كتاب معزز بإحصائيات من الأمم المتحدة يرصد الكوارث المتوقعة

100 مدينة وموقع عالمي مرشحة للزوال بينها مناطق عربية عدة

منطقة جبال كليمنغارو (صورة خاصة بدار «كنيزبيك»)
TT

كان شتاء هذا العام في أوروبا قارسا بشكل استثنائي، لكن ذلك لا يعني توقف درجات الحرارة على المستوى العالمي عن الارتفاع بتأثير التحولات المناخية الدراماتيكية الجارية، والضرر الذي ألحقه البشر بالبيئة وطبقة الأوزون، كما يقول بعض العلماء. بل إن المؤتمر الدولي حول المناخ في كوبنهاغن 2009، قلل من شأن تقديرات العلماء حول الكوارث المحتملة التي قد تحيق بالبشرية خلال 20 سنة، لكن ذلك لم يغير قناعات خبراء الأمم المتحدة حول مناطق الأرض المعرضة للزوال في المستقبل القريب بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.

هذه التقديرات، المعززة بالصور والأرقام والحقائق الدامغة، جمعتها منظمة Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC)، وطبعتها في كتاب بالتعاون مع مؤسسة Co+Life.

فالكثير من بلدان العالم مهددة بحصول مثل هذه الكوارث التي قد تعني زوال مواقع أثرية، ما زالت تعتبر من عجائب العالم، والممتدة بين جبال كليمنغارو وفينيسيا «البندقية»، ودلتا نهر النيل. فكلما زادت حرارة الأرض درجة واحدة زادت قائمة المدن والمواقع المهددة، واقترب معها زمن حصول الكوارث، ولم يستمع البشر إلى تحذيرات القس ديزمزند نينو، من جنوب أفريقيا، الذي قال قبل سنتين «التغيرات المناخية أكبر خطر يهدد البشرية»، فالصحراء تزحف على السهوب، والماء يغطي اليابسة بالتدريج، والشتاء على الكرة الأرضية «يتلاشى» بين الخريف والربيع تدريجيا، بسبب التحولات المناخية الجارية على الأرض. وعلى سكان الأرض، من الآن، أن يعدوا العدة لاستقبال أجواء مطيرة شديدة، تقابلها أيام جفاف طويلة في الكثير من بقاع الأرض.

وكان المعهد الأوروبي للدراسات المناخية قدم قبل سنتين أيضا دراسة تعيد أسباب ارتفاع مناسيب البحار إلى ظاهرة ذوبان جليد القطبين وارتفاع درجة حرارة المحيطات. وترتفع مناسيب البحار حاليا بمقدار 3 ملليمترات كل سنة، وتعود أسباب ذلك إلى ذوبان جليد القطبين، 40%، وارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات 60%.

وقدمت جامعة فرانكفورت إلى المؤتمر الأوروبي حول المناخ «خريطة تغيرات مناخية أوروبية»، تظهر تأثيرات المناخ على أوروبا خلال السنوات القادمة، وتظهر الخريطة أيضا التأثيرات التي تركتها التحولات المناخية على القارة الأوروبية خلال العقد الماضي من السنين. وتحدد الخريطة أكثر مناطق أوروبا التي تعرضت بين 1951 - 2000 لأكثر التحولات المناخية شدة، وخصوصا مناطق النرويج الجليدية، التي انخفضت الحرارة فيها بمقدار 3 درجات مئوية، والجنوب الفرنسي الذي ارتفعت فيه درجات الحرارة بمقدار درجتين.

والكتاب الذي نحن بصدده عبارة عن رحلة سياحية مصورة وجميلة بين أجمل المناطق السياحية في العالم، وهو كتاب علمي بيئي، وألبوم صور ودليل سياحي في آن واحد، إلا أن أوراقه الصقيلة وصوره البارعة تخفي بين طياته الكوارث المحدقة بهذه الآثار. وبين هذه الآثار المهددة الكثير من المواقع العربية، منها في المرتبة 15 دلتا نهر النيل في مصر، المهدد بالتحول إلى بحيرة من مياه البحر المالحة بسبب ارتفاع مناسيب البحر المتوسط، وهذا يعتبر تهديدا لمصر. وجبل المكمل في لبنان في المرتبة 35، وبالطبع غابات الأرز، التي تغطي الجبل، مهددة بالزوال بسبب الجفاف، وارتفاع درجة الحرارة وذوبان الثلج من على قمته، وهو امتداد لسلسلة جبال لبنان الغربية، وهو أعلى جبل في لبنان، وتقع فيه أعلى قمة في بلاد الشام قاطبة، وهي القرنة السوداء، حيث يبلغ ارتفاعها 3093 مترا عن سطح البحر. ويقع الجزء الأكبر من هذا الجبل في قضاء المنية الضنية، بما فيها القرنة السوداء، في محافظة لبنان الشمالي. تغطي الثلوج هذه الجبال في الشتاء، ويبقى في بعضها على مدار السنة. وفيها بعض الغابات مثل غابات الأرز، وغابات اللزاب.

الخطر يهدد أيضا منطقة كوردوفان السودانية، في المرتبة 80، الواقعة بين الشمال والجنوب، والتي يعتقد أنها مرشحة سياسيا لتكون دارفور ثانية. وهي منطقة مهددة بالجفاف والتصحر في القريب العاجل، حيث ستختفي أشجار المطاط وأشجار الأكاسيا، التي تعتبر مصدر رزق الجماعات البشرية هناك.

وتأتي العاصمة الأردنية عمان في المرتبة 88، حيث يتوقع العلماء أن تتحول إلى مدينة مزدحمة وجافة ومضطربة بفعل جفاف المناطق المحيطة بها، ونزوح السكان جماعيا إليها.

ولم تشمل القائمة البحر الميت، على الرغم من تحذيرات العلماء الألمان من احتمال جفافه و«موته»، إذ كتبت الباحثة شهرزاد أبو غزالة وزملاؤها في العدد الإلكتروني من مجلة «ناتور فيسينشافت» الألمانية، (العلوم الطبيعية)، عام 2007 أن الاستهلاك الكبير لمياه البحر الميت من قبل الدول المحيطة به مسؤول عن انخفاض مناسيب البحر. ونشر الباحثون من جامعة دارمشتادت تقريرا يشي بأن البحر الميت فقد في الثلاثين عاما المنصرمة أكثر من 14 كم مكعب من المياه. وكانت مناسيب البحر تنخفض بمقدار 70 سم سنويا منذ عام 1979.

واعتبر الباحثون عدم تجدد مياه السطح بمياه من الأعماق من أهم عواقب انحسار مياه البحر الميت، إذ لا يجد الساعون إلى الاستشفاء في مياه البحر ما يفيدهم صحيا، بسبب ابتعاد خط الساحل إلى العمق، وعدم تجدد المياه السطحية. وتكوّن مناطق فراغية تحت الأرض بفعل انحسار المياه قد يؤدي إلى تشقق الأرض وانهيار الأبنية القريبة.

والمعتقد أن اسم البحر الميت يعود إلى القس الباحث الإيطالي سوفرونيوس أوسيبيو هيرونيموس في القرن الميلادي الرابع. وكان البحر قبل ذلك يسمى بالبحر المالح أو «بحر الإسفلت». علما بأن نسبة الملوحة في البحر الميت تقدير بنحو 33 في المائة، وهي نسبة عالية مقارنة بالبحر الأبيض المتوسط، الذي تنخفض ملوحته إلى 3 في المائة.

والمتوقع، على الصعيد الألماني، أن تتأثر بعض المناطق المهمة نسبيا بالتحولات المناخية حسب رأي الخبير باتريك إيكماير من معهد الأبحاث المناخية في بوتسدام، شرقا. وقدر الباحث أن يحيق الخطر بجزر بحر الشمال في زمن يقترب من عام 2100، مع تأثر مناطق الإيفل الخضراء والسياحية بالأمطار، وغرق بعض السهول فيها.

وسبق للبروفسورة كلاوديا كيمفرت، من المعهد الألماني للدراسات الاقتصادية، أن حذرت من العواقب الاقتصادية الوخيمة التي تتسبب فيها التحولات المناخية الجارية في العالم. واستشهدت كيمفرت أمام المؤتمر الدولي الثالث حول «المناخ المتطرف» بدراسة للمعهد الاقتصادي، قدرت خسائر ألمانيا الاقتصادية بنحو 800 مليار يورو خلال السنين الخمسين القادمة.

ويبدو أن التحولات المناخية السلبية الجارية، وخصوصا ظاهرة الاحتباس الحراري، لا تتمتع بحس طبقي إيجابي، لأنها تلقي بثقل عواقبها على الفقراء قبل الأغنياء. ولهذا، فقد قدرت الدراسة تضرر الولايات الألمانية الفقيرة، وخصوصا في الشرق، أكثر من تأثر الولايات الغنية. وتتوقع الدراسة أن لا تتضرر كثيرا الولايات الألمانية الغنية، وخصوصا بافاريا والراين الشمالي فيستفاليا وهيسن، غربا، بهذه التحولات الاقتصادية الدرامية، في حين ستتضرر كثيرا الولايات الفقيرة مثل سكسونيا إنهالت وتورنجن وبراندنبورغ، شرقا، وبريمن، غربا.

وقالت كيمفرت إن اقتصاد الولايات الألمانية الفقيرة سيتكلف خسائر تعادل الخسائر التي ستلحق بالولايات الغنية خمس مرات. وهذا سيعني، إلى حد ما، انهيار اقتصاد هذه الولايات ما لم تتلق الدعم من الحكومة الاتحادية، ومن الولايات الغنية مثل بادن فورتمبيرغ، التي يرتفع دخلها السنوي حاليا إلى 129 مليار يورو، وولاية بافاريا (113 مليار يورو). وسوف تنعكس درجات الحرارة المرتفعة باطراد على الأرض، وخصوصا في القطبين، حيث ترتفع درجات الحرارة بمقدار نصف درجة كل 10 أعوام، مباشرة على اقتصاد الغابات والأشجار والأخشاب. وسيؤدي انحسار الثلج إلى حدوث المزيد من حرائق الغابات، وبالتالي إلى المزيد من تلوث البيئة بغاز ثاني أكسيد الكربون. كما ستؤدي الحرارة المرتفعة إلى تنشيط الحشرات والقوارض الضارة التي ستأتي على الأشجار والمزروعات. وستقود هذه التغيرات إلى انحسار السياحة في البلدان الباردة، التي تعتمد على سياحة التزلج، وتضر سياحة البلدان الحارة التي سترتفع الحرارة فيها إلى درجات لا تطاق بالنسبة إلى سياح مناطق شمال الكرة الأرضية.

ويشير تقرير المعهد الألماني للدراسات الاقتصادية بالأرقام إلى الخسائر التي سيتعرض لها القطاع السياحي جراء ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ إن زيادة درجات الحرارة بمقدار 4.5 درجة مئوية حتى عام 2100 ستعمل على إذابة الجليد على مناطق جبال الألب الألمانية، التي تعيش على السياحة. ويمكن لذوبان الثلج خلال هذه الفترة أن يؤدي إلى انخفاض مناسيب نهري الراين والدانوب والأنهر الأخرى، وأن يتسبب في جفاف مناطق الغابات الجنوبية. وستؤدي هذه التحولات بدورها إلى ارتفاع كلفة مياه الشرب، وإلى ارتفاع تكاليف التزود بالطاقة.

على المستوى العالمي احتلت جزيرة كاواي، في هاواي، المرتبة الأولى بين أجمل مناطق العالم المهددة بالتصحر، فارتفاع درجات الحرارة هناك يهدد بوصول البعوض القاتل إلى مناحي الحياة كافة، وانقراض الطيور والنباتات. وجاءت مدينة فينيسيا الساحرة في المرتبة الثانية، حيث تغطي المياه منذ الآن، بين الفينة والأخرى، ساحة السوق، وترتفع مناسيب المياه بالتدريج. ومعروف أن المهندسين يعملون منذ سنوات على خطط لإقامة المتاريس وتصريف المياه، بهدف إنقاذ ما تبقى من رومانسية هذه المدينة.

وشيء مؤسف أن تأتي الحرائق والجفاف على سهل أوليمبيا اليوناني، الذي جاء في المرتبة الثالثة. فهنا جرت الألعاب الأولمبية الأولى، وهنا بنى الإغريق حضارتهم العظيمة. ويبدو أن إفلاس الحكومة اليونانية، ازدياد حرائق الصيف سيعجل ربما بتصحر هذا السهل الساحر.

ويملك محمد نشيد، رئيس حكومة المالديف في المحيط الهندي، المرتبة الرابعة، الحق كله حينما دعا حكومته للاجتماع في قاعة تحت الماء، كي يشعرهم بضغط الكارثة المقبلة، فذوبان جليد القطب يهدد هذه الجزر المنخفضة بالغرق. ويبحث أعضاء الحكومة منذ الآن سبل إنقاذ المواطنين وخطط إخلائهم. والمصير نفسه يهدد جزر الهاليج هوج الألمانية في بحر الشمال، بسبب أرضها المنخفضة، وارتفاع مناسيب البحر بسبب ذوبان جليد القطب الشمالي القريب نسبيا.

وإذا كان التصحر يهدد آخر المناطق الخضراء في صحراء ناميب، المرتبة السابعة، في جنوب أفريقيا، فإن الزوابع والأمطار الغزيرة تهدد تيمبيكتو، المرتبة السادسة، المدينة الأسطورية وسط صحراء مالي، بالزوال. سرعة الرياح والعواصف الرملية ستمحو واحات صحراء ناميب، وستتكفل الأمطار بتذويب بيوت تيمبيكتو الطينية ومبانيها.

والقائمة تشمل أيضا، سواء بالتصحر أو الغرق، وحسب التسلسل، منطقة جبال كليمنغارو، في تنزانيا، ودالتا نهر أوكافانغو في بوتسوانا، ومدينة روتردام الهولندية، ومنطقة نواريا إيليا في سيريلانكا، ومنطقة توندرا الجليدية في النرويج، ومنطقة كوجارات في الهند، القطب الشمالي نفسه، ودلتا النيل، ومدينة طوكيو اليابانية، ودلتا المسيسبي في الولايات المتحدة، وماساري مارا في كينيا، ومنطقة برويبيته الإيطالية، وسلسلة جبال كيان شان في كازاخستان، وجبل زاكن في غرينلاند... إلخ.

وللاطلاع على القائمة الكاملة وتفاصيلها، يمكن الحصول على الكتاب، الذي صدر بالصور الملونة الجميلة، من تصوير المصور العالمي جيتي إبيج، مؤخرا في ألمانيا، ويحمل اسم «100 موقع متفرد مهدد بالزوال في القريب العاجل». ويمكن الحصول عليه من دار «كنيزبيك» الألمانية، لقاء 34 يورو.