حارس مازارين ينشر كتابا عن «الآنسة الصغيرة»

الكومندان بروتو سهر على حماية الابنة السرية لميتران طوال 13 عاما

مازارين
TT

بعد عشرات الكتب التي صدرت عن الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران، نزل إلى المكتبات في باريس، هذا الأسبوع، كتاب جديد بقلم كريستيان بروتو، ضابط الشرطة الذي كان مكلفا حماية ابنة الرئيس غير الشرعية، مازارين، طيلة 13 عاما. والكتاب الصادر بعنوان «الآنسة الصغيرة وغيرها من شؤون الدولة»، وثيقة تنفع، ولو متأخرة، في فهم الكيفية التي تم بها حفظ سر من أكثر الأسرار إثارة في الحياة الشخصية لرؤساء الجمهورية الفرنسية الخامسة، وما تحملته خزينة الدولة من نفقات ما يسمى بـ«عائلة الظل» للرئيس الراحل.

والمؤلف ليس ضابطا عاديا، بل انتظم في سلك الشرطة وارثا المهنة أبا عن جد، كما أنه مؤسس الفريق المرموق لقوات التدخل السريع في الدرك الوطني، ومديره لمدة تسع سنوات، وكان يمكن لحياته الوظيفية أن تسير من دون مفاجآت كبرى لولا أنه استدعي إلى «الإليزيه» في ربيع 1982، بعد عام على دخول ميتران القصر، لكي يتولى المهمة الدقيقة لتأمين حراسة الطفلة مازارين، الطفلة الخفية للرئيس التي كانت ستبلغ الثامنة من العمر في آخر تلك السنة. وهو يروي، في الكتاب، تفاصيل الحرج الذي شعر به وهو يدخل على ميتران في مكتبه، للمرة الأولى، لكي يفهم طبيعة المهمة المطلوبة منه. ويقول: «كان من المستحيل أن أعرف كيف سأتطرق إلى مازارين ولم أكن أنوي أن أستخدم تعبير (ابنتكم)، وخطر لي أنه من المناسب أن أشير إليها بصفة الآنسة الصغيرة». من جهته، كان ميتران أكثر حرجا، وقد شرح للكومندان بروتو أن زوجته السيدة دانيال ليست في حاجة لخدماته، ولا ولديه منها اللذين يدبران أمورهما مع حراس آخرين، وإنما قد استدعاه لحماية أحفاده، أما الباقي فيشرحه له مدير المكتب، لكن مدير المكتب آندريه روسليه تخلص من عبء التطرق إلى «سر مازارين» بإرسال الحارس إلى مسؤول آخر في القصر هو فرانسوا دو غروسوفر، صديق الرئيس المقرب منه والملقب بـ«مستشار الظل». وكان دو غروسوفر عراب مازارين عند ولادتها ومكلفا بكل ما يخص العائلة «الموازية»، وقد انتحر، في فترة لاحقة، بإطلاق النار على نفسه في مكتبه الخاص في «الإليزيه»، عندما شعر بأن حظوته لدى ميتران قد تراجعت.

من هذا المستشار عرف الضابط أن للرئيس عائلة ثانية وطفلة ولدت خارج إطار الزواج وأن اسمها مازارين، وأنها تقيم مع والدتها في الدائرة السادسة من باريس، غير بعيد عن الزقاق القديم الذي يحمل اسم مازارين، أيضا. ويقول بروتو إنه أدرك، منذ اللحظة الأولى، أن مهمته ستكون حساسة، خاصة أن تلك القضية كانت بمثابة «الحديقة السرية» لميتران، وهو كحارس سيبقى خارج بابها وسيحافظ على المسافة بينه وبين مخدومته ولن يشير إليها سوى بلقب «الآنسة الصغيرة». ولتأمين حمايتها، كان عليه أن يستعين بـ8 من نخبة رجال الشرطة الخبراء في السلاح والرياضات القتالية، شرط أن يكونوا من ذوي المظهر العادي لكي لا يلفتوا النظر. وهم واصلوا حراستها، سنة بعد سنة، حتى بلغت الخامسة والعشرين من العمر، وغادر والدها المنصب عام 1995.

ومن الغرائب التي يوردها المؤلف أن الرئيس كان مولعا بممارسة ألعاب الأطفال مع ابنته، وأنه قد تسلق ظهر أحد حراسه، ذات يوم، لكي يتمكن من استعادة قط مازارين الذي كان قد اختبأ فوق غصن شجرة، كما أنه كان يلعب معها لعبة الهنود الحمر ويوافق على الوقوع في فخ نصبته له لمجرد أن يسعدها. أما عندما كان يمارس بعض الألعاب مع الكبار فإن ميتران لم يكن يتورع عن الغش لكي يكسب. والكتاب مليء بالتفاصيل التي تجعل منه رواية شيقة، يتهافت عليها القراء حتى ولو كانت مكررة أو منشورة في كتب سابقة عن الرئيس ذي السيرة المعقدة والشخصية المركبة.