اليابانيات حريصات على محاربة البدانة

لفترة طويلة ظلت اليابان الدولة الصناعية الأكثر رشاقة بسبب النظام الغذائي

قبل ربع قرن كانت نسبة النحيفات ضعف نسبة البدينات، وحاليا ارتفعت هذه النسبة إلى أربعة أضعاف (إ.ب.أ)
TT

في الوقت الذي يزداد فيه وزن النساء داخل الولايات المتحدة وفي معظم الدول الصناعية، نجد أن معظم النساء اليابانيات يصبحن أكثر نحافة، ومع ذلك، ترى الكثيرات منهن أن وزنها أكثر من المطلوب.

وتقول ميتشي تاكاجي، وهي جدة تبلغ من العمر 70 عاما تقاعدت بعد أن كانت تعمل مسؤولة تنفيذية بأحد محلات الملابس: «في الواقع، أنا بدينة إلى حد ما». ويبلغ مؤشر كتلة الجسم الخاص بها 19.9، ويعتبر ذلك أعلى بمقدار قليل للغاية عن الطبيعي. وعلى الرغم من أن وزن النساء الأميركيات في المتوسط ارتفع بمقدار نحو 25 رطلا خلال الأعوام الثلاثين الماضية، زاد وزن تاكاجي بمقدار 4.5 رطل، ويعد ذلك شيئا نموذجيا بالنسبة لشريحتها العمرية داخل اليابان، وفقا لما تشير إليه الأرقام الحكومية اليابانية والأميركية.

ولا تزال اليابانيات الأقل من 60 عاما أقل وزنا، وكانت النساء في هذه الشريحة نحيفات طبقا للمعايير الدولية قبل 3 عقود ومنذ ذلك الحين بدأن في تقليل وزنهن بصورة مضطردة.

ويتجلى هذا الاتجاه في أشد صوره بين النساء في العشرين من عمرهن، فقبل ربع قرن كانت نسبة النحيفات ضعف نسبة البدينات، وحاليا ارتفعت هذه النسبة إلى 4 أضعاف. وبالنسبة للنساء الأميركيات من مختلف الأعمار، تضاعفت معدلات السمنة تقريبا منذ 1980، لترتفع من نسبة 17 في المائة إلى 35 في المائة.

ويكمن السبب الأكثر أهمية وراء نمو نسبة الوزن المنخفض بين النساء داخل اليابان في ضغط اجتماعي، حيث تنظر النساء بعين منتقدة للنساء الأخريات، وذلك ما أفادت به هيساكو واتاناب، الطبيبة النفسية المختصة بالأطفال وأستاذة طب الأطفال المساعد في كلية الطب بجامعة كيو في طوكيو. وتضيف واتاناب، التي قضت 34 عاما تعالج النساء من اضطرابات تناول الطعام: «تنتقد اليابانيات بعضهن بعضا، وتوجد عادة منتشرة بين النساء وهي مراقبة بعضهن لرؤية مقدار رشاقة كل منها».

ويقول خبراء في الصحة العامة، إن اليابانيات الأصغر سنا، كمجموعة، ربما يكن نحيفات بصورة مبالغ فيها قد تضر بهن، حيث إن المقدار المحدود من السعرات الحرارية يخفض من معدل التمثيل الغذائي، ويتراجع متوسط وزن الأطفال الجدد الذين ينجبنهن، وبذلك تزداد احتمالية الموت حال الإصابة بمرض خطير.

وتقول ساتوشي ساساكي، أستاذة الوقاية من الأوبئة بكلية الصحة العامة التابعة لجامعة طوكيو: «أنصح هذه النسوة بأن يأكلن عندما يشعرن بالجوع. ويجب أن يشعرن بالرضا عندما يكون لديهن قوام طبيعي».

ولفترة طويلة كانت اليابان الدولة الصناعية الأكثر رشاقة، ويعود الفضل في ذلك بصورة جزئية إلى النظام الغذائي الذي يركز على السمك والخضراوات والكميات القليلة من الطعام المقدم. ولكن من الأشياء التي تجعل الناس في مختلف أنحاء العالم بدينين، الجلوس في أثناء العمل، والطعام المعالج، وقلة ممارسة التمارين الرياضية، وهي نفس الأسباب لدى اليابانيين.

ويزداد وزن الرجال البالغين والأطفال من كلا الجنسين بوتيرة تقلق الحكومة، فقد ارتفعت نسبة الرجال في العقد السادس الذين يزيد وزنهم عن المطلوب لتصل إلى 32% في الوقت الحالي.

وفي محاولة منها لتجنب أمراض القلب وغيرها من الأمراض المرتبطة بالسمنة، فرضت الحكومة مقاييس معيارية للخصر في 2007، واشترطت مقاييس معينة في الفحوصات البدنية التي يمولها العمل، وتحث أصحاب الوزن الزائد عن المطلوب على اتباع رجيم غذائي وممارسة تمارين رياضية.

ويقول الأطباء إنه بالنسبة للرجال، الذين تزداد أوزانهم في مختلف الشرائح العمرية، يكتسب البرنامج أهمية كبيرة، ولكنه يعطي إشارات خاطئة للنساء البالغات، وتقول ساساكي: «يقل الاهتمام بالنساء النحيفات، حيث إن النساء في منتصف أعمارهن لديهن نظرة خاطئة تقول إنهن جميعا يصبحن بدينات».

وتأتي أكيكو أوهنو، وهي بائعة أدوات تجميل داخل اليابان، من بين النساء اللاتي يشعرن بالقلق، فهي في الأربعين ويبلغ مؤشر كتلة الجسم 19.5، وتعد هذه نسبة منخفضة ولكنها في المعدل المعتاد. وقالت أوهنو خلال مقابلة أجريت معها: «أعتقد أني بدينة جدا، والليلة لن أتناول الأرز وسأتناول الخضراوات».

وتقول أوهنو، غير المتزوجة، إن النساء تهتم بوزنهن، لأن الرجال اليابانيين يفضلون الصغيرات الحجم الأنيقات، ولأن ملابس الموضة تكون على مقاس المرأة الأقل وزنا. وتضيف: «ولكن السبب الحقيقي الذي يقف وراء رغبة النساء في أن يكن أقل وزنا، هو أن ذلك يساعد النساء على النظر إلى أنفسهن داخل المرآة ومقارنة نفسها مع النساء الأخريات».

واكتشف الباحثون أن النساء اليابانيات داخل المناطق الحضرية أكثر نحافة بمقدار كبير بالمقارنة بالنساء في المناطق الريفية. وخلال العام الأول من الجامعة، يتراجع وزن الشابات اليابانيات، وعلى النقيض يزداد وزن النساء الأميركيات.

وتقول واتاناب: «عندما تكون الكثافة السكانية كبيرة، تكون النساء مشغولات بمتابعة الوزن، ويردن أن يكون الآخرون أكثر وزنا منهن، إنه أمر معقد وتنافسي، فالعين الناقدة في كل مكان».

وتظهر بيانات الحكومة اليابانية أنه منذ عام 1984 أصبحت جميع الشرائح العمرية للنساء من 20 حتى 59 أكثر نحافة (حيث يبلغ مؤشر كتلة الجسم أقل من 18.5). وتراجعت نسبة النساء البدينات (اللاتي يبلغ مؤشر كتلة الجسم لهن أكثر من 25) أيضا. وتحافظ النساء في الستين من أعمارهن على وزنهن بلا زيادة ولا نقصان. والفئة العمرية الوحيدة بين النساء التي يزداد وزنها هي فئة النساء في 70 عاما أو أكبر، وتبلغ نسبة الزيادة 2 في المائة.

ووجدت دراسات داخل اليابان أدلة قليلة على أن معدلات اضطرابات الأكل الخطيرة، مثل الشره المرضي أو فقدان الشهية، أكبر في اليابان بالمقارنة مع المعدلات داخل الولايات المتحدة أو أوروبا. ولكن أظهرت دراسات بحثية تمولها الحكومة أن الكثير من النساء في سن الإنجاب لديهن نظرة خاطئة عما تعنيه الزيادة في الوزن، حيث إن 40 في المائة تقول إن مقياس مؤشر كتلة الجسم الطبيعي الذي يبلغ 20 أو 21 يبدو بدينا بالنسبة لهن. ووجدت هذه الدراسات أيضا أن معدل استهلاك السعرات الحرارية اليومي بين النساء كان يبلغ في الأغلب ثلثي استهلاك الطاقة الفعلي بالنسبة لمتوسط البالغين. وتزايدت معدلات التدخين بين النساء في العشرينات بمقدار الضعف تقريبا خلال التسعينات من 10 في المائة إلى 20 في المائة.

وكما هو الحال داخل الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى، تشاهد النساء اليابانيات في وسائل الإعلام صورا لنساء رشيقات فائقات الجمال، ويقول خبراء في الصحة العامة إنهم يعتقدون أن هذه الصور تلعب دورا هاما في زيادة الضغط على النساء اليابانيات كي يصبحن أقل وزنا. ورد الفعل الأميركي على هذه الصور التي تنقلها وسائل الإعلام يربك الكثير من المواطنين داخل اليابان. وتقول ساساكي، خبيرة الصحة العامة في جامعة طوكيو: «داخل الولايات المتحدة، ترى صور هذه الجميلات الرشيقات على شاشات التلفزيون ومع ذلك يزداد وزن الأميركيين. ما السبب في ذلك؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»