أسبوع باريس للموسمين المقبلين

توقع شتاء ساخن حافل بالسفر والترحال

TT

بعد التشكيلة المثيرة على المستويين الفني والتجاري، التي قدمها البريطاني جون غاليانو لدار «ديور» يوم الجمعة الماضي، عاد ليتحف معجباته بخطه الخاص أول من أمس بتشكيلة أخذهن فيها إلى رحلة ثقافية وتاريخية، صور فيها امرأة من البدو الرحل، مغامرة، واثقة وقوية، لكن تحتاج إلى مصمم يراعيها ويقدر أنها تحتاج إلى قطع خاصة جدا.

الطريقة في نظره كانت أن يغدق عليها الكثير من الفرو وأزياء بطبقات متعددة، خوفا عليها من البرد وعوامل الطبيعة، مما يفسر الجاكيتات المصنوعة من صوف الماعز التي ألبسها إياها مع بنطلونات واسعة تستوحي خطوطها من السراويل العربية، والقبعات الضخمة حتى تكون مستعدة لمواجهة كل الصعاب، بما في ذلك تسلق الجبال أو المشي لساعات في الصحاري. ما عزز هذا الإحساس أنها تلبس أحذية خاصة بهذه المهمات تستلهم عمليتها من الأحذية التي يلبسها متسلقو الجبال، مع فارق كبير أنها، بترجمة غاليانو، اكتسبت كعوبا عالية جدا مدببة ورفيعة. لو سئل، فربما كان تبريره لها، أنها جزء من أسلحتها وأدوات دفاعها عن النفس ضد قطاع الطرق أو أي شيء قد يعترض طريقها. كل عارضة كانت تظهر بمجموعة من القطع المتراصة فوق بعضها، في تنسيق عجيب، يشد الأنفاس، ويأخذك إلى عوالم خيالية وكأنك أنت هذه المرأة الباحثة عن أرض جديدة. للنهار ألبسها الكثير من التنورات فوق سراويل، وجاكيتات مطرزة عند الأكمام أو جوانب الخصر، الكثير منها مزين بالفرو مع أحزمة عريضة. أما في المساء، فحولها من مغامرة إلى أميرة تختال في فساتين طويلة خفيفة وشفافة من الشيفون، بألوان فاتحة وتطريزات غنية يغلب عليها الفضي، رش على بعضها قطعا من الكريستال، بينما زين بعضها الآخر بالفرو، الذي حضر في كل قطعة تقريبا، أحيانا كـ«باتشوورك» في معطف طويل، أو كإضافة تتدلى من كم جاكيت أو تزين الجزء الأسفل من تنورة فستان سهرة من الشيفون أو الحرير. حتى الإكسسوارات زينت بالفرو، والمقصود هنا ليس القبعات الضخمة فقط، بل أيضا أقراط الأذن والأساور.

بدأ العرض على إيقاعات موسيقية متنوعة، طغت عليها الطبلة، لتظهر العارضات في هذه الطبقات المتعددة، التي شملت معاطف سميكة من البروكار وصوف الخروف وجلود الحيوانات. لم يضاهِ تنوع الإطلالات سوى تنوع إيقاعات الموسيقى، التي كانت تترافق مع كل إطلالة تظهر على المنصة، وكأنها تشرح من أين استوحى المصمم خطوطها أو ألوانها أو تطريزاتها. فسراويل الحريم المصنوعة من الحرير والمطبوعة بالورود وقبعات الرأس المغربية رافقتها موسيقى بربرية من جبال الأطلس، ومعاطف البروكار والجاكيتات المطرزة مع قبعات ضخمة من الصوف أو فرو الثعالب رافقتها إيقاعات منغولية وهكذا. كل هذه اللمسات الإثنية كانت مبتكرة ولم تغرق في الإثنية أو التاريخ، بل حملتنا بأسلوب عجيب إلى المستقبل لكن برومانسية الماضي. فهنا في باريس، ومنذ البداية، يلتقي الأمس بالغد.

كارل لاغرفيلد أيضا قدم في نفس اليوم خطه الخاص. فهذا المخضرم الذي يترأس «شانيل» الفرنسية و«فندي» الإيطالية أيضا، يثير الفضول دائما بقدرته على الحفاظ على خصوصية كل دار وجيناتها. لكن مما لا شك فيه أن الضغط الذي يشعر به لتجديد دار «شانيل» كل موسم، أو تقديم أزياء تكون خلفية مناسبة لبيع حقائب لـ«فندي» يختفي عندما يقدم تشكيلته. فهو في هذه الأخيرة يمكنه أن يطلق العنان لخياله ويعكس رؤيته الخاصة. وبالفعل صباح يوم الأحد قدم تشكيلة تغلب عليها بنطلونات أنبوبية مع جاكيتات مفصلة بشكل يصرخ بأسلوبه. قال إنه استوحى التشكيلة من رياضة الغوص. وهذا ما يفسر كونها ضيقة على الجسم وكأنها تلتصق به لتحميه. كما جاءت الياقات عالية والألوان داكنة مثل الأسود والرمادي الغامق والبني فضلا عن أقمشة دافئة مثل الصوف واللاتيكس اللامع والورنيش. في بعض القطع، لا سيما التايورات مزج أكثر من قماش واحد، حيث كان هناك تايور بلون بني غامق، مثلا، بتنورة من الجلد وجاكيت محدد من الصوف، فيما كانت الأكمام والياقة من نفس قماش التنورة. موضوع الغوص بقصاته التي تعانق الجسم بقوة امتد أيضا إلى فساتين السهرة المطرزة بأحجار الكريستال عند الصدر والظهر والأكمام، على الرغم من أنها كانت شفافة وخفيفة من أسفل بحيث يظهر منها بنطلون ضيق من اللاتيكس وأحذية بكعوب مدببة عالية. كانت هناك أيضا فساتين ناعمة نثر عليها أحجار الكريستال بسخاء وزين صدرها بطيات أوريغامي. ولأن لاغرفيلد يتقن فن الإكسسوارات وتسويقها، فقد اقتصر على ربطات لرفع الشعر يعرف أنها ستغني عن غيرها من الإكسسوارات وستكون إلى جانب البنطلونات اللامعة والضيقة جدا مطلب كل أنيقة.

المخضرمة سونيا ريكييل، أيضا ظلت وفية لأسلوبها الباريسي وروحها الشابة، وقدمت عرضا يغلب عليه المرح والرقص وتناثرت فيه الابتسامات وتبادلت فيه التحيات. عارضاتها أيضا ظهرن بطوق شعر كبير الحجم، ربما مسرحي أكثر منه عملي مقارنة بذلك الذي رأيناه في عرض كارل لاغرفيلد، إلا أن أجمل إكسسوار في العرض فكانت ابتساماتهن. فقد جعلت المصممة العارضات يقمن بدور فتيات باريسيات عاديات، يمشين على منصة العرض وكأنهن يمشين في شارع «سان جيرمان» يسلمن بعضهن على بعض كلما التقين وجها لوجه، أو يلمسن يد بعضهن بحب، وفي آخر العرض قمن برقصة جماعية ظهرن فيها جميعا بقطع من ريش النعام. على مستوى الأزياء، نجحت أن تضيف إلى خزانة المرأة قطعا من الصوف في غاية الأناقة، استهلتها بتايور واسع جدا من الصوف باللون الأخضر أقرب إلى التصميم الرجالي، أعطى الانطباع أن المصممة ركبت هي الأخرى، موجة الرجالي، لكن مع ظهور العارضة الثانية، تبخر هذا الانطباع. فكل القطع التي توالت فيما بعد كانت ناعمة ويغلب عليها التفصيل، بدءا من صديريات استقتها من أرشيف الدار، أو كنزات بلون القمح وفساتين بتنورات مشبوكة بدبوس كبير يبدو للوهلة الأولى وكأنه هو الذي يشبكها مع بعض وأنها غير محاكة. نتالي ريكييل، الابنة، التي تعمل كمديرة فنية ورئيسة للدار، قالت إن التشكيلة موجهة لامرأة قوية وذكية، لكن الأهم أنها تتمتع بروح خفيفة، وهذا ما طلبت من العارضات القيام به على خشبة المسرح.

اختتمت دار «جيفنشي» أول من أمس بعرس من البنطلونات عالية الخصر والتنورات المفتوحة مع قمصان من الدانتيل الناعم وفساتين مفصلة تمازج فيها الأسود مع الأحمر والدانتيل بالحرير والأورغنزا، كما تلاعب فيها المصمم ريكاردو تيشي على الشفاف والسميك في خدع بصرية مثيرة. فللمساء قدم مثلا فساتين بالأسود تخاصم الكتف أحيانا ليظهر منها وشاح شفاف ناعم. نفس الفكرة ظهرت في فستان آخر، لكن هذه المرة، كانت الشفافية على طول الجسم وفي جوانبه، بينما كان هنا فستان باللون الأحمر أيضا مفتوحا عند الظهر يظهر منه دانتيل من نفس اللون. فالعنوان كان هو القوة والإثارة والنعومة. القوة استقاها المصمم من الرياضات البحرية والجبلية، أما النعومة فمن أسلوب الدار الفرنسية العريقة الذي غازل المرأة منذ عقود وقدم لها الفستان الأسود الناعم الذي اشتهرت به الراحلة أودري هيبورن في فيلم «إفطار في تيفاني» وأصبح من القطع الأيقونية في عالم الموضة. ريكاردو تيشي بدا أيضا مسكونا بالسفر، حيث أخذنا في رحلة من الجبال إلى البحار من خلال قطع غلبت عليها الخامات الصوفية، إلى جانب ماركته المسجلة التي تتمثل في التلاعب على مفهومي الرجولة والأنوثة. فهذه اللمسة ظهرت في معاطف وتايورات مفصلة تزينها جرعات خفيفة جدا من الحرير أو الأورغنزا المطرزة باللؤلؤ، فيما استحضرت الإكسسوارات، وعلى رأسها الأحذية والقفازات، التقنيات التي استعملتها الدار في تشكيلتها للـ«هوت كوتير» في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.