مكتبة الكونغرس تعرض «أصوات من أفغانستان» و«تمديد الكتاب» في «فولغر شكسبير»

الأولى تعاين تاريخ الخطابات التي كتبها الأفغان والثانية تقدم فن «الإمداد الإضافي بالرسوم»

تمتلئ الخطابات بزخارف ورسوم نباتية وملصقات تضفي مظهرا أكثر إثارة على الخطاب
TT

من غير المثير للدهشة أن نجد تناميا في الاهتمام بألبومات الصور والقصاصات التي يحتفظ بها على سبيل الذكرى في عصر الكاميرات الرقمية وأجهزة تشغيل «إم بي ثري» والكتب الإلكترونية. ومع تزايد سرعة زوال المواد المرتبطة بالذكريات والثقافة، تنتشر أعمال تتمرد بشكل محدود على هذا الوضع. ويعمد الناس إلى التمسك بالأمور الملموسة، التي يمكن الإمساك بها فعليا والعمل عليها والاحتفاظ بها.

يرجع تاريخ نشأة وضع مثل هذا النمط من مجلدات القصاصات والصور إلى ما قبل موجة المقاومة المعاصرة لعالم الرفع الإلكتروني والشبكات الاجتماعية ومواد الذكريات التي يمكن مضاعفتها إلى عدد لا نهائي من المرات. وتضرب ظاهرة وضع مثل هذه المجلدات أو الألبومات بجذور أعمق بكثير من مجرد الرغبة في مقاومة عالم الاتصالات الحديثة غير المادية. ومثلما يتضح من خلال معرضين افتتحا حاليا في مكتبة الكونغرس ومكتبة «فولغر شكسبير»، فإن الناس عمدوا إلى تزيين الكلمات وزخرفة النصوص وإقرار عناصر لا يمكن محوها للتذكير بوجودهم في الحياة في فترة من الفترات داخل وثائق تعيش لقرون.

داخل معرض «أصوات من أفغانستان»، الذي تستضيفه مكتبة الكونغرس، نعاين هذا التاريخ في الخطابات التي كتبها الأفغان إلى محطة «راديو أزادي»، وهي فرع أفغاني لـ«راديو أوروبا الحرة/راديو الحرية» الذي تولت الولايات المتحدة تمويله. كتب هذه الخطابات مواطنون عاديون غالبا ما كان يمثل لهم الراديو النافذة الوحيدة على العالم الأوسع المحيط بهم. وتعج الخطابات بطلبات تتنوع بين طلبات إذاعة أغان لمطربين مفضلين أو المساعدة في حل مشكلات محلية، وأحيانا تتضمن الخطابات مجرد عبارات تعرب عن الامتنان والتقدير لـ«راديو أزادي».

الملاحظ أن الخطابات تتميز بدقة مثيرة للانتباه - حيث تمتلئ برسوم وزخارف ورسومات نباتية وملصقات، أو أي شيء بإمكانه إضفاء مظهر أكثر إثارة على قطعة الورق التي يتألف منها الخطاب - وهي دقة ربما تبدو غير متناسبة مع خطاب موجه إلى جهة قاصية وذات طابع بيروقراطي مثل محطة راديو. وتسلط هذه الخطابات الضوء بقوة على دور محطات الإذاعة في الحياة اليومية للأفغان. علاوة على ذلك، تقتبس هذه الخطابات من نصوص أفغانية تقليدية أقدم.

تكمن جاذبية المعرض الذي تستضيفه مكتبة الكونغرس في جمعه بين خطابات كتبت بالأمس القريب وأسلوب الورق الملفوف التاريخي العتيق، والكتب القابلة للطي التي يمكن فتحها لتتخذ صورة لوحين شديدي الزخرفة، إضافة إلى الخط المزخرف والأيقونات.

في هذا الصدد، أوضحت ماري جين ديب، رئيسة القسم الأفريقي وشرق الأوسطي داخل مكتبة الكونغرس، أنه «نعاين في المعروضات استمرارا للتقاليد».

أما المعرض المقام داخل مكتبة «فولغر شكسبير» تحت عنوان «تمديد الكتاب» فيتناول ظاهرة سابقة مباشرة لكتب ومجلدات الصور والملصقات، ويفصلها عن محتوى المعرض السابق قارة كاملة وعدة قرون واختلاف ثقافي هائل. يطلق على هذه الظاهرة فن «الإمداد الإضافي بالرسوم» أو «غرينغريزنغ» - نسبة إلى الكاتب جيمس غرينغر الذي كان كتابه الصادر عام 1769 بعنوان «تاريخ سيرة إنجلترا» مصدر إلهام لموجة هوس بالنصوص المزودة برسوم شخصية توضيحية - الذي بلغ مستوى كبيرا من التطور وظل قائما لقرون طويلة.

ونظرا لعدم رضاهم حيال الكتب التي تضمنت نصوصا فحسب أو نصوصا مزودة بحد أدنى من الرسوم التوضيحية، حمل عشاق «الإمداد الإضافي بالرسوم» أو «غرينغريزنغ» على عاتقهم مهمة توسيع وتمديد مساحة الكتب المطبوعة من خلال كميات ضخمة في الغالب من المواد الجديدة. على سبيل المثال، إذا ما ورد ذكر ملك ما على نحو عابر، حتى وإن كان في حاشية أو هامش، يعكف العامل المتحمس القائم على مهمة الإمداد الإضافي بالرسوم على إيجاد صورة لهذا الملك - مما يضطره أحيانا إلى اقتطاعها من كتاب آخر - ودمجها بحرص في النص.

تطلبت هذه العملية قدرا مرهقا من العناية والدقة، حيث يجري التعامل مع الصور للوصول بها إلى حجم مناسب، ثم تشذيبها من الأطراف بحيث تلائم الصفحات الجديدة التي ستدمج بها. وكانت النتيجة دوما ظهور كتاب جديد مكدس بصور غريبة عن النص الأصلي، وغالبا ما تكون متماسة للغاية.

من بين الأمثلة الواردة في معرض «فولغر» كتاب سيرة ذاتية يقع في مجلدين للممثل الإنجليزي ديفيد غاريك، يعود تاريخه إلى عام 1868، وجرى تمديده عام 1903 (على يد شخص تميز بدأب شديد في مجال التزويد برسوم إضافية) بحيث ارتفع حجم الكتاب إلى 17 مجلدا عبر إضافة نقوش وصور ملونة بخط اليد وإيصالات ووثائق أخرى. وجاءت الصورة النهائية، التي تضمنت كذلك شرحا مصورا عن فرنسا حيث كان في حد ذاته بمثابة طبقة ثانية بمجال التزويد برسوم إضافية في إطار عملية الإمداد الإضافي بالرسوم، مكدسة على نحو مفرط تسبب في تلف غلاف الكتاب.

ولم تكن هذه الأعمال نتاجا لجهود منفصلة لعدد من المهووسين أو الفنانين غريبي الأطوار، وإنما كان «الإمداد الإضافي بالرسوم» من الممارسات الشائعة نسبيا في أوساط جامعي الكتب ومثقفي القرن التاسع عشر. واحتلت هذه الجهود منزلة وسطى بين الهواية والتسلية الفكرية الجديرة بالتقدير، وتركزت نقطة تميزها عن ألبومات الصور والقصاصات الحديثة في اهتمامها المطلق بنص وضعه شخص آخر. إضافة إلى ذلك، كانت هذه الجهود محل بعض الجدال، خاصة أنها كانت في حاجة مستمرة إلى سلب كتاب ما لتزيين كتاب آخر. ويضم المعرض كتابا طبع في البندقية في القرن السادس عشر حول الميداليات والأوسمة في الأزمنة الغابرة يعج بحفر دائرية كثيرة حيث اقتطع شخص ما صورا من أجل دمجها في آخر.

وإذا كان هناك من خيط مشترك بين المعرضين، فإنه الندرة النسبية للمواد البصرية في المجتمعين اللذين يجري تمثيلهما. ويثير المعرضان في المرء الرغبة في تخيل عالم يفتقر إلى الإغراق بالبيانات البصرية، عالم تملك في إطاره حتى الصور المتواضعة قوة استثنائية بسبب الندرة. وكان يمكن للمرء وقت صدور مثل هذه الكتب قراءة اسم ملك ما، ثم البحث لسنوات طوال حتى يعثر على نقش مشكوك فيه يزعم أنه يحمل صورة شبيهة له. لكن بمجرد العثور على مثل هذا النقش، يكتسب بالتأكيد قوة كبرى.

كلا العالمين، أفغانستان المعدمة التي تمزقها الحروب، وهذا الفصل القديم من تاريخ الثقافة الغربية الذي ربما اتسم بجمع جميع كتب التاريخ والثقافة والأدب والعلوم في بضع غرف مكدسة بمجلدات ضخمة، يبدوان بعيدين تماما عنا، وإن كانا ساحرين في الوقت ذاته. ومن المثير التطلع إلى خطاب مكتوب بخط اليد أرسل إلى «راديو أزادي» من قبل شابين أفغانيين، تملؤه رسومات نباتية ملونة يدويا وأشعار وحكم. ولا يملك المرء أمامه سوى التساؤل: من أين لهما كل هذا الوقت؟ لا بد أن وقت الحياة يبدو قصيرا للغاية أمامنا الآن كي نقدم على مثل هذا العمل.

الملاحظ أن هناك عاكفة قوية لعقد اتصال عبر هذه الرسالة التي من المتعذر نسخها عبر بريد إلكتروني، وتحمل في طياتها طابعا إنسانيا يتعذر على الرسائل النصية عبر الهواتف أو الرسائل المتبادلة عبر موقع «تويتر» محاكاتها. وربما تحمل هذه الرسالة عمقا كبيرا، بمعنى أنها تكشف عما شكل أهمية بالنسبة لهذين الشابين. اليوم، إذا طلبت من شاب كتابة رسالة مثيرة للعواطف يطلع من خلالها العالم على ما يشغل باله، سيبدو الطلب سخيفا.

يذكر أن فيرجينيا وولف سبق أن كتبت مقالا بعنوان «غرفة التخزين الإليزابيثية»، أشارت خلالها إلى أن النثر الإنجليزي في عهد الملكة إليزابيث الأولى كان مفعما بالبيانات والمعلومات الخام التي جرى تجميعها من خلال مغامرات الإنجليز بشتى أرجاء العالم. وعن مجموعة شهيرة من روايات السفر والترحال، كتبت تقول: «يكمن جزء من سحرها» في أنها «لا تبدو ككتاب بقدر ما تبدو أشبه بحزمة ضخمة من السلع المرتبطة بعضها ببعض على نحو مهلهل، أو سوق تجارية ضخمة، أو غرفة تخزين مكدسة بأكياس قديمة ومعدات بحرية عفا عليها الدهر ورزم ضخمة من الصوف وحقائب صغيرة من الياقوت والزمرد». ورأت وولف أن الكتابات النثرية غرقت تحت وطأة هذا التكديس، في الوقت الذي ازدهر الشعر لما فرضه من نظام وشكل عام على الكاتب. وقالت: «ساعدت القافية والبحور على سيطرة الشعراء على ثورة أفكارهم وإبقائها في شكل منظم».

ويمكن القول إن القيام بشيء ما يدويا يعد صورة أخرى من صور فرض النظام على ثورة وجلبة العالم، حيث يفرض ذلك قيودا على ما يمكن قوله وحجم ما يمكن قوله والفترة الزمنية التي يمكن للمرء أن يستغرقها في قوله. في الواقع، يطرح معرض «فولغر»، الذي وردت في إطاره إشارة لسيدة عمدت إلى تزويد قرابة ست آيات من سفر التكوين برسوم توضيحية إضافية وصلت على 700 صورة، نسخة من مجتمع إليزابيثي يعكف على الربط يدويا بين البيانات داخل غرفة التخزين.

إلا أن العالم كان على وشك الانفجار، وفي غضون فترة قصيرة ستصبح حتى الصور الـ700 غير كافية لربط جميع الخيوط والأفكار الواردة في بضع آيات من الإنجيل. من بين أحدث المعروضات في معرض «فولغر» ألبوم صور وقصاصات يعود إلى عشرينات القرن الماضي مكدس بقصاصات من مجلات زهيدة السعر. وبات واضحا من هذا الكتاب أن ألبوم القصاصات لم يعد مجرد غرفة تخزين ضئيلة، وإنما هو مجمع صناعي ضخم.

بيد أن العالم لم يتوسع على مختلف الأصعدة بالمعدل ذاته. في الواقع، تتميز الخطابات المعروضة داخل مكتبة الكونغرس بطابع ساحر لما تحويه من طابع إنساني بسيط يغلف ما بها من طلبات وشكاوى وتحيات. على سبيل المثال، تتضمن إحدى الرسائل تهنئة بالعيد، وتطلب إذاعة أغنية للمطرب ناغما، بينما تشكو رسالة أخرى كتبتها خمس فتيات من إقليم باروان قائلة: «لدينا شكوى فيما يخص برامجكم، لماذا، لماذا، لماذا، لماذا تعيدون دوما إذاعة الأغاني ذاتها؟».

في ذلك الوقت، بدأ الحاسب الآلي يلوح في الأفق بالفعل، حيث تلقى «راديو أزادي» أيضا الكثير من الرسائل عبر البريد الإلكتروني جرت زخرفتها باستخدام برنامج «فوتوشوب»، بدلا من اليد.

ولدى خروجك من المعرض وجهاز «بلاكبيري» يطن في جيبك، من الصعب أن تقاوم الرغبة في أن تعيش يمكن زخرفته إلى حد ما باليد.

«تمديد الكتاب: فن التزويد برسوم إضافية» مفتوح أمام الجمهور من الاثنين حتى السبت، من 10 صباحا حتى 5 مساء، داخل مكتبة «فولغر شكسبير»، 201 شارع إيست كابيتول. الدخول مجانا.

«أصوات من أفغانستان» مفتوح أمام الجمهور من الاثنين حتى السبت، من الساعة 8:30 صباحا حتى 4:30 مساء، داخل مكتبة الكونغرس، مبنى توماس جيفرسون، 10 شارع فيرست، الدخول مجانا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»