البيئة والمشاعر المكبوتة والروحانية من خلال أعمال فنية سعودية في دبي

غاليري «أثر» وجه جديد للفن السعودي في المحافل العالمية

« جماعة» للفنانة نهى الشريف
TT

في أحد أقسام معرض «آرت دبي» الذي أقيم الأسبوع الماضي واختتم أعماله السبت الماضي يبرز ضمن الغاليريهات المشاركة التي تعرض أعمال فنانين من جميع أنحاء العالم غاليري «أثر» السعودي، الذي يقدم أعمالا لمجموعة من الفنانين السعوديين والمقيمين من الفنانين العرب. الغاليري الذي يشد الأنظار إليه بحكم موقعه أولا وأيضا لطريقة العرض المميزة، استطاع أن يسجل مشاركة مميزة للغاليريهات العربية في المعرض. الغاليري يقدم أعمالا لسبعة فنانين هم: أيمن يسري ديدبان، وصديق واصل، ونهى الشريف، ومحمد الغامدي، وفهد القثامي، وجوهرة السعود، وفاروق قندقجي.

نور والي، القائمة على المعرض قالت في حديث مع «الشرق الأوسط» إنها لبت دعوة الغاليري لها للإشراف على ركن العرض الخاص بهم في «آرت دبي» وعملت على أن يكون العرض تحت شعار «كُن ذكيا! انظر بشكل محدد».

تشرح والي الشعار بقولها «إنه يحمل معنى مزدوجا: إما أن ترى الأشياء كما هي معروضة أمامك، وإما أن تنظر إلى المعاني المختبئة خلف اللوحات».

تقول والي إن الخلفية التي تعتمد عليها في العرض هي لوحات للفنان فهد القثامي، الذي يعتمد في أعماله على استخدام الكاميرا والتجول بها في أنحاء المدن السعودية لالتقاط صور حية للشوارع واللافتات والمباني، ومن خلال لقطاته يصور الفوضى التي تعاني منها المدن الحديثة. «ما يريد أن ينقله من خلال أعماله هو التساؤل عن تأثير التكنولوجيا والتمدن والسرعة والإيقاع اللاهث للحياة المعاصرة على العلاقات الإنسانية والطبيعة والروح الإنسانية حتى أصبح لا توجد مساحة ليشعر فيها الإنسان بأنه في حالة سلام مع نفسه».

وتشير والي إلى أن الرسالة التي يطرحها القثامي تنعكس بشكل آخر، وتتخذ بعدا أعمق عبر وضعها بالقرب من عمل نحتي للفنانة نهى الشريف، الذي يصور نساء يصلين بخشوع. نهى الشريف التي عرض أحد أعمالها في معرض «حافة الصحراء» الذي أقيم في لندن منذ عامين، هي إحدى الفنانات التي يمثلهن الغاليري ومن أعمالها الأخرى نرى مجسما آخر بعنوان «جماعة» وهو يصور مجموعة من النساء والأطفال يصلين جماعة. العمل يعكس قدرا كبيرا من الروحانية والسلام النفسي والسكينة، كما أنه يقدم لمسة من النقاء والصفاء، «إنه يعكس قيمة المجموعة ففيه نستطيع الإحساس بالطاقة التي تنعكس من الصلاة الجماعية»، تعلق والي.

ومن عالم نهى الشريف المحلق في سماء الروحانية ننتقل إلى عمل للفنان محمد الغامدي، الذي يقدم لوحة يستخدم فيها قطعة خشب قديمة، كانت جزءا من باب خشبي لبيت قديم في مكة، تمت إزالته ضمن المشاريع التي تقام في العاصمة المقدسة. اللوحة كأنما تقول للمشاهد: «لنوقف الزمن قليلا ونفكر في ما يحدث حولنا». تشير والي إلى أن الغامدي فاز بجائزة بينالي الشارقة لعام 2001.

لوحة الغامدي أيضا تطرح مفهوم إعادة التدوير، وهو ما يبدو واضحا من عمل الفنان فاروق قندقجي، وهو فنان سوري مقيم في السعودية، يعرض له الغاليري عملا فنيا على هيئة مقاعد مصنوعة من أعمدة مصنوعة من الخشب المعاد تدويره والمحاطة بطبقة من الإسمنت كأنها تحتجزها وتسيطر عليها. تشير والي إلى أن المشاهد يمكنه الجلوس على تلك المقاعد التي تبعث برسالة للمتلقي مفادها بأنه إذا كانت الطبيعة محاصرة بالإسمنت والحضارة الحديثة، إلا أنها ما زالت تحمل روحها داخلها وتستطيع المقاومة. نفس الرسالة التي تحمل الحنين إلى الماضي والعودة للأصول يقدمها الفنان من خلال لوحات زيتية علقت فوق المقاعد وتصور غابة من الأشجار التي تثير لدى المتلقي مشاعر كثيرة، وتبدو وكأنها تشده إلى داخلها ليبتعد عن الضوضاء والضجيج المحيط.

على جانب آخر من الغاليري تحتل مجموعة من المنحوتات المعدنية جزءا ضخما من جدار العرض، القطع للفنان صديق واصل وهي على هيئة كراسي تحمل رسالة جريئة وقوية فهي تدعو لإطلاق سراح الأفكار التي تتمثل في أحرف من اللغة العربية مقيدة بسلاسل حديدية ومثبتة على الكراسي. حرية التعبير أيضا تعبر عنها يد إنسانية مغروس فيها خنجر تثبتها على كرسي آخر ربما انعكاس لقمع الحريات الشخصية. الكراسي المعدنية هي ضمن سلسلة تحمل عنوان «تحولات الكرسي». وتقول والي إن الفنان أثبت نجاحا واضحا وأصبح من الفنانين المفضلين لدى زوار الغاليري.

حرية التعبير ووأد المشاعر المنعكسة في عمل صديق واصل تأخذ شكلا آخر في أعمال الفنان أيمن يسري، الذي تحتل أعماله مساحة كبيرة على الجدار المقابل. فعبر مجموعة من الشاشات التي تحمل مشاهد من أفلام غربية تحمل ترجمات باللغة العربية يستطيع المشاهد القراءة ما بين السطور أو قراءة المعاني المختبئة خلف الترجمة العربية التي قد لا تتواءم تماما مع اللقطة المقدمة، ففي أحد تلك المشاهد نجد صورة امرأة تجلس على الأرض وخلفها رجل واقف ونقرأ الترجمة التي تقول: «إن أردت السلام فاستعد للحرب» والتي قد تحمل معنى مختلفا للمشهد المعروض. تشير نور والي إلى أن أعمال يسري هنا تعكس فكرة أن الشرق والغرب قد لا يمكن ترجمتهما والمزج بينهما بسهولة وتعكس الفجوة بين الثقافتين.

ومن أعمال الفنانة جوهرة السعود توجد مجموعة من اللوحات التي تقدم التصوير الفوتوغرافي بشكل مختلف ومميز. «الجوهرة تدلف إلى آفاق جديدة في عالم التصوير هنا» تقول والي: «الصور التي تصور نساء عربيات لا تحمل وجوها، فقد فرغت الفنانة الصورة من الوجه، وبالتالي فنحن نرى هؤلاء النساء، وهن في محيط منزلي خاص يعرضن على الملأ في المحيط العام، وهو ما يمكن اعتباره قراءة في الأوضاع الاجتماعية للمرأة السعودية».

من جانبه، يشير حمزة صيرفي أحد ملاك الغاليري إلى أن هذه هي المشاركة الثانية لهم في معرض «آرت دبي» ويذكر أنه أقام الغاليري مع صديقه محمد حافظ ويقول: «أعدنا تشكيل أثر نتاج الخبرة المتراكمة التي حصلنا عليها عبر العمل في الوسط الفني لسنين وقررنا إقامة غاليري يقوم بدعم الفنانين من ناحية الإنتاج وتوفير المخرجين الخلاقين لمساعدتهم وطباعة الكتب وتسجيل الحركة الفنية».

صيرفي الذي شارك في معرض «حافة الصحراء» في معرضيه السابقين في لندن وفينيسيا عبر تقديمه الاستشارة الفنية يشير إلى الغاليري ويحاول من خلال «آرت دبي» عكس المستوى الفني السعودي وجدية التعامل مع الحرفة للجمهور من متابعي الحركة التشكيلية في العالم.

وردا على سؤال حول نوعية المشتري أو المهتم بالعمل الفني السعودي، يقول صيرفي: «المشترون للأعمال التي يقدمها الغاليري ليسو فقط من العالم العربي، بل أيضا من الدول الغربية، فالفن السعودي الآن بدأ يلفت الأنظار بشكل عالمي».

يشير صيرفي إلى أن الغاليري يستفيد من الأرباح التي يحققها في رعاية الفنانين «هدفنا ليس الاستفادة المادية البحتة، ولكن أيضا رعاية الفنانين وتطويرهم، لأن هذا ليس بالشيء اليسير ماديا».

وعن المشاريع المستقبلية للغاليري، أضاف: «عندنا خطة للمشاركة في (آرت إسطنبول) وتقدمنا بطلب للمشاركة في سوق لندن (فريز) هناك فكرة لإقامة معارض متجولة».

و يرى الزائر للغاليري في كل واحد من الأعمال المعروضة عددا لا يحصى من الرسائل تتسلل إلى ما تحت السطح لتمضي عبر الرموز المنسوجة المتشابكة التي لم يتم التعبير عنها بصورة مفتوحة لتفسح المجال للأذهان والحاسة السادسة بالتدخل. فهي أفكار تشير إلى تشجيع التعبير الذاتي العاطفي والذهني غير المكبوت (خلال مجسمات الكرسي للفنان صديق واصل كمثال) وإلى مخاطر الإدمان المتزايد والاعتماد المفرط على التقنية الحديثة على حساب البيئة (التي يتعامل معها محمد الغامدي وفهد القثامي وفاروق قندقجي)، والتعبير على التأثير الإيجابي للدين داخل المجتمع (تتعامل مع هذا الموضوع بشكل أكثر انفتاحا نهى الشريف)، والفجوات والاعتماد المتبادل للثقافات الشرقية والغربية (خلال أعمال أيمن يسري وجوهرة السعود)، بالإضافة إلى قضايا تتصل بالعلاقات الشخصية.

وشارك في «آرت دبي 2010» الذي يمثل أهم وأضخم تظاهرة فنية وإبداعية معاصرة بمنطقة الشرق الأوسط قاطبة اثنتان وسبعون صالة فنية عريقة ومرموقة من أنحاء العالم، وقد أكدت غالبية الصالات المشاركة تحقيق مبيعات قوية هذا العام، مشيرة في هذا الصدد إلى أن لوحاتها ومنحوتاتها استقطبت مشترين من كبار الشخصيات بالدولة والمنطقة، ونخبة من أشهر المتاحف الإقليمية والعالمية، وكوكبة من المقتنين المخضرمين والجدد من بلدان الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا والولايات المتحدة الأميركية.

وقال عدد من الصالات الإقليمية والعالمية المشاركة في «آرت دبي 2010» إنها باعت تقريبا كافة الأعمال التي شاركت بها، ومنها: «غاليري أثر»، و«غاليري كريستيان هوسب» و«غاليري كابريس هورن»، وكلاهما من برلين، و«غاليري ترافيك» من دبي، و«غاليري بريسكا سي جوشكا فاين آرت» من نيويورك.