تفاؤل في منع العنف ضد المرأة ومشاركتها في الحياة العامة

في يومها العالمي الذي صادف أمس

فنانات فلسطينيات يرسمن النساء على الحائط في غزة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (أ.ب)
TT

تترأس المرأة الحكومات، وتدير الشركات، وتشكل نحو نصف القوى العاملة في العالم، لكن استطلاعا عالميا للرأي أظهر أن واحدا من كل أربعة أشخاص، معظمهم من الشباب، يعتقدون أن المرأة مكانها المنزل.

وفي يوم المرأة العالمي الذي يصادف الثامن من مارس (آذار)، قالت ثريا أحمد عبيد، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان: «دعونا نمضي قدما، متحدين في اقتناعنا بأن حقوق المرأة هي من حقوق الإنسان، وبأن البشر جميعهم ولدوا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل شخص الحق في أن يعيش حياة خالية من التمييز.. وما دام العنف منتشرا على نطاق واسع ضد النساء والفتيات مقرونا بظاهرة الإفلات من العقاب عن هذه الجرائم، فلا بد لنا من سنّ التشريعات لإنفاذ القوانين المنصفة والأكثر ميلا إلى تحقيق العدالة. ففي أرجاء العالم كله، تمثل النساء غازلات النسيج المجتمعي، وصانعات التقدم نحو تحقيق المساواة. واليوم، هناك المزيد من الفتيات يواظبن على الدراسة، والمزيد من النساء ممن يشغلن مقاعد برلمانية وحكومية، والمزيد من النساء ممن يستفدن من العمل المدفوع الأجر. وعلى الرغم من ذلك، فلا يزال الطريق طويلا صوب تحقيق المساواة الحقّة».

وأظهر الاستطلاع الذي أجرته «رويترز» و«معهد إيبسوس» ونشرت نتائجه عشية اليوم العالمي للمرأة، وشمل أكثر من 24 ألف بالغ، في 23 دولة أن أشخاصا من الهند، 54 في المائة، وتركيا، 52 في المائة، واليابان، 48 في المائة، والصين وروسيا والمجر، 34 في المائة لكل منها، وكوريا الجنوبية، 33 في المائة، يتفقون على الأرجح على أنه يجب ألا تعمل المرأة. وربما كان من المدهش أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما كانوا الأكثر تأييدا لهذا الرأي، وليس الجيل الأكبر والأكثر تمسكا بالتقاليد.

لكن غالبية من شملهم الاستطلاع، ونسبتهم 74 في المائة، يعتقدون أن مكان المرأة ليس المنزل بكل تأكيد.

وفي لبنان نساء كثيرات لا يتوقفن عند تاريخ الثامن من مارس على أنه يوم المرأة العالمي، ولا يتذكرن هذه المناسبة إلا من خلال وسائل الإعلام التي تغطي نشاطات الجهات الرسمية والجمعيات المهتمة بالموضوع. أما في سياق الحياة اليومية، فلا شيء يذكر، سواء في أوساط العمل أو في الأوساط العائلية.

ولعل لفتة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري كانت مميزة في هذا الإطار، إذ حرص على إرسال ورود بيضاء للنساء العاملات في السرايا الحكومية، استقبلتهن على مكاتبهن مع بطاقة ممهورة بتوقيعه، و«أصدق التمنيات في يوم المرأة العالمي».

أما على الصعيد الرسمي، فكان شعار «دورك تلعبي دورك» تحفيزيا من خلال الحملة الوطنية، التي أطلقتها رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وعقيلة رئيس الجمهورية اللبنانية، وفاء سليمان، وذلك انطلاقا من واقع المرأة اللبنانية لتشجيعها على المشاركة، ولعب دورها في الحياة العامة، وسعيا إلى تفعيل قرارات لتحسين وضعها الاجتماعي والقانوني.

وتتضمن هذه الحملة إطلاق حملة إعلانية وإعلامية، وتنظيم نشاطات تثقيفية وتدريبية وكسب تأييد لموضوع الحملة، ومواكبة قانون الانتخابات. وهناك موضوع الكوتة النسائية التي تطالب الهيئة الوطنية بإقرارها ضمن القانون الانتخابي بصورة مرحلية، ترشيحا وانتخابا، تمكينا لها، وهي التي تعاني التمييز السلبي ضدها بسبب العوائد الاجتماعية والثقافية.

وتشير الحملة إلى الإجراءات القانونية التي شهدها لبنان، ومنها إمكان الوالدة فتح حساب مصرفي ائتماني لأولادها من دون موافقة الوالد، وشطب «خانة الوضع العائلي» (مطلقة، فسخ زواج) عن إخراج القيد أو الهوية للنساء والرجال. ولكن يبقى الكثير من التحديات أمام الهيئة، وكثير من الأعمال لتحققها، خصوصا على صعيد منع العنف ضد المرأة والعنف الأسري، وقانون العقوبات، وقانون الجنسية، وقانون الانتخابات، والانتقال، وضريبة الدخل، والضمان الاجتماعي.

هذا، وتستقبل المرأة اللبنانية عيدها العالمي، في مئوية إعلانه، ببعض التفاؤل لجهة إقرار الكوتة النسائية في الانتخابات البلدية المقبلة، كذلك تأمل النساء اللبنانيات خيرا من الحراك الملحوظ باتجاه إقرار «مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري»، الذي صاغته منظمة «كفى» وأحاله وزير العدل، إبراهيم نجار، إلى مجلس الوزراء لوضعه على جدول أعمال المجلس، تمهيدا لإقراره، فقد نجحت المنظمة في تحويل قضية العنف ضد المرأة قضية وطنية شاملة، في ظل استمرار وقوع عدد كبير من النساء ضحية للعنف الأسري والاغتصاب الزوجي غير المصنف كجريمة. لكن الاستحقاق الأبرز يتمثل في القدرة على جعل العنف الأسرى، سواء أكان جسديا أو جنسيا أو نفسيا أو اقتصاديا، جرما يعاقب عليه القانون.

وفي رام الله، أعلن مركز الإحصاء الفلسطيني، الاثنين، أن عام 2009 شهد تطورا على صعيد مشاركة المرأة الفلسطينية في الحياة السياسية، في بيان أصدره بمناسبة يوم المرأة العالمي.

وأشار المركز إلى وجود خمس وزيرات في مجلس الوزراء الفلسطيني في الضفة الغربية من أصل 22 وزيرا، كما تم تعيين أول سيدة في منصب محافظ، وأول امرأة على رأس هيئة سوق المال خلال عام 2009.

وعينت منال غنام، أواخر العام الماضي، محافظة لمدينتي رام الله والبيرة، كبرى المدن الفلسطينية، وهي أول مرة تشغل امرأة مثل هذا المنصب في الأراضي الفلسطينية. من جهة ثانية، قال المركز في بيانه إن النساء شكلن نسبة 15.8 في المائة من مجمل عدد الصحافيين العاملين في الأراضي الفلسطينية خلال عام 2009.

كذلك أشار المركز إلى أن نسبة النساء بين القضاة وصلت إلى 12 في المائة خلال عام 2008، بينما تم تعيين خمس سفيرات حتى مارس 2008.

وذكر المركز وجود 34 معتقلة في السجون الإسرائيلية من أصل نحو 7.300 معتقل فلسطيني، ومن بينهن خمس حكم عليهن بالسجن مدى الحياة.

إلا أن نساء لبنان ينظرن بكثير من التشاؤم حيال منع المرأة منح جنسيتها لأولادها، لا سيما بعد التجربة التي عاشتها اللبنانية سميرة سويدان، المتزوجة بمصري، التي ظنت أنها حققت حلم حياتها بعد صدور قرار قضائي أعطاها حق منح جنسيتها اللبنانية إلى أولادها، لكن فرحتها لم تكتمل بسبب استئناف الدولة لحكم اختصر معركة تخوضها آلاف النساء المتزوجات بأجانب في لبنان.

فقانون الجنسية لم ينل نصيبه المفترض من حصاد النتائج على مستوى الجهود التي بذلها المجتمع المدني، بسبب الاعتبارات الطائفية لدى فريق سياسي يعتبر أن تحقيق هذا المطلب يخل بالتوازن الديموغرافي بين المسيحيين والمسلمين، ويفتح الباب أمام التوطين، على اعتبار أن نسبة من النساء اللبنانيات متزوجات بفلسطينيين، مع أن بعض الإحصاءات تشير إلى أن نسبتهن لا تتجاوز 4 في المائة من مجمل المتزوجات بأجانب.

إلا أن التشاؤم لم يلغ أو يحبط الجهود الني تقودها حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، إلى حين تعديل قانون الجنسية، لأن «حق المرأة في إعطاء الجنسية هو من صلب حقوق المواطنة».

وعلى صعيد العالم العربي، لم تسجل حقوق المرأة سوى تقدّم متواضع في السنوات الخمس الأخيرة، في 15 من 18 بلدا في العالم العربي، حيث لا يزال عدم المساواة بين الجنسين ملحوظا بشكل قوي.

ووصفت الباحثة سانجا كيلي، في مركز فريدوم هاوس الأميركي، في دراسة أصدرتها عشية الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، العالم العربي بأنه لا يزال «الأكثر قمعا في العالم، فيما يتعلق بحقوق النساء، لكننا سجلنا تقدما طفيفا يثير التفاؤل في مجال التربية، وحق الحصول على عمل، وحق التصويت».

وتطلّب إنجاز الدراسة مشاركة 40 متعاونا في 18 بلدا للقيام بمئات المقابلات، ولدراسة 44 مؤشرا عن تطور حقوق المرأة، في مجالات الدراسة والعمل والقوانين والقضاء وميادين أخرى.

وسجلت ثلاثة بلدان تقدما ملحوظا في هذا الإطار، هي الكويت والجزائر والأردن، فيما ساءت ظروف النساء في ثلاثة أخرى هي العراق واليمن وفي الأراضي الفلسطينية.

ومن الخطوات التي تحققت، حصول النساء في الكويت على الحقوق السياسية للرجال، مع انتخاب أربع نساء في البرلمان في 2009، للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

ومن ناحية الحصول على الوظيفة، فلم تتجاوز نسبة النساء العاملات أو «الناشطات اقتصاديا» في المنطقة، 28 في المائة، وهي أدنى نسبة في العالم، في حين سجل تقدم في دول كثيرة، مثل قطر، حيث بلغت نسبة النساء العاملات 42 في المائة في 2007، مقابل 36 في المائة عام 2000.

ولفتت كيلي إلى أن «العنف الأسري ضد النساء يمثل مشكلة كبيرة في المنطقة، حتى وإن كان مسجلا في العالم أجمع»، باعتبار أن «ما يميز الشرق الأوسط هو نقص القوانين المتعلقة بحماية النساء من عنف الزوج»، وإن استثنت الأردن وتونس.

لكن جرائم الشرف، التي تقدرها الأمم المتحدة بخمسة آلاف حالة في العالم، تسجل ارتفاعا في فلسطين والعراق.

اعتبرت وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية سهام البرغوثي أن المرأة الفلسطينية انتقلت في المرحلة الراهنة من قوة هامشية إلى قوة مؤثرة. وقالت البرغوثي لوكالة الصحافة الفرنسية بمناسبة يوم المرأة العالمي، بأن «المرأة الفلسطينية بنضالها وإنجازاتها انتقلت في هذه المرحلة من قوة هامشية إلى قوة مؤثرة في المجتمع والحياة السياسية، ولكن ليس بشكل كاف». ودعت إلى «إجراء تغيير على واقعنا، لأن فكرة أن دور المرأة ثانوي في المجتمع، لا تزال تسيطر على الرغم من كل ما حققته».

وتضيف عبيد أن الكفاح من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين يشكل واحدا من أهم التحديات في عصرنا، «وما دام ملايين الفتيات يرغمن على الزواج وهن بعد في سن الطفولة، فلا بد لنا أن نهبّ لتحقيق المساواة في المعاملة وتكافؤ الفرص. ويشمل ذلك الحق في التعليم والاستفادة من الطاقات الكاملة لكل فرد. وما دام هناك استمرار في ظاهرة فقدان البنات، حيث فُقد منهن حتى اليوم 100 مليون بسبب تفضيل الذكور على الإناث، فلا بد لنا من حشد قوانا من أجل إحداث تغيير حقيقي يستهدف إنهاء المعاملة غير المنصفة والتمييز والعنف ضد الفتيات والنساء».

وحول النقاش الدائر في أوروبا حول الحجاب، قال مسؤول حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، إن حظر ارتداء النقاب لن يكون مجديا وقد يجبر المرأة على الانزلاق إلى مزيد من الاغتراب. يأتي ذلك بينما يدور نقاش في عدد من الدول الأوروبية، وبخاصة فرنسا، بشأن ما إذا كان يجب حظر أشكال من الملابس الإسلامية.

وقال توماس هامربيرغ، مفوض حقوق الإنسان، في مجلس أوروبا في بيان، أوردت مقتطفات منه وكالة الصحافة الفرنسية: «حظر البرقع والنقاب لن يحرر المرأة المضطهدة، لكن يحتمل أن يؤدي بها إلى مزيد من الاغتراب في المجتمعات الأوروبية. إن حظرا عاما على مثل هذه الملابس قد يشكل انتهاكا للخصوصية الفردية».

تأسس المجلس غير المرتبط بالاتحاد الأوروبي عام 1949 لحماية حقوق الإنسان والديمقراطية في أوروبا. ويبلغ عدد أعضائه 47 دولة من أندورا إلي روسيا وتركيا. ووقع كل أعضاء المجلس على المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان. ووفقا للمعاهدة، يمكن تبرير الحد من حقوق الإنسان على أساس الصحة العامة والسلامة والقيم الأخلاقية.

وأضاف هامربيرغ: «لم يتمكن الذين جادلوا من أجل فرض حظر عام على ارتداء البرقع والنقاب من إظهار كيف أن مثل هذه الملابس بأي طريقة تقوض من الديمقراطية والأمن العام والنظام والقيم الأخلاقية. الواقع أن ارتداء عدد صغير جدا من النساء لمثل هذه الملابس أدى إلى جعل هذه المقترحات أقل إقناعا».