اليابان تتعاطف مع دموع رئيس «تويوتا»

التعاطف مع الإحساس بالندم متأصل في عمق الضمير الياباني

أكيو تويودا، رئيس شركة «تويوتا» (يسار) كان يبكي وكانت أنفاسه تتلاحق حتى إنه لم يتمكن من إنهاء أي جملة خلال اللقاء مع عشرات التجار بـ«تويوتا» في واشنطن (رويترز)
TT

لم تتجه أنظار اليابانيين إلى جلسة الاستماع في الكونغرس التي قام فيها أكيو تويودا، رئيس شركة «تويوتا» بالاعتذار عن العيوب التي ظهرت في بعض فئات سيارات الشركة، ولكنها اتجهت إلى دموعه التي ذرفها عندما التقى بالوكلاء الأميركيين لشركته. وحسب تقرير لوكالة «أسوشيتد برس» فقد ظلت التلفزيونات تذيع تلك اللقطة مرارا وتكرار يوم الخميس في اليابان، حيث كانت الجماهير دائما لديها حساسية خاصة تجاه دموع التنفيذيين الذين يتعرضون للهجوم.

ولمس الأداء الأخير لتويودا في محاولة لإثارة التعاطف معه – حيث كان يبكي وكانت أنفاسه تتلاحق حتى إنه لم يتمكن من إنهاء أي جملة خلال اللقاء مع عشرات التجار بـ«تويوتا» في واشنطن – مشاعر الجماهير العاطفية أكثر من المشرعين المتشككين الذين استجوبوه بقسوة حول زلاته فيما يتعلق بعوامل السلامة في بداية اليوم.

ومن جهته، يقول كونيوشي شيراي المستشار التنفيذي لشركة «إيه سي إي» الاستشارية في طوكيو لوكالة «أ.ب»: «لقد شعر الناس بالأسف من أجله لأنه تعرض لمحاكمة مسرحية بالخارج، وهو موقف غير معتاد تماما بالنسبة للتنفيذيين اليابانيين».

وعلى الرغم من أن الشعب الياباني شعب عاطفي بصفة عامة، فإن التعاطف مع الإحساس بالندم متأصل في عمق الضمير الياباني على نحو خاص، كما يؤمن اليابانيون بأن للنوايا وليس النتائج فقط دلالات ذات مغزى.

وعلى الرغم من أن الدموع يمكن أن تعد علامة ضعف بالنسبة لأحد التنفيذيين الأميركيين، فإن الجمهور الياباني يمكن أن يتعاطف معه، نظرا لأن التعاطف مع الضعفاء يعد من الخصال الطيبة، وفقا لما قاله تاتسومي تاناكا رئيس «ريسك هيدج»، إحدى كبريات شركات الاستشارات.

ويقول: «تلك من القيم اليابانية الخاصة، حيث يعد الاعتراف بالخطأ فضيلة كما أن تراجع الشخص عن أخطائه والبكاء ندما يعد من المناقب الطيبة كذلك».

ويبدأ البروتوكول الياباني فيما يتعلق بالتنفيذيين الذين يواجهون انتقادات بانحناءة قوية، ربما يليها استقالة إقرارا بالمسؤولية وفي بعض الأحيان ينتحب التنفيذي.

وعلى الرغم من أن المجتمع الياباني لديه تصنيف اجتماعي حاد للنسوية باعتبارها اتكالية ناعمة، وللذكورية باعتبارها الصمت الوقور، فإن بكاء الرجال البارزين علانية لا يثير فقط دهشة الجمهور بل يحصل على استحسانهم.

وفي العادة يحصل الرياضيون والمشاهير الرجال على المزيد من استحسان الجمهور إذا ما انتحبوا في مناسبات مثل الفوز بميدالية أو أبدوا حزنا على وفاة أحد أفراد العائلة.

وفي عام 2008، دمعت عينا تورو هاشميوتو، حاكم أوساكا الشهير أمام أعين الكاميرات عندما تعرض للانتقادات بشأن تخفيض الميزانية. كما أنه من الشائع أن يظهر بعض رؤساء الشركات وهم يدمعون بداية من ظهور القطب تاكافومي هوري خلال محاكمته عام 2007 بتهمة انتهاك قانون الأوراق المالية.

ولكن ربما يكون أشهر الشخصيات في تاريخ الشركات باليابان حتى الآن هو شوهي نوزاوا الذي كان رئيسا لشركة الأوراق المالية (يامايشي)، والذي ظهر في مؤتمر صحافي عام 1997 بعدما أعلنت شركته إفلاسها، وكان يرجو الجمهور أن يظهر رحمة بموظفيه، وقد حصل على قدر هائل من الثناء في اليابان باعتباره التنفيذي النموذجي.

ومن جهة أخرى، كان تويودا قد أعلن في البداية عن عزمه أن يوكل مهمة الإدلاء بالشهادة إلى أحد كبار التنفيذيين الأميركيين بالشركة ولكنه قرر الحضور بنفسه بعدما وصلته دعوة رسمية من الحكومة الأميركية، وخاصة في ظل الانتقادات الإعلامية التي كان يتعرض لها.

وقال تويودا باللغة الإنجليزية موجهها الكلام إلى وكلاء «تويوتا»: «في جلسة الاستماع، لم أكن وحدي، فقد كنتم وزملاؤكم في جميع أنحاء العالم تقفون معي» كان يهز رأسه خلال الكلام، ثم تقلص وجهه بعدما انفجر الجمهور مصفقا.

وبعد ذلك، عندما أخبره أحد الوكلاء بأنهم يقفون إلى جانبه، تأثرت مشاعر تويودا بشدة حتى إنه انهار باكيا.

ومن جهتها، تقول كيكو هامادا (56 عاما) التي وجدت ذلك مؤثرا: «لقد قلقت للغاية عليه. فكيابانية تأثرت للغاية. وكيابانية أنحاز لـ(تويوتا)».

ومن جهة أخرى، تشعر اليابان بقلق بالغ بشأن شركة «تويوتا» بعد كارثة سحب السيارات التي طالت نحو 8.5 مليون سيارة، يتم إصلاحها نظرا لوجود عيوب في دواسات البنزين وحصائر الأرضية ونظام الفرامل.

وهناك مخاوف بشأن وجود عيوب إلكترونية، ما زالت تمثل توجها جديدا في تلك الصناعة، وراء زيادة سرعة السيارة غير المتعمدة التي تسببت في بعض الوفيات، ومواقف مرعبة تعرض لها أصحاب السيارات الذين فوجئوا بزيادة السرعة على الطرق السريعة.

وكان ظهور تويودا أمام الكونغرس إحدى القصص الصحافية المهمة بالنسبة للتلفزيونات اليابانية الكبرى، حيث أظهرت النشرات الإخبارية، بما فيها التي بثتها «هيئة الإذاعة اليابانية»، لقطات لتويودا وهو يقرأ بعض الفقرات الاستهلالية باللغة الإنجليزية ويجيب على أسئلة المشرعين التي وصفت بالقاسية.

وقد وصف أحد البرامج الصباحية الذي تبثه شبكة «فوجي»، والذي يمزج بين الترفيه والأخبار الاجتماعية، تويودا بأنه «الأمير الذي يتعرض للهجوم» في إشارة إلى وضعه الاجتماعي حيث إنه حفيد مؤسس الشركة.

وقد أثنى بعض المحللين على أدائه؛ فمن جهته، يقول ريوتشي شينوزاكي، الخبير في إدارة الأزمات بشركة «كيودو بابليك ريليشين كومباني» الذي ذكر أن تويودا تجنب على الأقل الزلات البينة: «بالمعايير اليابانية فقد بذل ما في وسعه. فقد أجاب على الأسئلة وكان يبدو مرتاحا».

ووفقا لشينوزاكي، فإن الأزمة التي تواجهها الشركة تزداد عمقا، نظرا لاحتمالية وجود عيوب في دواسة البنزين الإلكترونية وفقا لتحقيقات حديثة قامت بها السلطات الفيدرالية.

وقال بعدما شاهد جلسة الاستماع على شاشات التلفزيون: «إن المشكلات لم تختفِ. فقد انتهت الجلسة ولكن الأزمة سوف تصبح أكثر خطورة».

وحسب تقرير «أسوشيتد برس» لن تسفر تلك الدموع والاعتذارات إلا عن زيادة موقفه تعقيدا داخل الولايات المتحدة على المدى البعيد. وحتى داخل اليابان، فإن المشاعر تتقلب، وربما يتحول التعاطف معه إلى غضب في غمضة عين.

وفي الأسابيع الأخيرة، حصل تويودا على اسم حركي جديد يبرز تزايد الناس الذين يرون أنه فشل في التعامل مع أزمة سحب السيارات «ابن الرئيس» في إشارة ساخرة إلى إعلانات شركة «تويوتا» في اليابان التي تصور طفلا شهيرا يظهر بمظهر أحد الوكلاء الصغار. كما أن ذلك اللقب يسخر من تويودا باعتباره وريثا لأسرة ثرية. فتقول شيراي: «إن الرأي العام الياباني قاسٍ ويمكن أن يتغير في لحظة. بالنسبة للمجتمع الأميركي، لن يكون الاعتذار كافيا. وكمدير، يجب عليه أن يعلن عن إجراءات محددة».

وقبل أن يجتمع بالوكلاء بدقائق كان تويودا على ثقة من أنه سوف يقف بين حلفائه حتى ولو للحظة واحدة. فقد قال: «لا تستطيع الكلمات أن تعبر عن امتناني».