كتاب جديد لمستشار سلطنة عمان في اليونيسكو

«سفير السلام» موسى بن جعفر يقهر «لغة الخشب» وملل الخطب السياسية

د. موسى بن جعفر
TT

تحت عنوان «الحوار طريق إلى المحبة»، صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة كتاب باللغتين العربية والفرنسية للسفير الدكتور موسى بن جعفر بن حسن، مستشار سلطنة عمان لدى اليونيسكو. وتأتي أهمية الكتاب، ومتعة مطالعته، من أن اهتمامات كاتبه لا تنحصر في العمل الدبلوماسي وعضويته في العديد من اللجان والمجالس الدولية فحسب، بل هو أديب من طراز خاص، وأستاذ محاضر في العلاقات الدولية، متخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لدى الجامعة الأميركية للدراسات العليا في باريس.

وإذا كانت مفردة «الحوار» هي المفتاح الصحيح الذي يدور في أقفال كافة القضايا السياسية المعقدة في العصر الحديث، فإن موسى بن جعفر يملك من التجارب المتنوعة، ومن سحر البيان ما يجعل الاستماع إلى خطبه العديدة دروسا في الثقافة العربية وإضاءات لتاريخ الخليج، وهي خطب ألقاها من المنابر الدولية على مدى ربع قرن كان خلاله مندوبا دائما لبلاده في اليونيسكو. ولم يهبط الرجل على هذا الموقع بالمظلة، كما يقولون في التعبير الفرنسي، بل جاء مسلحا برحلة تعليمية طويلة بدأها في المدرسة السعيدية الابتدائية في بلده، وواصلها في ثانويات دبي وأبوظبي، وفي جامعات بيروت والإسكندرية، قبل أن يعززها بشهادة دكتوراه الدولة من «السوربون» في باريس. لذلك كان أهلا، إلى جانب منصبه، لرئاسة المجموعة العربية في اليونيسكو من 1986 حتى 2004، وهي المرحلة التي توجت برئاسته للمؤتمر العام لليونيسكو في دورته الثالثة والثلاثين.

وبالإضافة إلى وضعه كتابا في ثلاث لغات حول تطور القانون الإداري العماني، اختبر الدكتور موسى بن جعفر كافة ميادين العمل الثقافي، وهو ذواقة للشعر القديم، قدم مجموعة من الأعمال المسرحية وشارك في الإخراج والتمثيل والغناء على مسارح مسقط ودبي وأبوظبي وبيروت. كل تلك التجارب مترافقة بابتسامة عريضة لا تغيب عن ملامحه، جعلت منه نموذجا صادقا لوضع الثقافة في خدمة السلام العالمي والمحبة بين الشعوب. ومنذ ثلاث سنوات حصل على لقب «سفير السلام» من الفيدرالية الدولية من أجل السلام العالمي.

عرف السفير العماني كيف ينجو بخطاباته مما يسمى باللغة الخشبية. وإذا كان بعض الحضور ينتهز فترات الخطب الطويلة في المؤتمرات العالمية لكي يأخذ إغفاءة قصيرة، فإن من يستمع إلى موسى بن جعفر يشعر بتيقظ الحواس، وبمتعة ملاحقة الفكرة وهي تتنقل بسلاسة من الاستشهاد بحديث شريف إلى أمنية جالت في قلب الأديب العربي أنطون الجميل، ومن قول للمفكر الإيطالي أمبرتو إيكو إلى حكمة لبوذا، ومن مقولة للإمام الشافعي، إلى بيت للمتنبي، أو لشكسبير، دون أن ينسى مثلا عمانيا يقول: «ليت في كل طريق لي صديق».

أليس هو الخطيب الذي افتتح المؤتمر العام لليونيسكو في خريف 2007، بعد سنتين من رئاسته له، بنص بليغ من ملحمة «الأوديسا» . وأردف موسى بن جعفر: «ها أنا اليوم الشخص العادي، آتي إليكم بعد عامين من وضع ثقتكم فيّ لأعيد إليكم الأمانة وليتسلمها غيري، وتسير عقارب الساعة كما يرسمها لنا الزمن...».

إنه موسى بن جعفر الذي وجه أبياتا شفافة من الشاعر البريطاني وليم وردزوورث إلى النساء الحاضرات في ذلك المؤتمر، وختمها بمخاطبتهن قائلا: «بوركت أيتها المرأة، أما وحبيبة وأختا وزوجة وصديقة، لأنك أنت الحياة». وهي عبارات تكتسب مغزاها من أن قائلها هو رجل من الشرق، ومن الخليج العربي الساعي إلى نهضة نسائية طال انتظارها.