فذلك يوم مهم بالنسبة لمعظمهم، وأنا أري الكثير من الأشخاص القلقين أو المتحمسين».

وكما هي عادتها، وصلت بيدج في ذلك اليوم قبل ساعة من بدء الرئيس أوباما لأول اجتماعاته. وضعت نسخا من سبع من الصحف اليومية أمام ستة من المقاعد وثلاث كنبات تشكل قاعة الانتظار التي تلتف حول مكتبها، ثم ملأت قارورة بحلوى النعناع، وهي الحلوى التي حلت محل «إم آند إمز» بعد اندلاع إنفلونزا الخنازير. ثم أضافت المزيد من الأكواب الزجاجية والمزينة بالشعار الرئاسي والتي توضع لتقديم الشاي أو القهوة والتي ينتهي بها الحال غالبا في حقائب الزوار كنوع من الهدايا التذكارية.

وتتمركز مهمة بيدج؛ المقاتلة السابقة بحرب العراق؛ وأحد المتطوعين بحملة أوباما الانتخابية، على أن تجعل الانطباع الأول خاليا من العيوب بالنسبة للزوار الذين ينتظرون دورهم لدخول المكتب البيضاوي، أو غرفة روزفلت، أو مكتب نائب الرئيس.

وفي يوم الأربعاء ذلك، كان مكتبها مصقولا بعناية ومزينا بباقة من الزهور. تأملت برنامجها اليومي، وفحصت الأسماء غير المألوفة للزوار على شبكة الإنترنت حتى تتمكن من تحية الزوار وإقامة محادثات لطيفة معهم.

وكان دانييل لويب، مدير أحد صناديق التحوط بنيويورك، الذي كان قد ساعد في جمع ما يزيد على 100 ألف دولار لحملة أوباما الانتخابية، ثم تبرع بمبلغ 25 ألف دولار ليوم تنصيب الرئيس، يجلس في انتظار لقاء رام إيمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض، في لقاء عمل يتسم بأنه أقرب ما يكون إلى «دردشة بين صديقين قدامى». وكان من المقرر أن يلتقي روبرت أولبريتون مالك «بوليتيكو» بالمستشار البارز فاليري غاريت. وكان من المقرر أن يحضر الرئيس أوباما أحد اللقاءات المسائية في غرفة مجلس الوزراء؛ مما يعني أنه يجب ملء أكواب المياه حتى ثلثيها فقط، ووضع كوب أمام كل مقعد، كما يجب على بيدج مصادرة أجهزة البلاك بيري قبل دخول الزوار إلى الحجرة المؤمنة. ويعني ذلك الجدول الحافل أن الردهة ستكون مزدحمة – بأطفال، وأساتذة مختصين في الاقتصاد من هارفارد، وثلاثة من السفراء - وكانت بيدج تتوقع أن يحيط بها 40 زائر على الأقل في المرة؛ ربما يجلس بعضهم لأكثر من ساعة. فتقول بيدج «سرعان ما يصبح اليوم مزدحما للغاية. وبالتالي فأنا أرغب دائما في أن أستعد تماما قبل وصول الرئيس».

وحتى قبل أن يغادر أوباما لحضور اجتماع اقتصادي، اجتماع مع مستشاريه، وغداء مع نائب الرئيس بايدن، بدأ سيل من الزائرين يتدفق على بيت الرئيس. ففي نحو الساعة 7:30 صباحا، دخل 203 سائحين البيت الأبيض، يليهم 198 آخرون في الساعة 8:30، ثم 270 غيرهم في التاسعة. وقد طاف هؤلاء الزائرون المكتبة والغرفة الصينية، وغرفة فيرميل، والطابق الأول يرشدهم أفراد من الخدمات السرية، فيما كان أوباما يمارس رياضته الصباحية في الطابق العلوي ويتناول إفطاره.

جدير بالذكر أن أكثر من 5.5 مليون شخص كانوا قد طلبوا القيام بجولات في البيت الأبيض خلال العام الماضي؛ وهو مطلب غير مسبوق يهدد رغبة أوباما في الحصول على بعض الخصوصية، كما يهدد رغبته في أن تعيشه ابنتاه الصغيرتان حياة طبيعية. ففي بداية العام الماضي، قررت أسرة الرئيس فتح البيت الأبيض أمام الزوار في صباح الأيام من الثلاثاء وحتى السبت، وذلك بعد مغادرة ساشا وماليا للذهاب إلى المدرسة. ويتم في بعض الأحيان تأجيل تلك الجولات أو إعادة توجهيها في اللحظة الأخيرة لمواكبة المستجدات من المؤتمرات الصحافية ودخول المواكب أو تنزه العائلة مع كلبهم «بو»، وفقا لما قاله بعض العاملين بالبيت الأبيض.

وفي 28 أكتوبر، وبعدما غادر آخر الزوار في المساء، كان أمام العاملين بالبيت الأبيض أقل من ساعة كي يحولوا القاعة الشرقية من مزار للسائحين إلى موقع يوقع فيه الرئيس على مشروع قانون.

فتقول إلي شافير، مدير مكتب الزائرين بالبيت الأبيض «نعمل يوميا على توفيق الأوضاع وفقا لظروف أسرة الرئيس. فنعيد توجيه الجولات السياحية، كما أن لدينا شاشات يمكننا رفعها كي نحافظ دائما على خصوصيتهم، كما أننا لا نعترض أي عمل يجب إنجازه».

وعندما دخل روبرت بوغسلو القاعة الشرقية بعد الساعة الواحدة ظهرا، كان يبدو مستعدا لحدث كبير. كان العاملون بالبيت الأبيض قد وضعوا صفين من المقاعد، ومنصة، وعلما أميركيا، وبعض نباتات السرخس للزينة، ومكتبا خشبيا صغيرا، وبيانو شتينواي جلس إليه بوغسلو. فلأنه كان عازف بيانو في فرقة سلاح البحرية الأميركي، فهو يعزف الموسيقى في البيت الأبيض ثلاث مرات في الأسبوع. وتلك هي مهنته الأساسية، وهي المهنة التي يشاركه فيها عازفون آخرون. لم يكن قد تحدث إلى أوباما سوى عدة مرات قليلة، لكنه كان يقدم الخلفية الموسيقية للكثير من اللقاءات العامة للرئيس.

وفي الساعات السابقة لوصوله إلى البيت الأبيض، كان بوغسلو يذاكر قانون سلطة الدفاع الوطني، وهو مشروع القانون الذي من المقرر أن يوقعه أوباما. ووفقا لما توصل إليه بوغسلو، فإنها مهمة شاقة للغاية. فبعض القوانين تكون متوافقة للغاية مع الموسيقى؛ مثل موسيقى «أحسن تعليم أطفالك» التي كانت متماشية مع قانون التعليم؛ ولكن بعض التشريعات الأخرى مثل تشريع الميزانية «يجعلك تسير باحثا عن الوحي». وكان قد أحضر كتابا موسيقيا به بعض الأغنيات لكنه كان يحفظ الآلاف بذاكرته. وقد توصل إلى أنه يجب عليه الالتزام بموسيقى الجاز المبهجة، وذلك بعدما تذكر كيف غضب مسؤول الشؤون الاجتماعية بالبيت الأبيض عندما عزف مقطوعة كلاسيكية لجورج غريشوين، وكيف أثنى أوباما عليه عندما عزف مايلز ديفيس.

وأثناء عزف بوغسلو، دخل زوار أوباما الذين يبلغ عددهم 132 ومروا بالبيانو. كان هناك أكثر من عشرة أعضاء من الكونغرس دخل كل منهم بعدما أوصله سائقه الخاص. وكانت أسرة السيناتور السابق إدوارد كينيدي عن ماساشوستس تلتقط الصور بالكاميرات الرقمية، فيما كان بايدن، ووزير الدفاع روبرت غيتس، والمحامي العام إريك هولدر يتحدثون معا بالقرب من منصة القراءة.

احتلت جودي شيبارد مكانها في الصف الأول إلى جانب هولدر؛ حيث كان مشروع القانون يشتمل على قانون منع جرائم الكراهية والمستلهم من قصة ماثيو ابن شيبارد الذي قتل في لارامي بوايمنغ عام 1998 لأنه كان شاذا جنسيا. وكانت شيبارد قد تحدثت قبل عدة دقائق مع الرئيس أوباما وتأكدت من أنه يعرف كل شيء عن الأمر، وأنه يتذكر مأساتها وأسماء أفراد أسرتها الآخرين. والآن وقبل دقائق من اعتلاء أوباما للمنصة وقبل أن يثني عليها، انحنت شيبارد على هولدر وتمازحا حول المقاعد الصغيرة والمكان المكتظ، مما جعل الغرفة الشرقية تبدو وكأنها فصل للصف الأول الابتدائي.

فتقول شيبارد «تشعر بأنك محشور في حيز ضيق وغير مرتاح، ولكنك تشعر في الوقت نفسه بأنك تحضر حدثا غير اعتيادي، وكأن العالم قد توقف فجأة».

وعدا باقي أنحاء البيت الأبيض الذي استمر فيها العمل بوتيرته المعتادة، فإن المكان كان صاخبا. ففي مكتب كاتب الخطب، جون فافرو، كان أندري شيرني، الموظف السابق بالبيت الأبيض الذي جاء لزيارة أصدقائه القدامى، يراقب فافرو وهو ينهي كتابة تعليقات أوباما الأخيرة لتوقيع القانون بسرعة شديدة. فيقول شيرني «لقد كان يدخل ويخرج من الاجتماع ويعدو إلى مكتب أكسلرود»، في إشارة إلى المستشار البارز ديفيد أكسلرود. ويضيف «لقد شعرت بالرعب لمجرد عودتي لذلك المناخ».

وفي فوضى ردهة القبو: كان غيرالد شيا مساعد الرئيس لشؤون اتحاد العمال الأميركي ومؤتمر المنظمات الصناعية يتناول الغداء مع نانسي ديبارل، مستشارة الرعاية الصحية لأوباما. كانا يجلسان في مقاعد جلدية، ويناقشان إصلاح الرعاية الصحية، فيما كان النادل يضع طعامهما على الطاولة التي يكسوها مفرش أبيض.

وفي مكتب سيسيليا مانوز، مدير الشؤون الحكومية الداخلية، ستة من النشطاء في مجال الهجرة يحاولون الحصول على تغطية أفضل فيما يتعلق بقانون الرعاية الصحية، ومحاولين الإتيان بالبرهان الذي كان ذات مرة فعالا وذا أهمية خاصة. فيقول تشارلز كامساساكي، نائب رئيس المجلس الوطني لـ«لا رازا»: «نظرا للمكان الذي نجلس فيه، فإنه سيكون من الصعب أن نتحدث بصراحة كاملة».

وفي السقف، كان جيمس كرونزر، مصمم المسارح المحلي، يبحث عن مكان بالخارج يمكنه أن يعلق عليه زينة الهالوين؛ حيث كان قد اتفق مع نجار بالبيت الأبيض على ذلك مع أخذ التدابير اللازمة لتجنب المواقع المعتادة للقناصة. وكان مسؤول الشؤون الاجتماعية بالبيت الأبيض قد دعا كرونزر لتصميم شيء خاص بعيد الهالوين بـ«نورث بورتيكو» ولكن دون «أي دماء أو جروح أو أشياء مخيفة». وبعدما سار ذهابا وجيئة، قرر أن يعلق عنكبوتا ضخما يقف على شبكته بالإضافة إلى تغطية المدخل بنحو 400 مصباح من الأكياس الورقية.

وعندما أنهى كرونزر عمله، كان أوباما قد أصبح بالفعل في طريق العودة إلى القاعة الشرقية، والتي تم تغييرها مرة أخرى. حيث تم تجهيزها هذه المرة ثم تزيينها لحفل استقبال للاحتفاء بقانون منع جرائم الكراهية، وكان السقاة يحملون صواني فضية من المقبلات يطوفون بها الأرضية الرخامية للردهة. وكان أعضاء من الكونغرس يتبادلون الحديث تحت الثريا في الغرفة الخضراء والغرفة الحمراء. كما كان هناك نحو 290 زائرا يتحدثون معا وينتظرون الرئيس.

بعدما التقى الرئيس مرة أخرى مع كبار مستشاريه في المكتب البيضاوي، وألقى بعدة حفنات من التراب بمناسبة زراعة شجرة جديدة، سار إلى الغرفة الشرقية ليلقي بخطابه الرابع في ذلك اليوم. وبعد ذلك، ظل هناك لعشرين دقيقة أخرى مصافحا الأيدي، ومتذكرا الأسماء، وكان مرة أخرى يبهر زواره بقدر معلوماته.

وعندما انتهى الحدث، تم توزيع بقايا المقبلات في جميع أنحاء الويست وينغ، حيث كان معظم فريق عمل أوباما ما زالوا يعملون حتى وقت العشاء. وجلست غاريت على المائدة المستديرة مع ستة من رجال الأعمال الذين أتوا من داكوتا الشمالية إلى كاليفورنيا للتعبير عن مخاوفهم لمدة 45 دقيقة. كما التقى لورانس سومرز، المستشار الاقتصادي للرئيس أوباما، بالسفير البريطاني ثم تحدثا إلى الخبير في سياسة الضرائب. وكانت تيا تشين، مدير التواصل العام، تتباحث مع الرئيس التنفيذي لشركة «آر إي آي» للمعدات الترفيهية بشأن سبل قضاء الأطفال لوقتهم بالخارج.

وقد استمر الزائرون في دخول البيت الأبيض حتى الساعة العاشرة مساء، وبقي بعضهم حتى منتصف الليل تقريبا. ولكن في هذا اليوم كان آخر شخص يتم تسجيل خروجه هو الرئيس نفسه. حيث خرج الرئيس في الساعة 11:45 مساء، واستقل طائرة «مارين وان» من قاعدة دوفر الجوية في ديلوير؛ حيث قضى ساعتين في الكنيسة مع عائلات القوات التي قتلت في أفغانستان ثم شاهد نزول 18 نعشا ملفوفة بالعلم الأميركي من طائرة شحن. ثم عاد إلى منزله في الساعة 4:45 صباحا ونام لمدة ثلاث ساعات بينما كان زواره قد بدأوا يتجولون في الطابقين الأولين من منزله. ثم جلست بيدج في مكتبها بويست وينغ الذي تزينه باقة طازجة من الزهور، فيما كان يلتف حوله بالردهة مجموعة جديدة من الزوار في 29 من أكتوبر.

*خدمة واشنطن بوست خاص بـ«الشرق الأوسط»