طبق الـ«فيش آند شيبس» يجد نفسه في أيادي السياسيين مع اقتراب الانتخابات البريطانية

الطباخون يردون له الاعتبار.. ويحتفل بـ150 عاما على تقديمه في المطاعم كأكلة شعبية

مايكل بورتولو، وزير الدفاع السابق (المحافظ) خلال الحملة الانتخابية عام 2001 (رويترز)
TT

إنه طبق تم قليه بعناية شديدة في المطبخ البريطاني ليصبح أشهر من أن يعرف، ويسمى «فيش آند شيبس» (السمك المقلي مع البطاطس).. إنها الوجبة الشعبية التي اشتهر بها هذا البلد الذي يوصف مطبخه بالفقير جدا من قبل الأوروبيين، لكن الأغرب من ذلك أن الشعب البريطاني، والإنجليز خصوصا، يقبلون بهذا الوصف من دون أي مقاومة على الرغم من شموخهم وتعاليهم في نواح ثقافية أخرى.

لكن مع احتلال لندن أماكن متميزة في قائمة المطاعم الفاخرة في دليل «ميشلين» والمجلات المتخصصة في أميركا، وكذلك احتواء العاصمة البريطانية على أشهر مشاهير العالم من الطباخين، أمثال غوردون رامزي وجيمي أوليفار وهيستون بلومنتال وغيرهم، بدأت بريطانيا في فرض نفسها كعاصمة للطهي والمطاعم الفاخرة، وبدأت بذلك إحياء أطباقها التي كان ينظر لها بدونية سابقا، ووضعها بالاعتزاز على قوائم المطاعم الفاخرة، مثل طبق الـ«فيش آند شيبس» والـ«يوركشاير بودنغ».

ارتبط الطبق بالفئات الشعبية، ويقال، حسب بعض الدراسات، إن أبناء الطبقة الوسطى كانوا يتناولونه في بيوتهم فقط بعد شرائه خلسة من المحلات الشعبية عن طريق خدمهم، كما جاء في كتاب حول دور الـ«فيش آند شيبس» في الحرب العالمية الثانية. ويقول المؤلف إن عائلة أحد الأطباء كانت تطلب من بعض أبناء الأحياء الشعبية الذهاب للمطاعم الشعبية لشراء وجبة من السمك والبطاطس المقلية لتناولها في البيت.

تاريخ هذا الطبق بشكله الحالي يعود إلى أواسط القرن التاسع عشر، خصوصا مع الطفرة الصناعية أو ما يسمى بالثورة الصناعية، ولهذا فقد ارتبط اسمه بالفئات الشعبية والطبقة العاملة. ويحدد هذا التاريخ بقيام أول مطعم يقدمه على هذه الشاكلة ويباع كوجبة شعبية ويتم تناولها عادة في الشوارع ويكون ملفوفا بأوراق الجرائد. وعلى الرغم من طول المدة لا يبدو أن هناك أي بادرة لانفصال مكوناته بعد اندماج دام أكثر من 150 عاما. الكثير من المدن، خصوصا في شمال إنجلترا، في مقاطعة يوركشاير ولانكشاير، وكذلك في لندن، تدعي أنها كانت سباقة في هذا المضمار، لكن هناك الكثير من النظريات حول بداياته وأين وكيف ولماذا.

ارتباط طبق من الطعام بالتحديد بمكان أو فئة اجتماعية أو أقلية عرقية صعب جدا، وذلك بسبب أنه من السهل خضوع الأطعمة والأطباق للتغيرات المستمرة.

يقال مثلا إن المهاجرين اليهود كانوا أول من قدموا الأسماك المقلية في لندن في القرن السابع عشر، وتجد إشارة قديمة للغاية لهذا الطبق اليهودي في رائعة تشارلز ديكنز «أوليفر تويست» التي نشرت عام 1837، حيث جاء الكاتب الإنجليزي العظيم بذكر «متاجر الأسماك المقلية».

لكن علينا أن نعرف أيضا أن هذا البلد مكون من جزر ومحاط بالمياه من كل مكان ولهذا ليس غريبا أن تحتل الأسماك قائمة الطعام، ويكون قليها من أسهل الطرق لإعدادها.

لكن الوصفة التي تعد بها قد تكون نقطة خلاف حول من أدخل أولا عليها هذه الخلطة من الدقيق والبيض، وأحيانا البيرة، من أجل غمس السمك فيه قبل قليه. هنا تبدأ التفسيرات. ولكن الذي أصبح معروفا أن تقديمه كوجبة متكاملة تباع في المطاعم الشعبية قد يكون فعلا بدأ قبل نحو 150 عاما.

وتدعي كل من لانكشاير ولندن أنها صاحبة السبق في تقديم وابتكار ذلك الطبق السريع.

ويقول أبناء الجنوب إن أول من أسس مطعما للأسماك ورقائق البطاطس المقلية كان مهاجرا يهوديا يدعى جوزيف مالين، وذلك عام 1860 في شرق لندن، بينما اكتسبت «شرائح البطاطس الفرنسية» شهرتها في شمال إنجلترا خلال القرن الثامن عشر، ويقول المحليون إن أول محل لشرائح البطاطس تم افتتاحه في موزلي بلانكشاير عام 1863.

وقالت لندسي هويل، عضو مجلس العموم البريطاني، خلال الأسبوع الوطني الذي خصصته بريطانيا لـ«الأسماك وشرائح البطاطس المقلية»: «إن الجدل حول ما إذا كانت جذوره ترجع للجنوب أو للشمال يوضح مدى ارتباط البلاد بأسرها به».

وعلى الرغم من أن بعض النقاد يشبهونه في المطبخ الإنجليزي بما يطلق عليه «الهارا كيري» (طريقة انتحار كان يلجأ إليها مقاتلو الساموراي اليابانيون لإبداء الندم أو تجنبا للسقوط في أيدي الأعداء)، فإن إنجلترا تباهي بأنها تضم 11500 مطعما للأسماك والبطاطس المقلية تنتشر من أعلى نقطة في اسكتلندا (جون أو غروتس) وحتى لاندس إند في أسفل مقاطعة كورنويل. والكل يتفق على أن هذا الطبق يمثل لإنجلترا ما تمثله البيتزا لإيطاليا.

وعلى الرغم من ظهور أشكال أخرى للوجبات السريعة مثل: الشاورمة والبيرغر والبيتزا والكاري (طبق ينتمي إلى المطبخ الأسيوي يتميز بطعمه الحار)، فإن «السمك والبطاطس المقلية» يبقى الطبق الأول من حيث المبيعات، إذ بيع 300 مليون وجبة من الأسماك والبطاطس المقلية العام الماضي.

يقول أحمد ضياء الدين (40 عاما)، وهو يدير مطعم «روك آند سول بليس» أقدم متجر للأسماك والبطاطس المقلية في لندن بالمشاركة مع أخيه علي: «هذا الطبق تراث قومي».

والمطعم الذي تديره أسرة ضياء الدين منذ جيلين وتم تأسيسه عام 1871 هو أحد المطاعم السياحية الشهيرة ويرتاده عدد من المشاهير أمثال أنتوني هوبكنز وليلي ألن وله فروع كثيرة في العاصمة البريطانية.

وبينما تميل المطاعم والمتاجر الكبرى مثل «جريت بريتيش إيتري» في برمنجهام إلى المطابخ العالمية بأطباقها، فإن ضياء الدين يرفض أن يضيف أيا من الأطباق الحديثة لقائمته. ويوضح ذلك بقوله، في تصريحات للوكالة الألمانية للأنباء: «نصف عملائنا من السياح.. وهم يريدون الطبق في شكله الأصلي».

وتعين على ضياء الدين وأصحاب متاجر الأسماك والبطاطس المقلية الآخرين أن يجدوا حلولا بديلة لمسألة التعبئة والتغليف، حيث جرت العادة قديما على تقديم الوجبة ملفوفة في أوراق الصحف والمجلات، لكن قواعد الصحة والسلامة منعت ذلك تماما في ثمانينات القرن الماضي.

ويحاول الاتحاد الوطني للعاملين في إنتاج الأسماك المقلية تحسين صورة الطبق الإنجليزي الوطني خلال احتفالات الذكرى المائة والخمسين، بتأكيد أن طبق الأسماك والبطاطس المقلية يحتوي على دهون أقل بنسبة 42 في المائة مقارنة بطبق الشاورمة التركي.

لكن نظرا لأن طبق الأسماك والبطاطس المقلية الواحد يحتوي على ألف سعر حراري، يصعب، تماما، اعتباره طبقا صحيا. يقول ضياء الدين والابتسامة تعلو وجهه: «إن (طبق) الأسماك والبطاطس المقلية هو أصح الأطباق غير الصحية!».

ومع اقتراب الانتخابات البريطانية العامة وخلال الحملات الشعبية، ترى زعماء الأحزاب، خصوصا من حزب العمال، يتجولون في المناطق الشعبية وهم يلتهمون البطاطس والسمك المقلي من أجل إعطاء انطباعا عن ميولهم السياسية والتصاقهم بالفئات الشعبية ونيل أصواتها. ويحاول حزب المحافظين أيضا إظهار نفسه على أنه يمثل بريطانيا بكل فئاتها، وتقوم زعامته أيضا بتناول هذا الطبق خلال الحملات الانتخابية.

وفي كتاب دور الفيش آند شيبس المذكور سابقا، يقول المؤلف إن الحكومة قدمت دعما ماليا لهذه الوجبة خلال فترة الحرب من أجل الحفاظ على صحة أبناء الطبقة العاملة الذين كانوا يعانون من نقص في البنية بسبب نقص الغذاء. ودعمت أصحاب المطاعم وحددت سعرا للوجبة برقابة حكومية حتى لا ترتفع الأسعار ويحرم الناس من تناولها.

أما الآن فقد تغير الموقف من هذه الوجبة بعد أن ارتفعت قيمتها الاجتماعية. بعض المطاعم التي تقع في مناطق فاخرة بدأت تقدمها بافتخار، خصوصا بعد أن أعاد لها بعض الطباخين الاعتبار. أحد هذه المطاعم الموجود في منطقة اسلينغتون الشهيرة بمطاعمها، التي كان من روادها زعماء حزب العمال الحاكم توني بلير وغوردون براون، أصبح يقدم الوجبة قبل بدء الأعمال المسرحية التي يعرضها مسرح «الميدا» القريب.

كما أن عائلة الرئيس الأميركي باراك أوباما، زوجته ميشيل وبنتاه ساشا وماليا، حرصن خلال زيارتهن لندن قبل عام بعد توليه زمام الأمور على تناول الوجبة الشعبية في أحد المطاعم الفاخرة الموجودة في وسط لندن، التي أصبحت تقدمها على قائمتها بافتخار.

ومن جانب آخر، هناك طبق «يوركشاير بودينغ» الذي يتمتع بسمعة طيبة بوصفه كافيار المطبخ البريطاني. وليس من المستغرب أن يتطلع مواطنو هذا الجزء الذي تعصف به الرياح في شمال إنجلترا، الفخورون بطبقهم الذي يتمتع بشهرة عالمية إلى جانب منتجي البودينغ في المنطقة، إلى منع كعكات البودينغ الأرخص ثمنا التي تصنع في مناطق أخرى من استخدام اسم «يوركشاير بودينغ».

ويتطلع منتجو الـ«يوركشاير بودينغ» إلى الاتحاد الأوروبي لمساعدتهم في نضالهم، حيث يأملون أن يمنح منتجهم وضع جهة المنشأ المحمية من نظام أسماء الأغذية المحمية بالمفوضية الأوروبية إلى جانب الأسماء الأخرى التي تعود إلى بلدان مثل «نرمبرغ براتفورست» (نقانق نرمبرغ المحمرة) و«براما هام».

وتقود مجموعة الأغذية المحلية «يوركشاير وهامبر» الحملة قائلة إنها ترغب في ضمان أن الطبق المصنوع من دقيق القمح واللبن والبيض، الذي يعد جزءا لا يتجزأ من حفلات يوم الأحد في أنحاء بريطانيا، يجب أن ينتج هنا ليطلق عليه «يوركشاير بودينغ».

وتقول سارة نابر من المجموعة إن حماية الاتحاد الأوروبي «ستمنع الأشخاص من مناطق أخرى في العالم من صنع أطباق وتسويقها على أنها يوركشاير بودينغ».

ومع هذا، فمن غير المرجح أن تلقى خطوة مثل هذه تأييدا شعبيا حتى في بريطانيا العظمى نفسها، حيث سيتعين على آلاف الحانات إعادة تسمية الأطباق التي يقدمونها في أيام الأحد.