البرلمانيات الباكستانيات يحافظن على نشاطهن في صياغة القوانين

يثبتن خطأ النقاد السياسيين بأن مكان التشريع ليس مكانا للنوم والمسامرة

وزيرة الدولة لشؤون المالية الباكستانية هنا رباني خار تقدم الميزانية العامة للدولة في البرلمان بإسلام آباد (أ.ف.ب)
TT

هناك مزحة ذائعة الصيت في الدوائر السياسية الباكستانية تدور حول أن البرلمانيين الباكستانيين يتوجهون إلى مقر البرلمان في فترة بعد الظهيرة لتعزيز قدراتهم الذهنية. كيف؟ لأن البرلمانيين الباكستانيين يتبعون نصائح أطباء خلصوا مؤخرا من دراسات علمية تقول إن نوم القيلولة يعزز دوما القدرات الذهنية للمرء.

وربما ينطبق هذا الأمر بالفعل على معظم أعضاء البرلمان الباكستاني، الذي عادة لا يولي اهتماما لمسؤولياته المتعلقة بصياغة القوانين وتحول إلى ناد للمسامرة وعقد النقاشات، حيث تسعى الأحزاب السياسية المتعارضة لتصفية حساباتها.

إلا أن قطاعا ضئيلا من البرلمانيين الباكستانيين أثبت خطأ النقاد السياسيين، وهم أعضاء البرلمان من النساء، اللائي حافظن على نشاطهن على امتداد عملية صياغة القوانين خلال السنة البرلمانية الماضية 2008 - 2009، طبقا لتقرير نشره مؤخرا «المعهد الباكستاني للتنمية التشريعية والشفافية»، وهو منظمة بحثية مستقلة تعنى بالممارسات البرلمانية في باكستان.

وأشار التقرير الصادر في 4 مارس (آذار) 2010، إلى أنه «من بين 26 مشروع قانون تقدم بها أفراد أعضاء بالبرلمان، 22 منها، ما يعادل 85 في المائة، تقدمت بها برلمانيات يتقلدن جميعهن مقاعد من الحصة المخصصة للنساء، وذلك خلال العام الماضي».

في هذا الإطار، أوضحت آسيا رياض، المديرة التنفيذية للمعهد، الذي يتخذ من إسلام آباد مقرا له، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «مع أخذ سجل عملهن البرلماني خلال العام الماضي في الاعتبار، يحق للمشرعات الباكستانيات الاحتفال بمستوى الحراك التشريعي الذي أبدينه».

وشرحت آسيا رياض أنه في ظل الأعراف البرلمانية الباكستانية، تبدأ مبادرة سن قانون من جانب الحكومة، وعادة ما يجري تمرير مشاريع القوانين المقترحة من جانب الحكومة فقط.

لكن كل ثلاثاء، تسمح الحكومة لأفراد أعضاء في البرلمان باقتراح مشاريع قوانين بصفتهم الخاصة، ويطلق عليها «مشاريع قوانين خاصة مقترحة من أفراد أعضاء».

وأردفت آسيا رياض موضحة أن «مشاريع القوانين الخاصة تعد آلية لجذب انتباه الحكومة نحو قضية ما، ومن خلال ذلك، يطلب الأفراد الأعضاء من الحكومة النظر في مثل هذه القضية باعتبارها تحتاج إلى إصدار تشريع بشأنها».

في عدد من القضايا خلال العام الماضي، نجحت البرلمانيات الباكستانيات في جذب اهتمام الحكومة الباكستانية نحو عدد من القضايا الساخنة، ما أثمر سن قوانين جديدة.

وأوضحت آسيا رياض أنه «خلال السنة البرلمانية الماضية، تحول مشروعا قانونين، على الأقل، مقترحين من قبل برلمانيات باكستانيات إلى قوانين بعد تصديق الحكومة عليهما».

في هذا الصدد، ذكرت عطية عناية الله، إحدى أكبر البرلمانيات الباكستانيات سنا، أنها «اقترحت قانونا لكبح جماح التحرش الذي تتعرض له المرأة داخل أماكن العمل. وبالفعل، تم إقراره كقانون من جانب الحكومة وحمل اسم قانون مكافحة التحرش الجنسي».

في الواقع، لم تفكر الحكومة في إصدار تشريع بشأن هذا الأمر إلا بعدما لفت انتباهها عدد من البرلمانيات إلى قضية التحرش الجنسي في أماكن العمل.

وقالت آسيا رياض: «طرح مشروع قانون مكافحة التحرش الجنسي للمرة الأولى من جانب سري رحمن، عندما كان وزيرا، باعتباره مشروع قانون خاص من عضو برلماني».

الملاحظ أن البرلمانيات الباكستانيات يتعاونّ عبر مختلف التقسيمات الحزبية تحت قبة البرلمان، سعيا لتسليط الضوء على قضايا المرأة في المجتمع. ويتمثل مشروع قانون آخر اقترحته عطية عناية الله «المنتمية إلى الرابطة الإسلامية بقيادة مشرف» وياسمين رحمن «المنتمية إلى حزب الشعب» وتحول إلى قانون يرمي لمحاربة العنف الأسري ضد المرأة في المجتمع الباكستاني.

طبقا للتقرير الصادر عن «المعهد الباكستاني للتنمية التشريعية والشفافية»، فإن أكبر عدد من مشاريع القوانين المقترحة جاء من جانب «القاضية المتقاعدة» فخر النساء خوختار، تلتها شيرين أرشاد كان، التي اقترحت أربعة مشاريع قوانين.

إضافة إلى ذلك، احتلت النساء مرتبة الريادة أيضا من حيث عدد مشاريع القوانين المقدمة بصورة مشتركة، حيث شاركت الدكتورة دنيا عزيز في رعاية 6 مشاريع قوانين. وجاءت في المرتبة التالية كل من: مارفي ميمون، وشامشاد ستار باتشاني، وياسمين رحمن، حيث شاركت كل منهن في رعاية 5 مشاريع قوانين.

وعند مقارنة هذا المستوى بأداء الأعضاء البرلمانيين من الرجال، خلص التقرير إلى أنه «لم يقترح أي عضو رجل أكثر من مشروع قانون واحد».

الملاحظ أن أعضاء البرلمان من الرجال يبدون اهتماما أكبر بالقضايا المتعلقة بالصراعات السياسية التي تشهدها البلاد. وعليه، يغلب على نشاط البرلمانيين الرجال الخطابات السياسية أثناء المداولات داخل البرلمان.

وقالت الدكتورة عطية عناية الله إن وجود مثل هذا العدد الضخم من النساء في البرلمان (72) أحدث تغييرا فعليا في الثقافة السائدة هناك، موضحة أنه «الآن، لم نعد نشهد المشاحنات التي كانت بمثابة سمة مميزة للبرلمان الباكستاني في التسعينات».

وأضافت: «تؤكد النساء الآن دورهن كبرلمانيات. الآن، أصبح حديث البرلمانيين، خاصة النساء منهم، يدور حول قضايا عامة». وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، ذكرت أن 60 في المائة من الاستجوابات المطروحة في البرلمان حول أداء وزارات مختلفة اقترحت من قبل أعضاء نساء.

ويمكن القول بأن السمة المميزة للأداء البرلماني للنساء تتمثل في تجنبهن التعرض للصراعات السياسية الكبرى وتركيزهن على القضايا الاجتماعية.

من أبرز الأمثلة على اهتمام البرلمانيات بالقضايا الاجتماعية أداء فخر النساء خوختار، التي انضمت إلى البرلمان كعضو في حزب الشعب الباكستاني (الحاكم)، لكنها تعمد حاليا للإبقاء على نفسها بعيدا عن الصراعات السياسية.

وفي حديث أجرته معها «الشرق الأوسط»، قالت خوختار: «تقدمت بستة مشاريع قوانين خلال السنة البرلمانية الماضية، وجميعها تتعلق بكيفية تسوية نزاعات أسرية عبر القانون».

وقالت خالدة منصور، التي انضمت للبرلمان عن الرابطة الإسلامي (نواز شريف)، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنها تقف بقوة خلف قيادة حزبها فيما يخص القضايا السياسية، مستطردة بأنه «فيما يخص التشريعات، يتركز اهتمامي تماما على القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها النساء في منطقتي».

جدير بالذكر أن خالدة منصور تنتمي إلى مدينة فيصل آباد الصناعية، في إقليم البنجاب، ويعمل بصناعة الأقمشة والمنسوجات في المدينة عدد كبير من النساء.

وأردفت خالدة منصور موضحة أنها «اقترحت تعديلا على قانون المصانع واقترحت السماح للعاملات في المصانع بالقدوم إلى العمل بعد الميعاد المحدد بساعة ورحيلهن عنه قبل الموعد بساعة».

وبررت المقترح بقولها: «سيسمح ذلك للعاملات بتوفير مزيد من الوقت لأسرهن».

تتمثل واحدة من المؤشرات الواضحة على تعاون البرلمانيات من مختلف الأحزاب السياسية في تشكيل مؤتمر نسوي يركز على قضايا حقوق المرأة والطفل داخل المجتمع الباكستاني وممارسة جهود ضغط لصالح التشريعات المعنية بمثل هذه القضايا.

وأكدت خالدة منصور «نلتقي بانتظام في إسلام آباد ونناقش تشريعات تجارية ونقترح تشريعات تتعلق بحقوق المرأة والطفل». ترأست اجتماعات هذا المؤتمر رئيسة المجلس الوطني، دكتور فهميدة ميرزا، وعادة ما يشارك في الحضور جميع البرلمانيات الـ72. وأوضحت خالدة منصور بالقول: «نتبادل وجهات النظر حول قضايا اجتماعية واقتصادية مختلفة تواجه المجتمع من المنظور النسوي أثناء اجتماعات المؤتمر، ونناقش كذلك مسودات قوانين مقترحة من أفراد أعضاء».