من الأجنحة الفردية إلى حديقة الفنون.. «آرت دبي» يعود باحتفالية ثقافية ضخمة

مؤسسه لـ «الشرق الأوسط»: المعرض فرصة للفنانين الخليجيين للتفاعل مع العالم

بعض زوار جناح «غاليري أيام» خلال «آرت دبي 2009»
TT

يعود معرض «آرت دبي» هذا العام لجمهوره في الفترة من 17 - 20 مارس (آذار)، ومعه ستعود حالة من النشاط الفني في المنطقة يزيدها ثراء مشاركات عالمية من غاليرهات عالمية وعربية، وأيضا تصاحبها احتفالية فنية ضخمة ستحيل دبي إلى مركز فني يقصده محبو الفنون من جميع أنحاء العالم.

المعرض هذا العام يفتخر بزيادة عدد الغاليرهات المشاركة وبرنامج ضخم يتحدث عنه جون مارتن مدير «آرت دبي» والمؤسس المشارك له خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»: «لدينا هذا العام أشياء كثيرة في مختلف المجالات، فالمعرض يجدد نفسه باستمرار وذلك حتى يتفادى الرتابة. وأهم التغييرات هذا العام نتجت عن ملاحظة طريقة العرض العام الماضي وإصابة الزوار بالتخمة من كم الأعمال المعروضة، هذا العام قررنا تغيير الشكل العام للمعرض، بحيث يصبح التجول أسهل للزائر وأكثر تمهلا، فتخلصنا من الممرات الطويلة وبدلا منها حولنا المكان إلى ما يشبه المنتزه يستطيع الزائر التجول فيه على مهل وليستمتع بالأعمال الفنية بشكل أفضل».

كما يشير مارتن إلى أن عدد الغاليرهات المشاركة هذا العام وصل عددها إلى أكثر من 60 من 30 دولة من مختلف دول العالم.

ولكن المعرض أيضا يخطو خطوة جديدة هذا العام، إذ يركز على أعمال مجموعة أقل من الفنانين من خلال مشروع «الأجنحة الفردية» ويضيف أن الفكرة ولدت من ملاحظات وأحاديث مع الزوار خلال معرض العام الماضي «لاحظنا من خلال أحاديث مع الزوار الحاجة إلى الاستمتاع بعمل فنان واحد بدلا من مشاهدة أعمال لعشرة فنانين في الغاليري نفسه، وهو ما يسبب التشتت أيضا. تخصيص مساحة العرض لفنان واحد فقط هو تغيير سيلاحظه الجمهور هذا العام». وستبادر قرابة 25 في المائة من الصالات الفنية المشاركة في الدورة المرتقبة هذا العام، وللمرَّة الأولى، إلى تخصيص أجنحة فردية تسلط الضوء على المسيرة الإبداعية لفنان أو اثنين. وستمكن هذه الأجنحة الحصرية، المصممة لإبراز أعمال كوكبة من المُبدعين المقتنين والزائرين، من تتبُّع المسيرة الإبداعية لفنان معيَّن والتحوُّلات المتلاحقة التي طرأت على رؤيته ومفاهيمه على مرِّ الأعوام، بما يمكِّن الزائرين والمتابعين من امتلاك رؤية معمَّقة ومترابطة عن فنانين محدَّدين، بدلا من الرؤية الهامشية، وربما المشتتة، لأعمال فنانين متعدِّدين.

وردا على سؤال عما إذا كان ذلك يعني تقليل عدد الفنانين المشاركين في معرض هذا العام قال مارتن «ربما، ولكن أذكرك بأن معنا 500 فنان مشارك هذا العام، وهو عدد ليس بالقليل، فكل المقصود من إقامة المشاريع الفردية هو منح الجمهور الفرصة لفهم فنان بذاته بشكل عميق».

وستضمّ الأجنحة الفردية أعمالا حديثة لمبدعين من الهند ومصر، وفي طليعتهم الفنان الهندي العالمي مقبول فدا حسين، الذي تمتد مسيرته الإبداعية على مدى عقود طويلة ويعد أحد أشهر مُبدعيها على الإطلاق، حيث أطلقت عليه مجلة «فوربس» في عام 2006 لقب «بيكاسو الهند»، وكذلك الفنان التشكيلي المصري عادل السيوي والفنان المصري الأرمني شانت أفيدسيان (ولد 1951) التي تعرضها غاليري «روز عيسى بروجكتس» اللندنية المختصة بالأعمال العربية والإيرانية.. كما سيخصص «آرت دبي 2010» منصات مماثلة لمبدعين من كوريا وتشيلي وبيرو وإسبانيا والسودان.

ولكن نشاطات المعرض لن تكون مقتصرة على داخله فقط، فحرص القائمون على المعرض على إقامة برنامج غني بالنشاطات يشغل الزوار على مدار الأسبوع، ومن تلك النشاطات المحاضرات التي ستقام في الارت فورام على امتداد 4 أيام، وأيضا اللقاءات التي ستقام في آرت بارك التي تنظمها مجلة «بدون» التي تنظم أيضا مجموعة من المشاريع الخاصة يقوم من خلالها فنانون تشكيليون بتنظيم جولات جماعية للجمهور في أرجاء المعرض ويقومون من خلالها بالحديث عن جوانبه المختلفة. الجولات حسب ما قال مارتن تكتسب أهميتها وجاذبيتها في الوقت نفسه من أنها «تقدم المعرض للجمهور من وجهة نظر الفنانين أنفسهم».

كما يشير مارتن إلى جائزة «أبراج» التي تدخل عامها الثاني ويبدو تأثيرها واضحا في الاهتمام والزخم الإعلامي الذي أحاط بالفائز العام الماضي وإتاحة الفرصة له لعرض أعماله في نيويورك ثم القيام بجولة فنية في عدد من الدول بعد ذلك.

المعرض أيضا يكتسب تنوعه من اختلاف الجهات المشاركة فيه، فعلى سبيل المثال، لقي المعرض الذي أقامته دار مجوهرات «فان كليف آند أربلز» وهي من رعاة المعرض، العام الماضي نجاحا واضحا حيث قدمت الدار معرضا متميزا على هامش المعرض بعنوان «فن المجوهرات الساحرة» والذي ضم قطع مجوهرات نادرة تمت استعارتها من عدد من المتاحف العالمية. وهذا العام تقدم معرضا للساعات بعنوان «شعر الزمن» وسيتاح للزوار مشاهدة أحد خبراء صناعة الساعات وهو يعمل داخل المعرض. وقد يبدو إدراج معرض للمجوهرات ضمن معرض للفنون التشكيلية والمرئية غريبا لدى البعض، لكن مارتن يرى أن ذلك يجذب نوعا مختلفا من الجمهور لـ«آرت دبي».

ويتحول المعرض إلى احتفالية فنية تتخطى حدود مكانها وتشمل المدينة بأكملها، إذ سيشجع وجود المعرض النشاطات الفنية في أرجاء دبي فستقام كثير من المعارض الفنية المستقلة كما سيقام سوق ضخم للفنون بسوق البستكية.

وبلغ عدد زوار المعرض العام الماضي 14 ألف زائر، وهو ما يراه مارتن مؤشرا على أن المعرض في طريقه الصحيح، حيث إن الرقم ارتفع عن العام الذي سبقه وتوافد الزوار على دبي من مختلف أنحاء العالم.

من ناحية أخرى، يشير مارتن إلى المشاركة الخليجية في المعرض ويذكر المشاركة المنتظرة لمعرض «حافة الجزيرة العربية»، الذي يقدم أعمالا لفنانين من السعودية ويراه كمظلة لدعم الفن السعودي المعاصر وتقديمه على الساحة العالمية. ويضيف مارتن أن «حافة الجزيرة العربية» هو جزأ مهم في «آرت دبي» هذا العام ويشير إلى مشاركة «أثر غاليري» والفنان السعودي أحمد ماطر العام الماضي، التي كانت مثار الكثير من الاهتمام، و«أنا سعيد بعودة (أثر غاليري) هذا العام بمساحة عرض أكبر».

الحديث عن «أثر غاليري» يؤدي إلى مناقشة دور الغاليرهات الخاصة في دعم الفنانين فيقول مارتن «لا يجب أن نقلل من أهمية الدور الذي تقوم به الغاليرهات الخاصة في الترويج ودعم الفنانين في الخليج، فإلى جانب (أثر) هناك (ثيرد لاين غاليري) و(بي 21) من دبي وهم ضمن مجموعة من الغاليرهات التي بدأت، إلى جانب دعم الفنانين وممارسة الدور التجاري لهم، في إطلاق مبادرات تعليمية». ولكن، يضيف مارتن «يجب عليهم التفكير في المقتنين الجدد الذين لم يدخلوا الساحة بعد».

بالنسبة للفنانين الخليجيين، يرى مارتن في معرض دبي فرصة لهم للتفاعل مع الفنانين من أنحاء العالم وتكوين علاقات ومعارف وتكوين أفكار جديدة عبر الحوار مع أمناء المعارض والمحاضرات الفنية.

أما الحديث عن سوق الأعمال الفنية، فهو لا يكتمل من دون المقارنة بين حال السوق العام الماضي وحاله هذا العام، فيشير مارتن إلى أن السوق مرت العام الماضي بحالة صعبة نتيجة الأزمة المالية، ولكن في وجه ذلك فاجأتنا السوق منذ بضعة أسابيع برقم قياسي لعمل فني، عندما بيع تمثال للنحات السويسري ألبرتو غياكوميتي بـ65 مليون جنيه إسترليني في لندن، مما جعله أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق، فهذا الحدث لا يراه مارتن كحدث منفرد أو استثنائي، بلي فيه مؤشرا على تصميم ومتانة سوق الأعمال الفنية. يقول «بالتأكيد لم يكن بيع تمثال غياكوميتي بهذا السعر استثنائيا، فالجمهور أصبح يدرك الآن أهمية الأعمال الفنية كأصول مالية، فالثمين منه محدود وفي الوضع المالي الذي يصبح فيه الاستثمار البنكي محدود الفائدة تصبح الأعمال الفنية أكثر ضمانا. فبعد المقتنين ستدخل المتاحف الجديدة في الحلبة لشراء الأعمال الفنية المطروحة. فمقابل كل شخص خسر أموالا خلال الأزمة الاقتصادية واضطر لبيع أعماله هناك أشخاص سيشترون تلك الأعمال والمتوقع في هذا الحالة أن ترتفع الأسعار أيضا».

ومن ناحية أخرى عبّرت غالبية الصالات الفنية المشاركة في معرض «آرت دبي 2010» عن ثقتها بأن يحقق المعرض مبيعات موازية أو تفوق تلك التي حققها المعرض في دورة العام الماضي، وذلك في دراسة استطلاعية أجريت حول المبيعات التي يمكن أن يحققها المعرض. فبمشاركة أكثر من 60 صالة عرض فنية هذه السنة، أكثر من نصفهم من خارج منطقة الشرق الأوسط، باتت صالات العرض الدولية تتجه وبشكل متزايد إلى منطقة الشرق الأوسط والأسواق المجاورة لاغتنام الفرص الجديدة التي تتميز بها سوق الفنون المعاصرة، كما وجد المستطلعون أن سوق الشرق الأوسط تلعب دورا مهما وحيويا في صناعة الفنون المعاصرة.