أسبوعان من الأعمال الدرامية النسوية الآسيوية في نيودلهي

أفغانستان حضرت من أعماق الحرب بأعمال درامية ترفض طالبان

TT

بالنسبة لعشاق المسرح، كان الأمر أشبه بالعثور على منجم ذهب عندما تمتعوا على مدار أسبوعين بمشاهدة أكثر من 14 مسرحية جرى تمثيلها بأكملها من قبل ممثلات من مختلف مناطق جنوب آسيا، وذلك في إطار «مهرجان جنوب آسيا للمسرح النسوي»، الذي يعد الأول من نوعه. وقد اكتسب المهرجان زخما كبيرا بعرض مسرحية قادمة من أعماق الحرب في أفغانستان «سلسال شاهماما». وتنقل المسرحية رسالة قوية عالية الصوت وواضحة تدور حول التبرؤ من ما حدث في أفغانستان أثناء حكم طالبان، بما في ذلك أحداث مثل تدمير تماثيل بوذا الضخمة عام 2001. تولت إخراج مسرحية «سلسال شاهماما» امرأة أفغانية لا يتجاوز عمرها 24 عاما تدعى منيرة هاشمي، وهي عضو «اتحاد أفلام سيمورغ للثقافة والفنون» من هرات بأفغانستان. وجاءت المسرحية بمثابة تعليق على تدمير تماثيل بوذا. ويجري سرد أحداث القصة من خلال حياة شقيقتين؛ غول باخت ونيغ باخت. خلال المسرحية، تسمع غول باخت كثيرا من القصص المرتبطة بالأساطير وتشرع في الحديث إلى التماثيل، وعلى رأسها التمثال الأكبر «سلسال» والآخر الأصغر «شاهماما». ويعتقد أن هذين التمثالين يرمزان لعراقة سكان منطقة باميان باعتبارهما الكيانين الأسطوريين اللذين خرج من نسلهما شعب المنطقة. إلا أنه داخل أفغانستان الخاضعة لحكم «طالبان»، حيث تعيش البطلة، كانت تماثيل بوذا مجرد «أصنام محظورة». وتجد غول الصغيرة نفسها شاهد عيان على تفجير هائل يسفر عن نسف «سلسال» و«شاهماما»، سلفيها الأسطوريين. خلال الأحداث، يعمل «سلسال» و«شاهماما» على الربط بين الأساطير المتعلقة ببوذا والواقع المعاصر للحياة في أفغانستان التي تمزقها الحروب. ويظهر في أحد مشاهد المسرحية أطفال يلعبون ببعض الدمى، بينما تمر دبابات «طالبان» أمامهم. وقد نجحت هاشمي في بث الحياة في باميان على خشبة المسرح، وهي واحدة من أكثر مناطق أفغانستان فقرا وليبرالية في الوقت ذاته، وذلك من خلال مسرحية مؤلفة من فصل واحد يمتد لـ75 دقيقة تعج برقصات وأغان سقطت من ذاكرة كثير من أبناء الشعب الأفغاني. جرى عرض المسرحية على أحد مسارح الهند، تحديدا دلهي، كجزء من «ليلا»، أول مهرجان مسرحي نسوي في جنوب آسيا تنظمه الكلية الوطنية الهندية للدراما و«جاميا ميليا إسلامية». وركز المهرجان المسرحي بصورة حصرية على قضايا المرأة وهدف إلى جمع الفرق المسرحية الموهوبة من أفغانستان وبنغلاديش وبهوتان والمالديف وميانمار ونيبال وباكستان وسريلانكا. في الوقت ذاته، تضم الفرقة المسرحية المنظمة للحدث، وهي «اتحاد أفلام سيمورغ للثقافة والفنون»، من هرات، 16 عضوا، بينهم 9 نساء، تتراوح أعمار أغلبهن بين 14 و24 عاما. المثير أن الفرقة تجري إدارتها فعليا من قبل مجتمع هزارة، وهم أحد القطاعات العرقية المهمشة في المجتمع الأفغاني الأوسع، وجرى تصويرهم على نحو رائع ومفعم بالحياة في رواية خالد حسيني بعنوان «ذي كايت رنر». في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قالت منيرة حسيني: «بضربة واحدة وحشية، محت طالبان تاريخنا. لقد بات الإرهاب والشعور بانعدام الأمان جزءا من حياتنا في أفغانستان، لكننا نرغب في عرض صورة مختلفة عن أفغانستان أمام العالم.. وأن نوضح أن هناك فنا وثقافة في بلادنا، وأن الناس يعشقون ويرغبون في السلام». وأضافت: «زرت أشخاصا متقدمين في السن وأفرادا قبليين لا يزالون يتذكرون أياما كان يجري فيها ترديد هذه الأغاني، لكنهم لم يتمكنوا من تذكر سوى سطر واحد من الأغاني. وعكفت على جمع هذه الشظايا لتكوين أجزاء تصلح لعرضها في المسرحية. بالنسبة للفرقة المسرحية، فإن إجمالي النساء العاملات بها يبلغ 25 فتاة، بينهم 9 يزرن الهند، بجانب سبعة رجال. وقد أتوا جميعا إلى هنا في تحدٍّ لأقاربهم وقادتهم الدينيين. لقد أخبرت أهلي أنه من خلال اختياري التمثيل كمهنة، لم أنتهك أيا من عاداتهم أو معتقداتهم. لكن أفراد مجتمعي في هرات بأفغانستان لا يوافقون على قيام فتاة بالتمثيل على خشبة مسرح. إننا مدركون لوضعنا الاجتماعي، لكن الأوضاع تتبدل على نحو لا يراه العالم الخارجي على الرغم من شعورنا نحن به، ويبقى التمثيل في المسرح أمرا لا يشكل جريمة أو خروجا عن الدين». كانت المخرجة الشجاعة قد أخرجت بضعة أفلام قبل تكوينها فرقة مسرحية عام 2007 بالتعاون مع زوجها. توافقا مع الأعراف الاجتماعية، تحرص الممثلات على تغطية شعورهن على خشبة المسرح دائما. وعن ذلك، قالت طاهرة أنور علي، 22 عاما، التي تؤدي دور مستشارة الملكة: «لا تعدو تلك أن تكون تنازلات بسيطة، ويبقى التحول الأكبر أننا نقف هنا على خشبة المسرح». ومع ذلك، لا يكاد يمر يوم من دون تلقي حسيني تهديدا بالقتل. وعن هذا الأمر قالت: «لا أعلم من هم هؤلاء الناس. عادة ما يكون الأمر برمته مجرد رقم هاتف وصوت أجش. لكن هذه التهديدات تذكرنا بأن هناك خطوطا يتعذر علينا تجاوزها». في تلك الأثناء، صدرت أيضا رسائل سلام من جانب فرقة مسرحية باكستانية مقرها كراتشي وتدعى «تحريك النسوان»، التي تعرض حاليا مسرحية بعنوان «جانغ أب نهين هوغي» (لن تكون هناك حرب الآن). وتستغل المسرحية الحرب كمحور لأحداثها الدرامية سعيا لنقل رسالة تدعو للسلام وتشدد على عدم جدوى المعارك، وكذلك على قوة النساء. وتنتمي المسرحية إلى النمط الكوميدي الساخر. وتعتمد على قصة إغريقية كلاسيكية، «لسستراتا» التي ألفها أريستوفينيس عام 411 قبل الميلاد. وتدور المسرحية الباكستانية حول خيباني وفوول، وهما قبيلتان متحاربتان. ولسخطهن على التوترات والمشاحنات المستمرة، تتحرك نساء القبيلتين للسيطرة على زمام الأمور. وتولت شيما كيرماني، الناشطة، إخراج المسرحية. كما شهد المهرجان عروضا لفرق هندية وأخرى تنتمي لدول بجنوب آسيا.