«كوكب البلاستيك».. فيلم نمساوي ـ ألماني يكشف تسلل البلاستيك إلى البيئة ودماء البشر

العالم ينتج 300 مليون طن منه سنويا

يتعرض الفيلم إلى زيادة استخدام البلاستيك من قبل البشر وفي الوقت ذاته زيادة ركام النفايات البلاستيكية
TT

في فيلم «كوكب البلاستيك» الوثائقي، الذي أثار ضجة بيئية كبيرة في ألمانيا والنمسا، يطلب المخرج فيرنر بوتة من عائلة أميركية في نيويورك أن تخرج من البيت إلى الحديقة كل ما هو مصنوع من البلاستيك. النتيجة أن العائلة اضطرت، أمام عدسة الكاميرا، إلى إخراج كامل الأثاث إلى الحديقة.

هذا يعني أن العائلة أخرجت التلفزيونات والكومبيوترات وقطع الأثاث والأحذية والأواني والأقداح والقنينات والملابس وألعاب الأطفال، وعددا كبيرا من الأدوات التي تستخدم في المطبخ والحديقة والقبو، مثل أنابيب المياه والملاعق والصناديق. وكانت هذه إحدى «ضربات» المخرج الرئيسية، التي تكشف مدى تسلل البلاستيك إلى حياتنا اليومية، فهو فيلم عن دورة حياة البلاستيك في الطبيعة، ومدى تسللها إلى دورة المياه والدورة الدموية للبشر. ويظهر الفيلم على هذا الأساس مدى تسلل البلاستيك، كقطع كبيرة، أو كجزيئات غير مرئية، إلى مياه البحار والمحيطات، وإلى التربة، وإلى بلازما الدم. ويقول المخرج إنه إذا كانت جوارب النايلون النسائية تركت انطباعا جميلا في قلوب الرجال فإن مركبات البلاستيك المتطايرة، في بزازات الأطفال مثلا، تركت أثرا سيئا في قلوب ورئات وأكباد الأطفال.

وهو فيلم مغامرات يلعب فيه البطل، ونقصد البلاستيك، دور «التيرميناتور» الشرير الذي لا يعرف التهاون، ويستعصي على الفناء، فالبلاستيك من أكثر المواد المعروفة بطول الحياة، ولا يمكن إفناؤها إلا بالحرق أو إعادة التدوير، وما يستقر منها في أعماق المحيطات يمكن أن يبقى لعقود من دون أن يتأثر.

يتعرض الفيلم أيضا إلى هزيمة القنينة الزجاجية أمام القنينة البلاستيكية في العقود الماضية، وهو ما أدى إلى زيادة استخدام البلاستيك من قبل البشر، وزاد في الوقت ذاته من ركام النفايات البلاستيكية. فالقنينة الزجاجية خسرت النزال أمام القنينة البلاستيكية، بالذات، بسبب وزنها الثقيل، وحلت محلها الآن قنينات بلاستيكPET، التي يقال إنها غير ضارة بالبشر وقابلة للتدوير. وانتشرت المادة الأخيرة بسرعة لتتسلل إلى المنتجات الحديثة كافة، بما فيها زجاجات رضاعة الأطفال والبزازات، وذلك على الرغم من الخلاف حول سلامة استخدام هذه المادة.

والفيلم من إخراج النمساوي فيرنر بوتة، الذي يسميه الألمان «مايكل مور» النمسا، وطبيعي أن من يشاهد «كوكب البلاستيك» سيعرف في الحال لماذا استحق المخرج هذا اللقب، فالفيلم لا يمنح المشاهد لحظة راحة، يقصفه بالمشاهد المروعة التي تصور تسلل البلاستيك إلى حياتنا، ويقطع أنفاسه بالحقائق الرقمية المستمدة من أرشيف الأمم المتحدة، ودوائر البيئة في أوروبا والولايات المتحدة واليابان. وضد التقديرات والانتقادات التي اتهمت الفيلم «بقطع شهية الإنسان لشرب العصير من قنينة بلاستيكية»، يقول المخرج إن ذلك لم يكن هدفه، وهدف الفيلم هو تنوير الناس وتثقيفهم بمخاطر البلاستيك. وهدف الفيلم أيضا تحذير البشرية من تأخرها في تشخيص هذه المخاطر، مع دعوة لتحسين طرق التخلص من البلاستيك وتدويره، فالأكياس والألعاب البلاستيكية وغيرها يجري عادة حرقها في مراجل كبيرة غير مزودة بفلاتر كافية لترشيح الأبخرة المتطايرة من المواد والمركبات السامة للإنسان والجو.

والحقائق التي يطرحها الفيلم مخيفة.. تنتج البشرية سنويا 300 مليون طن من البلاستيك سنويا، وهناك مؤشرات على زيادات كبيرة في الإنتاج خلال الأعوام المقبلة. وتستهلك المصانع ثلث هذه الكمية في صناعة الأكياس والعلب والقنينات والصناديق التي تستقر عادة بعد فترة قصيرة جدا في النفايات، ولتبدأ دورة حياتها في البيئة.

وعدا عن جبال النفايات البلاستيكية على حدود المدن وقرب الأنهار، قاس خبراء الأمم المتحدة وجود 18 ألف قطعة بلاستيكية في كل كيلومتر مكعب من مياه البحار، وهي مواد صناعية تلوث قيعان البحار بالبلاستيك، وتتسلل جزيئاتها إلى الحيوانات والنباتات البحرية الصغيرة والكبيرة. وهي خطر يومي على الطيور البحرية، لأن الطيور دائما ما تخطئها كمواد غذائية بسبب بقايا الطعام العالقة بها، وتستقر هذه المواد في معدات الطيور، وتؤدي إما إلى انسداد الأمعاء والموت الفوري، أو إلى امتلاء المعدات بالبلاستيك، وخلق شعور بالشبع لدى الطائر، ومن ثم الموت جوعا.

ويستعرض الفيلم علماء البيئة وهم يلتقطون الطيور والأسماك الميتة من على الشواطئ، يفتحون بطونها، ويكشفون عن «كرات» البلاستيك المتجمعة في جوفها، وهي كرات كبيرة تسد كامل حجم معدة الطائر أو السمكة، وتمنع التغذية بشكل سليم عنه.

وفي مشهد مؤثر تماما، يخضع المخرج وفريق العمل في الفيلم أنفسهم لفحوصات في الدم وأمام الكاميرا. وتكشف الفحوصات المختبرية عن وجود نسبة متماثلة من جزيئات البلاستيك في دماء كل منهم، على الرغم من أن معظمهم من دعاة البيئة، ومن مناهضي استخدام المواد المصنوعة من البلاستيك. وعثر الباحثون في بلازما دماء فريق العمل على مادة «بيسفينول إيه» (Bisphynol A)، التي يحذر العلماء من مخاطرها، فالدم حسب تعليقات الخبراء تحول في العقود الأخيرة إلى «قرص ثابت» يحفظ كل ما يفعله الإنسان، ويكشف مدى تسلل «متطلبات الحياة الحديثة» إلى جسده، فهذه المادة الخطرة من المواد التي يعجز الجسم عن هضمها أو التخلص منها، وتتسلل إلى دم الإنسان، كما هي الحال مع الأسمدة الكيماوية، في غفلة من الرقابة الصحية. ويشك العلماء في أن «بيسفينول إيه» تؤدي إلى تقليل خصوبة الذكور، عدد حيامن أقل، تؤثر سلبا في الدماغ، وتحدث اضطرابا في الجينات.

وفي مشاهد أخرى من الفيلم، يركز المخرج اهتمامه على خلاف العلماء في العالم حول مخاطر البلاستيك ومخاطر المواد التي تدخل في تركيبته، خصوصا مركبات البلاستيك والمواد البترولية المتطايرة، أو التي تتحلل بسهولة في الماء واللعاب. ويبدو أن هناك اتفاقا بين العلماء على خطر مواد البلاستيك المتطايرة والذائبة في الماء، إلا أن النقاش بين العلماء يتركز على الحد الأقصى المسموح به في جسم الإنسان.

ويقول بوتة في الفيلم إن مادة «بيسفينول إيه» موجودة في الكثير من المواد الصناعية التي تمتد بين قنينات بلاستيكPET وقنينات رضاعة الأطفال والبزازات، ويطالب بحظرها. ويرى المخرج ضرورة إيجاد طريقة تمنع تطاير هذه المادة وذوبانها في لعاب الأطفال بهدف تجريدها من الخطر، علما بأن كندا بادرت إلى حظر استخدام «بيسفينول إيه» في إنتاج البلاستيك، في حين أن الدوائر البيئية في الولايات المتحدة وألمانيا ما زالت مترددة.

وعلى أساس دراسة لدائرة البيئة الاتحادية الألمانية، دعت فيها قبل سنتين إلى تشديد الرقابة على استخدام المواد الملينة للبلاستيك في ألعاب الأطفال والأدوية والأجهزة، يتطرق الفيلم إلى المواد الملينة المستخدمة في صناعة البلاستيك. وجاء في تلك الدراسة، بعد فحوصات أجرتها الدائرة على 600 عينة من إدرار الأطفال، أنها عثرت على مادة «دايفاثاليت» الملينة بكميات مختلفة في دماء الأطفال.

إذ شملت الدراسة 600 طفل وشاب من أعمار 3 - 14 سنة، وظهر من النتائج أن نسبة المواد الملينة للبلاستيك في بعض عينات الإدرار أكثر من نسبة المعادن القليلة التي تحذر وزارة الصحة منها. وكانت نسبة تركز المواد الملينة في أجسام الأطفال الصغار أكبر، وتشكل خطرا داهما على صحتهم في مراحل العمر المتقدمة.

وحسب تصريح كيرستن بيكر، التي أسهمت في الدراسة، فقد تعدت نسبة «دايفاثاليت»، المستخدمة في تليين ألعاب الأطفال، النسبة المسموح بها من قبل الاتحاد الأوروبي في 1.5% من الأطفال، إلا أن نسبة مادة «ديبوتيل»، المستخدمة في الماكياج وأصباغ الأظافر وصناعة كبسولات الأدوية، زادت على حدها الأقصى في 12% من عينات إدرار الأطفال. وكانت نسبة المادتين في الأطفال من عمر 3 - 6 سنوات أكثر تركزا من غيرهم.

وسبق للاتحاد الأوروبي أن منع استخدام المواد الملينة الضارة بالصحة في صناعة ألعاب الأطفال تحت 3 سنوات بعد دراسة للاتحاد الأوروبي عام 1999 تثبت عمل هذه المواد على إصابة الحيوانات، وربما الإنسان، بالعقم. وقل استخدام مادة «دايفاثاليت» بنسبة 50% في صناعة المواد البلاستيكية في ألمانيا خلال الأعوام التسعة الماضية. ولا يأتي خطر هذه المواد على الإنسان من خلال استخدامها في ألعاب الأطفال والأصباغ والماكياج فقط، لأنها تحتوي على مواد متطايرة، ويمكن أن تتسلل إلى جو المنازل من الأبواب والشبابيك والأرضيات البلاستيكية.

الفيلم: «كوكب البلاستيك».

الإنتاج: ألماني - نمساوي.

المخرج: فيرنر بوتة (النمسا).

سنة الإنتاج: 2010.

طول الفيلم 90 دقيقة.