بيشاور تفقد موقعها تدريجيا كمركز رئيسي لصناعة الآلات الموسيقية

منها الربابة التي تستخدم في إيران والدول العربية والإسلامية

قبل خمسة أعوام كان في ديغري غاردن في بيشاور أكثر من 20 محلا لتصنيع الآلات الموسيقية لكن اختفى معظمها
TT

أحضر جد خرام شاهزد فن صناعة آلة الربابة الموسيقية إلى بيشاور قبل أكثر من مائة عام. وكان الجد يعيش في هيرات غرب أفغانستان، لكنه هاجر في العقد الأخير من القرن التاسع عشر إلى مدينة بيشاور، التي كانت حينئذ جزءا من الهند. وكان يهدف من وراء ذلك إلى تحسين أوضاعه الاقتصادية.. «منذ ذلك الحين، دخلت عائلتي في مجال تصنيع وبيع آلة الربابة في الأسواق المحلية، بالإضافة إلى تصديرها إلى الدول الأوروبية»، هذا ما ذكره خرام شاهزد في حديث مع «الشرق الأوسط» وهو يجلس داخل متجره الصغير في منطقة ديغري غاردن داخل بيشاور، التي كان ينظر إليها قبل ثلاثة أعوام فقط على أنها مركز صناعة الأدوات الموسيقية.

واستبدلت بالشكل القديم لمتاجر الآلات الموسيقية داخل ديغري غاردن في بيشاور أشكال عصرية لمتاجر الثياب والبقالة. وقبل خمسة أعوام فقط، كان في ديغري غاردن أكثر من 20 محلا لتصنيع الآلات الموسيقية المحلية. واختفت جميع هذه المحلات بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نتجت عن موجة الإرهاب والعمل المسلح في المنطقة. وتحول المواطنون الذين كانوا يعملون في صناعة الآلات الموسيقية إلى أنشطة أكثر ربحية مثل الثياب والبقالة.

لكن، لا يزال يوجد محلان اثنان في الحارات الضيقة من ديغري غاردن يعملان في مجال تصنيع آلة الربابة الموسيقية المحلية، التي ينظر إليها على أنها أداة لا يمكن الاستغناء عنها لأي مقطوعة موسيقية داخل الجزء الشمالي الغربي من باكستان. ويقول خرام شاهزد «من الناحية التجارية، لم تعد ذات جدوى، لكننا لا نزال نعمل على صنع آلة الربابة للحفاظ على حرفة أجدادنا الأوائل».

ويضيف خرام شاهزد: «آلة الربابة قريبة من قلوب البشتون (وهم مجموعة عرقية تعيش في شمال غربي باكستان)، وعندما تكون سعيدا تحب الاستماع إلى الربابة. وفي الوقت الحالي يعاني الجميع، وتوجد آلام كثيرة، وقد نسي المواطنون الربابة».

ويقول شير علام شينواري، وهو مؤرخ محلي وباحث مختص بالمناطق القبلية الباكستانية، إنه يُنظر إلى آلة الربابة على أنها عنصر أساسي في أي مقطوعة موسيقية في الأجزاء الشمالية الغربية من باكستان.

ولا يقف الأمر على باكستان، حيث تستخدم آلة الربابة في الكثير من دول العالم الإسلامي، ومن بينها إيران، والكثير من الدول العربية. وقد شهدت الأعوام الثلاثة الماضية تراجعا حادا في الطلب على الربابة من المناطق القبلية الباكستانية، ويعود ذلك بالأساس إلى زيادة موجة أعمال الإرهاب والعمل المسلح. وأضاف خرام شاهزد لـ«الشرق الأوسط» أنه كان في المعتاد أن تأتي معظم طلبات الربابة من المناطق القبلية الباكستانية. وكان خرام شاهزد يقوم مع عائلته بتصدير آلة الربابة إلى دول أوروبية وأستراليا. ويقول شاهزد «اعتاد الدبلوماسيون الغربيون السفر إلى بيشاور لتقديم طلبات لتصنيع الربابة، والوضع في بيشاور أصبح مريعا، لذا لا يأتي أحد إلينا في الوقت الحالي».

وقد قلت الطلبات التي تأتي من المناطق القبلية، ويقول شاهزد «اعتدنا إرسال 15 آلة ربابة كل شهر إلى المناطق القبلية الباكستانية، وبسبب الظروف الصعبة في المناطق القبلية لم تعد تأتينا طلبات من هناك». ويوضح «في وقت السلم كانت يأتينا في المعتاد 15 طلبا في الشهر لتصنيع الربابة من المناطق القبلية. وفي الوقت الحالي هناك حرب قائمة، ولم يعد هناك من يستخدم الربابة وسط الحرب». وفي ظل غياب الطلبات من الخارج وقلة ما يأتي من منطقة القبائل، تراجعت مبيعات الآلة الموسيقية إلى آلتين فقط شهريا.

ويتولى خرام شاهزد، مع أخيه الأكبر واليات خان، إدارة محل خاص به، فيما يدير محل الآخر في ديغري غاردن عمهما بهزور خان. ويقول شاهزد «تبلغ أرباحنا 8 - 10 آلاف روبية (130 دولارا) في الشهر».

وتصطف عشر ربابات تم تصنيعها أخيرا على رف قديم داخل محل شاهزد في انتظار من يقدم للشراء. ويقول شاهزد «تتكلف الربابة العادية نحو 400 روبية (50 دولارا)، فيما تتكلف الربابة المزينة بالكامل 25000 روبية (300 دولار)». ويقول شينواري، المؤرخ «توجد صناعة آلة الربابة داخل مدينتي مردان وكويتا الباكستانيتين، وفي مدينتي قندهار وهيرات الأفغانيتين، لكن كان ينظر إلى بيشاور على أنها مركز لتصنيع الرباب في المنطقة».

ويضيف «من المؤسف أن نسمع أن هذه الحرفة التي تمثل جزءا مهما من ثقافتنا على وشك الانهيار». ويمثل تراجع إنتاج آلات الربابة جزءا من قصة أكبر تتعلق بالتدمير المتعمد لصناعة الموسيقى في الجزء الشمالي الغربي من باكستان، لا سيما في المناطق القبلية الباكستانية. وقد هاجر العشرات من المغنين الباكستانيين إلى خارج المناطق القبلية بعد معاناتهم من الاضطهاد على يد حركة طالبان باكستان.

ويقول شينواري «هاجر على الأقل خمسة من المغنين البارزين داخل المناطق القبلية الباكستانية جنوب وزيرستان إلى مناطق أخرى داخل باكستان أو إلى خارج باكستان خلال العام الماضي». وقد منعت حركة طالبان الحفلات العامة للمغنين في المناطق التي يسيطرون عليها، وقد جعل ذلك الأوضاع المعيشية للمغنين مستحيلة داخل هذه المناطق. وكان المغنون في المناطق القبلية يكسبون معاشهم من الغناء في حفلات الزفاف، ولكن لم يعد ذلك متاحا حاليا.

وتتعلق القصة الأكثر إثارة في هذا الصدد بأسطورة الغناء كمال مسعود، الذي مات في ظروف غامضة داخل إسلام آباد مطلع العام الحالي. وكانت حركة طالبان قد طردت كمال مسعود من جنوب وزيرستان قبل عامين.

وقال أفراد في عائلته في حديث مع «الشرق الأوسط» إن حركة طالبان لم تتوقف عن مطاردته حتى داخل إسلام آباد. وقال أحد أفراد العائلة إن مجموعة من حركة طالبان أوقفت والد كمال خارج مسجد في إسلام آباد وهددوه بأن ابنه سوف يتم قتله قريبا. وحسب مصادر في عائلته، فإن مسعود كمال أجبر على ترك جنوب وزيرستان بعد أن قام الجيش الباكستاني بتوزيع اسطوانات مدمجة عليها ألبومه الغنائي داخل المناطق القبلية، وتحتوي الاسطوانات على أغان ضد التطرف الديني والعمل المسلح.

ومات كمال بعد إصابته في حريق، وحدث ذلك في الأسبوع الأخير من يناير (كانون الثاني) 2010 عندما دخل غرفة داخل منزله في إسلام آباد وحاول إشعال شمعة. ونشبت النيران بسبب تسرب غاز في الغرف. وقال التقرير الطبي إن الحروق نالت 50 في المائة من جسده.

ويتهم المعجبون بكمال الهيئات الأمنية الحكومية الباكستانية بعدم توفير حماية أمنية له في وقت كان يواجه فيه تهديدا من حركة طالبان، على الرغم من إقامته في مدينة إسلام آباد. ويضيفون أنه قتل على يد حركة طالبان، حيث تلاعب أفرادها في نظام الغاز داخل مكان إقامته وهو ما نجم عنه حادث الحريق.

ويعتقد الكثيرون في إسلام آباد أنها كانت شجاعة من جانب كمال مسعود أن يعيش حتى داخل إسلام آباد، التي يفترض أنها بعيدة عن منطقة عمل المسلحين. لكن واقعيا برهنت النهاية المأسوية لكمال على عدم صحة ذلك الزعم. وقد ترك الكثير من المغنين داخل المناطق القبلية الباكستانية ومن المدن المجاورة البلاد هربا من غضب حركة طالبان.