حضور كويتي لافت في «مهرجان شتاء سراييفو»

تقاليد النسيج وصناعة القوارب والفن التشكيلي في العاصمة البوسنية

عبدالله المحمود أحمد الأشول يعرض أحد نماذج القوارب الكويتية («الشرق الأوسط»)
TT

تميز «مهرجان شتاء سراييفو» في عاصمة البوسنة والهرسك، هذا العام، بحضور كويتي لافت تمثل في بانوراما فريدة وغير مسبوقة هي المعرض المزدوج الذي قدّمت فيه على مدى 5 أيام متواصلة نماذج من تقاليد النسيج وصناعة القوارب والسفن والفن التشكيلي والفولكلور الكويتي. وإلى جانب المعروضات تذوق الجمهور بعض الحلويات الكويتية، وحصل كثير من الزوار على أزرار وطواقٍ تذكارية تحمل شعار دولة الكويت. إبراهيم سباهيتش، مدير «مهرجان سراييفو»، تحدّث إلى «الشرق الأوسط» فقال: «إننا سعداء جدا بالحضور الكويتي في مهرجان شتاء سراييفو هذا العام، لأنه أسعد الحضور بكثير من المظاهر الثقافية التراثية». وتابع: «الكويت دولة صديقة للبوسنة، وهي دولة يتسم تاريخها بالتسامح والسلام والتعاون مع الأشقاء والأصدقاء، وهي اليوم تؤكد من خلال هذا المعرض أنها ذات جذور وثقافة غارقة في القدم، وتحمل قيما حضارية قادرة على التكيّف مع متطلبات العصر. ونحن إذ نرحّب بالكويت اليوم، فإننا نرحب بجميع الدول العربية والإسلامية في البوسنة سواءً لإقامة المعارض، أو تنظيم أي شكل من أوجه التعاون الثقافي والاقتصادي».

وعن المهرجان قال سباهيتش: «هناك 1500 فنان شاركوا في المهرجان الذي انتهت فعالياته يوم 28 فبراير (شباط) الماضي، يمثلون 49 دولة من جميع أنحاء العالم. كما شهد المهرجان 129 عرضا بمعدل 6 عروض كل يوم، وهذا ليس بالأمر البسيط». ثم أشار إلى وجود دول عربية أفريقية شاركت في المهرجان؛ بينها تونس ومصر، كما شاركت دول من أميركا اللاتينية وآسيا بجانب الدول الأوروبية. وعن مستقبل المهرجان، قال «لدى المهرجان نظائر في فرنسا وألمانيا ودول أوروبية عدة ونحن نأمل أن يستمر في المستقبل رغم وجود ضائقة مالية».

من جهة ثانية، صرّح فارس العنزي، رئيس الوفد الإعلامي الثقافي الكويتي في المهرجان لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «مشاركتنا بدأت من 23 فبراير الماضي وتستمر حتى (اليوم) 4 مارس (آذار) الحالي.. أي إلى ما بعد انتهاء فترة المهرجان». وأردف أن «المشاركة جاءت إثر مبادرة موجهة من إدارة المهرجان إلى وزارة الإعلام الكويتية من خلال سفارة البوسنة في الكويت. وهي عبارة عن قبسات من الفن التشكيلي في دولة الكويت ممثلة في بعض لوحات الفنان كمال فراس التي تبرز الإرث والحضارة الكويتية القديمة والحديثة، وبعض المواضيع الثقافية في الحياة الكويتية والخليجية عموما. كما يشارك الفنان الخطاط علي البداح الحاصل على الكثير من الجوائز العالمية بعدد من اللوحات تزيد عن 20 لوحة من الخط العربي، وكذلك مشاركة بمعروضات من فن السدو (النسيج وصناعة البسط) وحياة البادية في ركن تراثي بهمّة ريم الوقيان. وثمة ركن أيضا للصور الفوتوغرافية تعرض جانبا من معالم دولة الكويت الحضارية في الماضي والحاضر للمصوّر منصور الهزاع، إلى جانب ركن للفنان الحرفي بدر ناجي القلاف عن صناعة السفن، وأنتم تعرفون أهمية السفن في حياة دولة الكويت والخليج». وتحدث العنزي عن أهداف المشاركة فقال إنها «تعريف الشعب البوسني بالإرث الثقافي لدولة الكويت، وعرض مظاهر الحياة في الكويت في القديم والحديث، والجسور التي تربط بين الحقب وإبراز معالم دولة الكويت في المحافل الدولية، وتعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين. وفي المستقبل القريب، بإذن الله، ستتعزز هذه العلاقات وهو ما يشجع على فهم أكثر بين الشعوب وجلب المزيد من الاستثمارات وتشجيع الجانب السياحي». وأشار العنزي إلى أن الكويت تشارك لأول مرة في تظاهرات ثقافية من هذا النوع في البوسنة، معربا عن الاستعداد للمشاركة في المهرجانات المقبلة في البوسنة. ونوّه بالعلاقات الطيبة التي تجمع الكويت بالبوسنة فقال: «البوسنة بلاد عزيزة وتربطها بالكويت علاقات وثيقة، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية حيث توجد استثمارات كويتية وإغاثية، ولكن مشاركتنا هذه باكورة وبداية على الصعيد الثقافي. وإن شاء الله تكون هناك مشاركات أخرى تشمل مدنا أخرى وتكون متاحة لأعداد أكبر من الشعب البوسني».

ثم أثنى العنزي على السفير البوسني الأسبق في دولة الكويت أدهم باشيتش فقال: «الحقيقة أنه قام بجهد كبير، سواءً من حيث حفاوة الاستقبال أو المساعدة في إقامة المعارض وتذليل الكثير من العقبات. كذلك كان هناك إسهام كبير من السفير السعودي الذي كان له دور كبير في إنجاح الفعاليات من خلال الدعوات التي وجهها إلى كثير من الشخصيات والمؤسسات، والسفارة السعودية قامت فعلا بدور مؤثر، لا سيما، كما تعلمون أنه لا توجد سفارة كويتية هنا في سراييفو، وبالتالي كانت السفارة السعودية الجهة التي احتضنتنا وساهمت في نجاحنا».

وتحدث عبد الله المحمود أحمد الأشول، الحرفي في وزارة الإعلام الكويتية، فقال: «لدينا كثير من نماذج القوارب والسفن الكويتية، ومنها (البوم) شعار دولة الكويت. كما تحمل العملة الكويتية صور هذا الشعار، وهذه السفن والقوارب لها تاريخ ودور محوري في الحياة الخليجية قبل ظهور النفط، إذ كانت تستخدم لجلب الأرز والبضائع من شبه القارة الهندية، وهناك سفن أخرى كانت تستخدم للصيد مثل (الشوعي) و(السموك) و(البتيل) و(الغنجية)...». وأوضح أن «ديوانية القراريط» متخصصة في صناعة السفن، ولديها زبائن من الداخل والخارج، فهناك أشخاص يأتون من الولايات المتحدة ومن دول أخرى لشراء هذه السفن، لكن الإقبال قليل». وعن مستقبل صناعة السفن في الكويت، أطلق الأشول ما يشبه صيحة استغاثة إذ قال: «إننا نخشى أن تضمحل هذه الصناعة وتتلاشى نهائيا خلال فترة وجيزة، ذلك أنه لا يوجد اهتمام يذكر بهذه الصناعة العريقة سوى من وزارة الإعلام، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن ستتلاشى هذه الصناعة، التي هي رمز الدولة، لأنه لا يوجد شبان يتعلمون أصولها». أما ريم الوقيان، عضو مجلس إدارة ورئيسة العلاقات العامة والإعلام في جمعية السدو الكويتية، فقالت: «نحن جمعية تهتم بالحفاظ على التراث، ونقوم بتشجيع الحرفيين على الصناعة ونشتري منهم إنتاجهم ونتولّى تطويره وتسويقه. وتشمل عملية التطوير إحداث تغييرات على مجالات السدو وإخراجها بأشكال تناسب الحياة الحديثة، مثل الحقائب النسائية وحافظات النقود. وقطع السدو في الغالب من صوف الأغنام أو وبر الإبل، الذي ينظف ويُعدّ للغزل ومن ثم ينسج على النول». وتابعت: «يعتبر هذا من التراث الكويتي والخليجي، وقد حوّلنا ما كان ينتج للاستخدامات القديمة، التي لم تعد الحاجة إليها قائمة، إلى استخدامات معاصرة للمادة ذاتها ولكن وفق متطلبات العصر». وأشارت إلى أن ما كان يعرف بـ«القِرَب» وهي الأكياس التي توضع فيها الحبوب أو التمور، و«الخرج» الذي يوضع على ظهر الحصان أو الجمل.. «هذه من المنتجات السدويّة التي لم تعد قائمة إلا في نطاق محدود في البادية والصحراء، غير أنها الآن تحولت لإنتاج حقائب للهواتف الجوالة والحقائب النسائية وأغلفة التقاويم والمفكرات (الأجندات) وحوافظ النقود الرجالية وحقائب الزينة النسائية وأغلفة القوارير العازلة (الترامس) للمحافظة على سخونة الشاي والقهوة، أو لتوضع عليها الدلة وغير ذلك». وأخيرا، التقت «الشرق الأوسط» بالفنان التشكيلي كمال الفراس فشرح «أن لوحات المعرض تتعلق، كما أطلقت عليها، بلحظة فرح، وهي لوحات تعبر عن السعادة والفرح اللذين نفتقدهما للأسف هذه الأيام». وعن ممارسته للفن التشكيلي، وهو مدرس لغة فرنسية، قال: «ورثت هذا الفن من الأسرة وقد شاركت في كثير من المعارض في الكويت وباريس، وهذا هو المعرض الشخصي الثالث، وأنا أتطلع الآن إلى مشاركة في إيطاليا». واختتم كلامه بالتحدث عن واقع الفن التشكيلي في الكويت والبلاد العربية، ليقول: «إن الفن التشكيلي يعاني إشكالا ولا أقول انحدارا.. والجمهور العربي بحاجة حقا لتفهم الفن التشكيلي».