العلاقة بين السينما وعالم الموضة تصل إلى حد التزاوج

غولتير يستلهم تصميماته من «آفاتار» و«فوغ» تخصص 10 صفحات لقبيلة الجلد الأزرق

جون بول غولتير مع آنا وينتور محررة «فوغ» (أ.ف.ب)
TT

شاهدت جين كاو، مصممة الأزياء المقيمة بنيويورك، والمعروفة بشغفها بتصميم الملابس الجلدية خاصة باللون الأسود، فيلم «آفاتار» مرتين وتخطط كي تضم في مجموعتها القادمة في سبتمبر (أيلول) استخدام بعض الألوان الحادة والأهداب التي يرتديها شخصيات الفيلم.

لم تكن كاو أول المصممين تأثرا على استقاء بعض تصميماتها من الفيلم، فكان جون بول غولتير أول من استلهم تصميماته من الفيلم. ففي شهر يناير (كانون الثاني) بعد شهر من إطلاق جيمس كاميرون فيلمه الذي لقي إقبالا كبيرا، عمل غولتير على تضمين بعض من صوره في مجموعته. وكذا لم يفوت محررو مجلة فوغ الشهيرة الفرصة في الثناء على هذه القبيلة ذات الجلد الأزرق. فقد صورت عشر صفحات من عدد مارس (آذار) في الغابات المكسوة بالطحالب، ووشمت العارضات أنفسهن بالوشوم الملتهبة.

لم يترك سوى عدد قليل من الأفلام التي عرضت في الآونة الأخيرة هذا التأثير القوي والفوري في عالم الموضة. لذا، فقد بدا من الحماقة أن تعلن أكاديمية العلوم والفنون السينمائية أواخر الشهر الماضي عن استبعاد مايز سي روبيو وديبورا لين سكوت مصممي أزياء الفيلم من الترشح لنيل جوائز الأوسكار.

في العقود السابقة، كان من الممكن أن يسبب هذا الاستبعاد صدمة. فقد كان التداخل في العلاقة بين السينما وعالم الموضة يصل إلى حد التزاوج. لكن عالم الموضة بات أبعد ما يكون عن ذي قبل وأصبح من الواضح أن تلك العلاقة من الهيام فقد دفئها.

يقول سيمون دونان المدير الفني في استوديوهات بارنيز نيويورك عندما سئل عن العلاقة بين السينما والموضة: «لا أعتقد أن هناك علاقة، على الرغم من السعار الثقافي الذي أحاط بالموضة خلال العقود الأخيرة فإنه من النادر وجود أثر للموضة الحقيقية في الأفلام الحالية أو مشاهدة أفلام حالية تترك أثرا كبيرا في عالم الموضة». قبل ثلاثة عقود كان على دونان أن يعترف بقوة التأثير، الذي دفع التجار ومصممي الأزياء إلى التسارع إلى الدخول في عالم السينما. فخلال عقود السبعينات والثمانينات كانت المتاجر ومنصات العرض متخمة بالأزياء المستقاة من أفضل أفلام هوليوود.

فكان دور فاي دوناواي، في فيلم «بوني آند كلايد» عام 1967 سببا في ظهور موجة التنانير القصيرة والقبعات. أما ديان كيتون في مظهرها الرجالي في فيلم «آني هول» عام 1977 شجع الكثير من المعجبين على تبني أسلوب كيتون من ارتداء السراويل الكاكية والقبعات. وفي أعقاب عرض فيلم «آوت أوف أفريكا» عام 1985، سادت السترات ذات اللون العاجي وملابس السفاري التي ارتدتها ميريل ستريب في السافانا، حيث عمل لارف لورين على توظيفها في مجموعته.

وكان جون ترافولتا أبرز الشخصيات الذكورية التي ألهمت الكثير من رواد السينما. فبذلته البيضاء وقميصه الأسود المفتوح حتى المنتصف التي ارتداها في صالة الديسكو في فيلم «حمى ليلة السبت» عام 1977 ألهمت عشرات من عشاق الموضة إلى التدافع على متاجر الثياب عبر البلاد للحصول على السترات التي كانت الأفضل في إظهار الصدور العارية. وخلال فترة الستينات والسبعينات برزت مجموعة قليلة من النجوم البارزين من أمثال أودري هيبورن ودوناواي وآلي ماكغرو كمثل عليا لرواد السينما. يقول أندري ليون تالي، محرر مجلة فوغ: «لم يكن هناك (تويترز) أو مدونون أو عشرات من المواقع التي تعنى بأخبار المشاهير لتحدي نفوذهم، ولو أن فيلم «كوكو قبل شانيل» عرض حينها لكان ألهم الموضة كثيرا». واليوم تلاشى تأثير ماكغرو الذي أحدثته في فيلم «قصة حب» عام 1970 من خلال بعض الأشخاص الذين يعرضون أفضل ما لديهم على المسارح أو التلفزيون أو مدونات شهيرة مثل «سارتورياليست»، التي تقدم أنواعا مختلفة من الملابس لشباب غير معروفين يرتدون أحدث خطوط الموضة.

وقال دونان: «تلك الأيام التي ألهمت فيها السينما الموضة لم تعد واضحة للغاية كما كان من قبل. فربما تحدث نفسك أنني أريد سترة من الجلد كتلك التي ارتداها مارلون براندو في فيلم «ذا وايلد وان»، أو قبعة من الصوف كتلك التي ارتدتها آلي ماكغرو في فيلم «قصة حب». لا تزال الأفلام تحتفظ بسطوتها العاطفية على المشاهدين، ويعترف دونان: «بأن قطعة واحدة من الملابس قد تأسر المشاهدين، والتي تبدو كأثر مقدس بالنسبة لهم».

الأثر الذي يتركه الفيلم غالبا ما يكون غير مباشر، ولا يعدو كونه أكثر من انطباع في اللون أو الحالة المزاجية. ففي مجموعته لربيع 2007 اعترف مارك جاكوب بتأثره بفيلم ماري أنطوانيت ومخرجته صوفيا كوبولا. لكن التأثر الذي اتضح في الأزياء الغريبة جاء فقط عبر الألوان البيضاء والعاجية والسراويل الفضفاضة والأوشحة الأنيقة.

تعمل الأفلام الكلاسيكية القديمة، أو التي لم تجد رواجا بين الجمهور أيضا على تغذية خيال مصممي الموضة أيضا، وتتفق سنثيا رولي في ذلك، مشيرة إلى تأثر تصميمات خريف 2010 بفيلم «ذا فانتاستيك مستر فوكس» التي صنعت من الريش والأهداب. وتشير رولي إلى أن الأفلام تؤثر أيضا من الناحية العاطفية والجمالية، لكنها على غرار كل أقرانها في عالم الموضة تتجاهل الأشياء التي تسترضي الجمهور في مقابل الفيلم، التي تكون ملابسها جزءا مستقلا عن العالم وتبدو وكأنها مستوحاة من خيال المخرج وفقط».

خلال العقود السابقة كانت العلاقة التكافلية بين هوليوود ودور الأزياء نتاج التسويق الجاد. فقد تدافعت المتاجر لإعادة إنتاج الأزياء مثل الأثواب الفضفاضة التي صممها غلبرت أدريان لجوان كروافورد في فيلم «ليتي لينتون» عام 1932 أو الثوب الذي صممته إديث هيد لإليزابيث تايلور في فيلم «مكان تحت الشمس» عام 1951. وتقول يوجين بولتشيلي مديرة متحف «الموضة والسينما: عودة إلى الستينات»، الذي يفتح أبوابه في مركز كوني جراديويت في 12 مارس: «كانت باريس في تلك الفترة عاصمة الأناقة، لكن هوليوود كانت حينها عاصمة الموضة».

في منتصف السبعينات، استخدمت أفلام مثل «ذا غريب غاتسبي» من قبل متاجر الثياب. فعمد متجر بلومنغدال إلى عرض ملابس ثيوني ألدريدج الحائز على جائزة أوسكار في خطوط حصرية في المتجر.

لكن التوقعات بالفشل لم تثن متاجر ملابس مثل هوت توبكس من طرح قبعات ذات آذان ذئاب وسوارات مكتوب عليها «لا يمكنني أن أحيا من دونك.. إدوارد سي» مع عرض فيلم «تويلايت: نيو مون» كما لم تثبط منتجي فيلم «آليس في بلاد العجائب»، الذي يفتتح الجمعة من عقد تحالفات مع المسوقين. حتى إن بارنيز، التي طالما ترفعت عن مثل هذه الشراكات التجارية، فتحت الباب لتسويق نظارات السليلويد عبر أفلام مثل «الساموراي الأخير». ويذكر دونان أن ملابس الفيلم المتقنة عملت كخلفية لتصميمات دريس فان نوتن وبالينسيغا التي لم يكن لها علاقة بالفيلم. وكانت محاولة عكس ملابس الساموراي مبتذلة. والابتذال أمر يخيف أهل الموضة. وخلال العقد الأخير، اغتصب التلفزيون والمسرح دور الأفلام الذي لا يضاهي صياغة الذوق العام. فملابس كاري برادشو وأصدقائها في فيلم «الجنس والمدينة» برزت في تصميمات مانولو بلاهانك والحلي المستطيلة الشكل والقلادات ذات التصميمات الغريبة في مجموعة فيندي. أما المجموعات المتنوعة من السترات والتنورات وعصابات الرأس التي ارتدتها طالبات المدارس في مسلسل «غوسب غيرلز» فسجلت أفضل مبيعات. واليوم ينصح أصحاب المحال بالبحث عن مصادر إلهام في وسائل الإعلام بدلا من أزياء غريبة كتلك التي ارتداها أعضاء فريق بلاك آيد بيز في حديقة ماديسون سكوير الأسبوع الماضي. ربما تكون السينما قد فقدت بعضا من بهائها كمحرك يقود الموضة، لكن بالنسبة للمطلعين على الموضة لا تزال السينما مرجعا ثريا، فالسينما قادرة على إحداث تأثير أكبر من أي أمر آخر، إذ تقيم علاقة قوية مع المشاهدين.

سواء أكان ذلك نوعا من الذكاء أم لا، فهؤلاء المشاهدون يستوعبون الألوان والانطباعات الرقيقة أو المناخ العام الذي يمكن أن يرسخ في الذهن لسنوات، جزءا من مستودع ضخم من الصور التي يمكن أن تخرج في أي وقت.

وخلال زيارة إلى أحد عروض أواخر الأزياء، الشهر الماضي، أشار جيفري كالينسكي، مدير التصميم في دار «نوردستورم» إلى أحد الأثواب وقال إنه ينقلني إلى عصر الأناقة ويذكرني بثوب كاترين دينيف الذي صممه إيف سان لوران، وأضاف بنبرة من الحزن: كانت «لحظات فاتنة».

* خدمة «نيويورك تايمز»