الروائي السعودي عبده خال: ذهب المنافسون بالرهان.. وذهبت بـ«البوكر»

نعم قفزت بعد إعلان فوزي.. وفجأة وجدت نفسي في قلب الأضواء

عبده خال مع الكاتب طالب الرفاعي رئيس لجنة حكام الجائزة، ووزير الثقافة بدولة الإمارات عبد الرحمن العويس، وجوناثان تايلور رئيس مجلس أمناء الجائزة (إ.ب.أ)
TT

بعد فوز روايته «ترمي بشرر» بالجائزة الدولية لأدب الرواية العربية لعام 2010، كأول سعودي يحصل عليها، يقول الروائي عبده خال إن المعارضين الذين احتجوا على روايته (ترمي بشرر) بدعوى تشويهها لقيم وأخلاقيات المجتمع ليسوا سوى هواة للتلصص والقفز على أسطح المنازل يحرمون أنفسهم من متعة الرؤية المتكاملة للعمل. لأن التلصص عبر ثقب الباب لا يمكن صاحبه من رؤية المشهد كاملا.

عبده خال فاز بالجائزة، وهي النسخة العربية لجائزة «بوكر» البريطانية الشهيرة، الأسبوع الماضي في احتفال نظم في أبوظبي، في اليوم الأول من «معرض أبوظبي الدولي للكتاب»، بعد أن اشتملت القائمة القصيرة للمرشحين على خمس روايات أخرى إلى جانب «ترمي بشرر»، واختيرت الأعمال الستة من أصل 115 عملا تأهلت للمشاركة. وكان الفائزان السابقان بالجائزة هما بهاء طاهر عن «واحة الغروب» ويوسف زيدان عن «عزازيل».

يمثل عبده خال نموذجا للأديب السعودي الذي حمل هم البسطاء والمهمشين، وقد ولد في عام 1962 في قرية (المجنة) في جازان التي تقع في أقصى الجنوب الغربي للسعودية على ساحل البحر الأحمر. ومنذ ولادته حمل معه كومة من المعاناة، فقد عاش وتربى وهو يكابد شظف العيش، واضطر للنزوح من قريته بعد أن فتك بها وباء (الملاريا) مخلفا جحافل الجثث، ولذلك فقد بقي الموت راسخا في وجدانه يتربص بكتاباته. ويقارن عبده خال بين الموت والشعور بالتهميش، بالقول: «كارثتنا أننا نموت أحياء، بسبب وضعنا داخل سجن التهميش، تكوّن من سوء الظن والزيف والكذب».

ويقول عبده خال لـ«الشرق الأوسط» إن العلاقة بينه وبين قريته الجازانية (المجنة) راسخة، «فنحن نسكن بعضنا، فالأمكنة كالخلايا نظن أنها هرمت وماتت فإذا بها تقفز على تضاريس ملامحنا وتشعرنا بأنها لا تزال تخلق الحياة فينا. قريتي كوشم كلما عبر الزمن ونظرت إليه تذكرت أن جلدي استقبل تلك الوخزات ليبقى أبد الدهر يذكرني بأني غادرت رحم قريتي وأني أنتمي إليها مهما هربت داخل المدن فتعتقلني من خلال لهجتها أو أهازيجها أو رقصاتها أو ذكرياتها. الأماكن كالمقابر التي لا نغادرها صباحا أو مساء».

في عام 1982 حصل عبده خال على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الملك عبد العزيز في جدة. وأصدر عبده خال مجموعة من الأعمال الأدبية، في مجال القصة أصدر «حوار على بوابة الأرض» 1984، «لا أحد»، 1986، «ليس هناك ما يبهج» 1988، «حكايات المداد» قصص للأطفال 1994، «من يغني في هذا الليل» 1999، «الأوغاد يضحكون» 2002.

أما في مجال الرواية فقد أصدر عبده خال مجموعة من الأعمال التي نجح بعضها في أن يتحول إلى علامة فارقة في المشهد الروائي السعودي، ومن بين تلك الروايات «الموت يمر من هنا»، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1991، «مدن تأكل العشب» عن دار الساقي، لندن 1998، «الأيام لا تخبئ أحدا» عن دار الجمل، ألمانيا ‏2000، «الطين» دار الساقي 2002، «نباح» منشورات دار الجمل 2003، «ذلك البعيد كان أنا» عن دار الساقي، «فسوق» 2005. بالإضافة لروايته (ترمي بشرر) منشورات دار الجمل.

وترجمت له كثير من القصص إلى اللغة الإنجليزية من بينها: «رشيد الحيدري»، «الأوراق»، «ماذا قال القميري»، «القبر»، ومجموعة قصص للأطفال مأخوذة من مجموعة «حكايات المداد»، كما ترجم له فصل من روايته «مدن تأكل العشب» إلى الإنجليزية، وكذلك إلى اللغة الفرنسية.

«الشرق الأوسط» التقت الأديب السعودي عبده خال بعد فوزه بجائزة «البوكر» وأجرت معه الحوار التالي:

* حدثني عن الجائزة.. ماذا تعني بالنسبة إليك..؟

- منذ أن كتبت لم أكن أضع أمامي جائزة، فالكتابة هي عشق خاص لا أبحث له عن ثمن، وأتصور أن من يكتب من أجل الجوائز لا يمكن له أن يكون صادقا مع نفسه أو مع غيره..

الآن جاءت هذه الجائزة كتتويج لمشوار إبداعي، يفرحني أن الجائزة ستلقي الضوء على أعمال روائية كتبتها كنت أتمنى أن تنقل إلى لغات أخرى.. وأعتقد أن الجائزة ستحقق هذا الانتقال.

* كيف تلقيت الخبر، سمعنا أنك «راهنت» أدباء مرشحين على الفوز..؟

- كنا ستة نجلس على طاولة واحدة (أثناء حفل إعلان الجائزة في أبوظبي) وكل واحد منا يتوقع أنه الفائز، وكان الجو متوترا من خلال الضغط النفسي الذي أحدثته مراسم تسليم الجائزة، ولكي أوجد نوعا من التنفيس طلبت من زملائي الخمسة أن نقترع على الجائزة، فأعطتني الروائية منصورة عز الدين عملة نقدية واقترعنا من خلال اختيار الصورة أو الكتابة، وخرج الجميع بالقرعة، إلا أنا، ومحمد منسي قنديل، الذي رفض أن يكمل لعبة القرعة، فجاءت الروائية ليلى عثمان وأجرت القرعة وفاز بها محمد منسي قنديل.. بعد هذه اللعبة كان الوقت قد حان لإعلان اسم الفائز..

* شاهدناك تقفز.. كما لم نرك خارج صندوق الوقار..

- الحقيقة ما إن نطق الروائي طالب الرفاعي باسم الفائز حتى نهضت من مقعدي رافعا يدي، فإذا القاعة تضج بالتصفيق وكاميرات الصحافيين والإعلاميين تحاصرني من أجل التقاط الصور، ووجدت نفسي في أحضان زملائي المرشحين.. فهم أول من هنأني ليطلب طالب الرفاعي صعودي إلى المنصة..

أعتقد أن كثيرا من الحركات التي حدثت كانت عفوية، وتوالت الأفعال والحركات التي شاهدتها فيما بعد من خلال العروض التلفزيونية.. كان بها كثير من التصرف العشوائي والعفوي أيضا.

* كيف تلقت زوجتك التشكيلية حنان الجهني وأبناؤك الخبر..؟

- قبل تحركي إلى صالة الحفل، كنت مع زوجتي على الهاتف وهي توصيني أن أخبرها بالنتيجة حال إعلانها، وعند الإعلان لم أستطع أن أفعل أي شيء سوى تقبل التهاني، وبعد فترة وجدت فرصة فكتبت رسالة إليها أخبرها بالنتيجة فإذا بها ترسل أن خبري قديم، فقد تلقت الخبر من ابننا (وشل) الذي سمع الخبر.

بالنسبة للعائلة، عندما حدثتهم كانت الفرحة خضراء على أفواههم فزوجتي أسعدتني بجملة رسائل متوالية معبرة عن تلك الفرحة ومنهية كل واحدة منها بقولها أنت فخر لنا جميعا.. عذب (ابني الأصغر) قال إنه توقع فوزي قبل أن أسافر، ولذلك فهو يطالب بنسبة من الجائزة وابني (معد) كان غاضبا، لأنه سمع أن الرواية تم منعها في معرض الرياض، أما وشل (الابن الأكبر) الذي نقل الخبر لأمه فقد ظل على الهاتف في اتصال مباشر لم أرد عليه إلا في الساعة الواحدة صباحا، أما ابنتي جوى (الصغرى) فجلست تكتب قصة متمنية أن تصبح كاتبة رواية عندما تكبر.

* ماذا تضيف لك الجائزة..؟

- ستجعلني مقيدا، فقد كنت بعيدا عن الأضواء، أما الآن فستجعل كل ما أكتبه محل نظر.

* هل يعي رؤساؤك في وزارة التربية والتعليم أنك صرت مثالا للأدب السعودي العابر للحدود..؟

- أنا ليس لي علاقة بأي مسؤول في التعليم، ولذلك لا أعرف هل كانوا ينظرون إلى أني كنت كبيرا أو صغيرا. لكنني أجد معاناة كبيرة في الانتقال للمناسبات الثقافية..

* كيف لهذا المثقف الذي فرض حضوره الإبداعي عالميا أن يقبع في الصف الأول الابتدائي كل هذه السنين.. ألم يحن الوقت أن تأخذ وزارة التربية والتعليم المبادرة بتفريغك للإبداع؟

- اسأل وزارة التربية والتعليم، أو وزارة الثقافة والإعلام، أو اسأل كم يوم خصم من راتبي لأني استجبت لأمسية أدبية، أو شاركت في مؤتمر أدبي.. كل مشاركاتي أتحملها كخصم.. فكيف بك أن تطالب بأكثر من إعطائك الفرصة للمشاركات من غير خصم أو توبيخ لكل مشاركة تحضرها.

* كيف كان شعور طلابك الصغار..؟

- بعد رجوعي من أبوظبي، وفي أول التقائي بالطلاب، كان كل واحد منهم يأتي مصافحا ومباركا.. وكان أحدهم يقول: أنا رأيتك في التلفزيون، ويقول الآخر: رأيتك في الصحيفة.. كانت فرحتهم فرحة لي.

* كيف ترى موقف وزارة الثقافة عموما من الجائزة؟ هل تشعر أن الجائزة ستدفع الوزارة للالتفات إلى المبدعين المحليين؟

- أنا أعتقد أن المبدع مؤسسة متكاملة، فهو الوحيد القادر على صناعة إبداعه، وليس في حاجة لأحد، ويأتي دور الوزارة في إيجاد تنظيمات إدارية لتسهيل مهمته فقط.

* بالمناسبة، كيف لخريج العلوم السياسية أن يقبل بوظيفة معلم في مدرسة ابتدائية..؟ ألا زلتَ تعتقد أن اختيارك لتخصص العلوم السياسية لم يكن سوى «غباء الطبقة البسيطة» لأن العلوم السياسية تستقطب الطلاب الأغنياء أو أبناء الأسر المعروفة؟

- هذا ما حدث، ويحدث أيضا، تتعلم شيئا، وتمارس شيئا، وتحب شيئا. وهذا نتاج العشوائية التي نرزح بها، ولو وضع كل إنسان في المكان الذي يناسبه لربما تخلصنا من كثير من المعوقات.

* قوبلت رواية (ترمي بشرر) بعاصفة من النقد من قبل متدينين اتهموها بتشويه القيم الأخلاقية..؟

- يمكننا أن نقول من أجل الهروب بالنص وبالروائي من نطع الحانقين وإبعادهما عن مقصلة الاعتراضات التي ترفع على الكاتب إن الكتابة الروائية هي عمل فني متخيل، وليس واقعا تماما. لكن نعلم أن ذلك مجرد عملية «تهريب» ينقص من قيمة الرسالة الإبداعية للفن، وتحويله إلى تجارب مخبرية ذهنية أحدثها الكاتب بعيدا عن الواقع.

لا يمكن الابتعاد عن تاريخية وزمانية المكان واللغة معا، فاللغة تحمل تاريخها وكذلك المكان، ويصبح الانفلات تماما من هذه العناصر مستحيلا في النص المشتغل على واقع بعينه، ربما يحدث هذا الهروب في أدب الخيال العلمي (لبعض الوقت) غير أن النص الروائي ينطلق من تاريخية (المشتملة على الزمان والمكان والمؤثرات التي تولد أحداثها).

المعارضون الذين يدخلون إلى الرواية لا يأتون من الأبواب، هم يقفزون على الأسطح أو يتسللون من النوافذ، أو يتطلعون من ثقب الباب.. والتلصص لا يمكن المرء من رؤية المشهد كاملا، وحضورهم في كل الحالات حضور جزئي أشبه باللصوص الذين يسطون على بيت آمن، فيأخذون منه ما خف وزنه وفحش معناه. هؤلاء لا يقرؤون، ولهم مندوبون يجتزئون مقولات من داخل الروايات أو دواوين الشعر، أو كتب النقد الثقافي.. ويتم تعميم تلك المقولات لتصبح حاضرة على لسان أي معترض..

* كيف ترد على من يقول إن روايات «خال» وحتى مقالاته... لا تبعد كثيرا حتى تعود إلى نقد صورة التدين السائد.. والجهات الحارسة لهذا النمط من الخطاب الديني المهيمن داخل المملكة..؟

- هذا اتهام من لا يقرأ، وهو أحد الفواصل التي من خلالها أعرف نوعية المتحدث، أنا أكتب زاوية اجتماعية تتناول هموم المواطن في كل منحى من حياته، وعندما يأتي قارئ ويقول أنت لا تكتب إلا عن المتدينين أعرف أنه لا يقرأ جيدا.

* هناك من يقول إن الرواية لم تغادر «عوالم» الروايات السعودية التي أنتجت أخيرا، متسلحة بالفضائحية الجنسية، فهي ببساطة عبارة عن اعترافات لأحد الشاذين جنسيا، من الحارة إلى عالم القصر..؟

- هذه قراءة مبتسرة، وتتبع لحكاية، وليس لحالات الشخوص، أو متابعة لأفكارها ونظرتها للحياة كما هي حين نمارسها.

الفضائحية حينما لا يستطيع القارئ أن يصل إلى عمق الأشياء، وإنما يتتبع الأسطح، وهو بهذا أشبه بلصوص المنازل.

* لكن اللغة التي استخدمت داخل الرواية كانت مستفزة وتميل للتعري..؟

- السرد في «ترمي بشرر» استهدف لحظة السحق التي نتعامل معها باعتيادية قاتلة.

إذ ليس هناك انغلاق سردي بقدر تمتعنا كمجموعة بالانغلاق حيال أي بوح فردي واعتباره أمرا لا يليق بالجماعات الالتفات له، خاصة إذا كان بوحا عاريا وقذرا. و«ترمي بشرر» تمزج قذارة النفس حينما تغتسل بالمال والسلطة وتظن أنها تطهرت بهما، بينما يكون الواقع أكثر قذارة مما تحمله الصورة.

ورواية «ترمي بشرر» هي التقاط الصورة الخام وتقديمها في أصلها الأولي، ولذلك فصورة النار والجنة جاءت معكوسة كواقع حقيقي قبل تعديلها، وبمعنى آخر هي لحظة وقوف على أصل الصورة، والإشارة للتزوير الذي حدث لها عند رؤيتها في حالتها الأخيرة.

قلت سابقا إن رواية «ترمي بشرر» تمثل انفجارات متوالية كاستجابة لإشعال فتيل السرد، مثلما هو النص انفجار لحظات زمنية متباعدة المواقع، ومثلما هي الحياة لحظة انفجار ما يحقق التغير والتبدل، وفي الرواية حدثت عدة انفجارات من خلال الانفجار «الذاتي» من قبل شخوص الرواية على ما هو عام.

وشخوص الرواية هم في حالة انفجار داخلي، تسربت حممهم بالتقاء طبقات متحركة مع قشرة رخوة، فحدث الانفجار الذي سكن بفعل الكتابة كتهذيب لإخراج كل تلك القذارات. فالكتابة تقتل الروح بتأنقها المفرط.

* ورد على لسان «طارق فاضل» بطل رواية «ترمي بشرر» أن «كل كائن يتخفى بقذارته، ويخرج منها مشيرا لقذارة الآخرين».. هل كان ذلك هو «بيت القصيد» في الرواية..؟

- لو أردته بيتا للقصيد لكتبته وانتهى، الأمر بدلا من كتابة 400 صفحة.

* هناك ميل داخل الرواية لدفع الطبقات الدنيا في المجتمع للبوح والحكاية، هل يمثل ذلك شكلا من أشكال الانصياع لطبيعة الإنسان داخلك المهموم بالطبقات المهمشة..؟

- عندما كتب التاريخ فإنه نقل حكاية وبطولات الشخصيات الرسمية، وجاءت الرواية لتكتب بطولات المهمشين.

* قبل سنين قال غازي القصيبي: «أبعدوا هذا الفنان عني» لكن لم تبتعد، بل أصبحت أكثر انتشارا.. عن أي مثقف سعودي تقول اليوم ما قاله القصيبي ذات مرة..؟

- بل أقول قربوا كل ذي موهبة، فالبلد بحاجة لفنانيها ومبدعيها في كل مجال.

* هل يؤشر وصولك لـ«لبوكر» لمستوى الإبداع السعودي..؟ أم هي حالة خاصة..؟

- الجائزة لم تعط للساحة الثقافية السعودية، بل أعطيت لكاتب، فهي تشير له.. ومع ذلك لدينا كتاب أفذاذ، ومن طراز فاخر.

* ما هي خططك للمستقبل..؟

- لدي مشروع روائي علي إنجازه بعيدا عن ضوضاء الجائزة.