شوارع من ألمانيا لا تصيبها الحفر.. وأخرى لإنتاج الطاقة من هولندا

صديقة للبيئة والمستخدم.. وتوفر أمولا للدولة على المدى البعيد

صورة وزعتها شركة «أومز» وتصور شبكة قنوات المياه تحت الإسفلت
TT

ترك الشتاء القاسي، والثلوج المتراكمة في الشوارع في ألمانيا، آلاف الحفر في إسفلت الشوارع بمثابة ذكرى لذلك الشتاء. وهذا يعني أن مهام عمال تصليح الشوارع زادت 35 في المائة هذا الخريف، حسب إحصائيات اتحاد شركات التأمين على السيارات.

وفي حين يشكو عمدات المدن من ضعف الميزانية المخصصة لإصلاح الشوارع، ويدعو حماة البيئة لتقليل السرعة على الشوارع بدلا من إصلاحها، يجد العلم حلولا أخرى تجمع بين البيئية والمتانة والاقتصاد.

في مدينة برغيش غلادباخ، قرب مدينة كولون التي تعاني من 40 ألف حفرة تركها الشتاء الماضي، يعمل المختصون الألمان من دائرة صيانة الشوارع على تطوير نوع جديد من الإسفلت «الخالي من الحفر»، بمعنى أنه لا ينحفر بسهولة كما أنه مضاد «للتلف». وأقامت الدائرة لهذا الغرض، على نقطة من الشارع السريع بين كولون، وبيرغش غلادباخ، قاعة ضخمة لتجريب النوع الجديد من الإسفلت.

وذكرت غودرن غالكوفسكي، المهندسة قي دائرة صيانة الشوارع، أنها أقامت موديل شارع سريع طوله 38 مترا وعرضه 7.5 متر لتجربة الإسفلت الجديد. وبنى العمال وحطموا مساحات من الإسفلت التجريبي، تزيد مساحاتها 30 مرة على مجموع مساحات الحفر في كولون، من أجل التوصل إلى أفضل خلطة تعد بعدم حصول حفر مستقبلا. وأنتجوا حتى الآن مئات الأطنان من الإسفلت الذي يجري كل مرة خلط مكوناته بشكل مختلف.

وتعتمد طريقة صنع «الإسفلت المنيع على الحفر» على خلطه بالصخر الناعم، واستخدام مادة «بيتومين» كمادة رابطة لشد التركيبة معا. و«البيتومين» مادة تكتسب من النفط الخام أيضا ومعروفة بمتانتها ومرونتها في آن واحد. واتضح من الخلط أن تقليل مادة «البيتومين» يعني نشوء طبقة إسفلت قوية وغير مرنة سرعان ما يترك الزمن والعوامل المناخية تأثيراتها عليها، في حين أن زيادة نسبة «البيتومين» يجعلها أكثر مرونة وبالتالي أكثر مقاومة للعوامل الخارجية. وتعمل مادة «البيتومين» أيضا على منح الإسفلت خاصية جديدة وهي عدم تغير شكله كثيرا في الصيف بتأثير درجات الحرارة. وينتظر المهندسون الآن التوصل إلى الخلطة الأفضل التي تؤهلهم لإطلاق اسم «الإسفلت الخالي من الحفر» عليها.

وحسب المهندسة غالكوفسكي فإن الإسمنت المخلوط بـ«البيتومين» صعب التشقق بسبب مرونته العالية، إذ من المعروف أن الماء يتسلل إلى شقوق دقيقة في الطبقة العليا من الإسمنت، ويتحطم الإسمنت حينما يتحول الماء إلى ثلج ويتمدد حجمه، وهكذا تحدث الحفر. ولهذا فإن المهندسين سيعملون على تطوير نوعين من الإسمنت مخصصين للشوارع الداخلية وللطرق السريعة، فالأخيرة تتشقق بسرعة بسبب كثرة الشاحنات الضخمة التي تمر عليها والتي تفاقم آلية نشوء الحفر.

في هذه الأثناء قدرت الحكومة الألمانية حاجة ألمانيا إلى 3 مليارات يورو لسد الحفر التي تركها الشتاء الماضي فقط. وأصابت الحفر 40 في المائة من شوارع العاصمة برلين، أي ما يقدر بنحو 2.1 مليون متر مربع من مناطق الإسفلت المتضررة، ويعمل اليوم 60 فريقا من العمال المتخصصين على إصلاحها. ويقول أحد العاملين في سد الحفر إن فريقه لا يستطيع غير تصليح 200 متر من الشوارع يوميا عندما يكون الطقس ملائما، وهذا يعني أنهم في صراع مع الزمن، وأن عدد الحفر الجديدة يزيد على عدد الحفر التي ردمت.

وطبيعي فإن عملية تصليح الشوارع لا تعني تكلفة أكبر على المدن والولايات، وإنما تعني المزيد من تلويث البيئة، المزيد من إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون، المزيد من الاختناقات والزحام على الشوارع، المزيد من تكاليف تصليح السيارات. ناهيكم طبعا عن الكثير الكثير من الشتائم التي يكيلها أصحاب السيارات، وساكنو البيوت القريبة، لعمال التصليح، كما يقول أحد العمال.

ويبكة دامان، من نادي السيارات الألماني (ADAC)، دعا إلى تحديد السرعة على الشوارع الداخلية بـ30 كم/ساعة بهدف الحفاظ على الشوارع وتقليل تكلفة إصلاحها. وقال إن تكلفة تصليح المتر المربع من الشوارع ترتفع إلى 40 يورو، في حين أن «السرعة المحددة بـ30 كم/ساعة» لا تكلف أكثر من 20 يورو مع الضريبة المضافة.

وسبق لمنشأة بناء الطرق أن جربت بنجاح، على أحد الطرق الألمانية السريعة، إسفلتا كاتما للصوت أطلقت عليه اسم «أوبا» (OPA)، وقالت إنها ستعول عليه مستقبلا في تقليل الضجيج. و«أوبا» مزود بمسام هوائية تشكل 25 في المائة من بنيته تتولى ابتلاع الصوت الصادر عن احتكاك العجلات بالطريق على عكس الإسفلت التقليدي الذي لا تشكل المسام أكثر من 6 في المائة من بنيته. ويمكن للإسفلت «أوبا»، إلى جانب حواجز الصوت التي ستقام على جانبي الطريق، تقليل الضجيج إلى الحد المقرر من الاتحاد الأوروبي، أي أقل من 70 ديسبل (الديسبل وحدة قياس الضجيج).

والمهم في الإسفلت الهامس أن المسام التي تتخلله تسرب ماء المطر أيضا دون أن تؤثر على فاعليته في كتم الصوت. تتحول المسام الهوائية إلى قنوات تسرب الماء من منتصف الشارع إلى جانبي الطريق. ويعمل الإسفلت على امتصاص مياه المطر خلال ثوان فيمنع انزلاق السيارات أو تحول ماء المطر إلى جليد خطر في الشتاء.

وبعد الإسفلت «الهامس»، الذي يفترض أن يخلص الناس من ضجيج الشوارع، والشوارع البيئية التي تغسل الشوارع من الغبار بماء المطر المتساقط عليها، جاءنا اليوم من هولندا «إسفلت الطاقة» الذي يفترض أن يزود الشوارع والمباني بالدفء والكهرباء.

ومشروع إسفلت الطاقة أو «نظام طاقة الشوارع» (Road Energy System) هو مشروع لشركتي «أومز» و«فلومفروورمنج» الهولنديتين دخل اليوم حيز التطبيق بعد أن كان مشروعا في السابق. ويجمع المشروع بين استخدام إسفلت متين وطويل العمر مع نظام من شبكات الماء تحته تعمل على امتصاص الماء وخزنه. ويفترض أن تتجمع مياه الأمطار طوال ثلاثة فصول في شبكة أنابيب للمياه تحت الإسفلت، تخزن تحت الأرض وهي حارة، ثم يجري ضخها في الشتاء إلى الشارع وإلى البيوت لتستخدم في التدفئة وإنتاج الطاقة عموما.

ويستفيد المهندسون هنا من حرارة الشمس ومن حرارة الإسفلت لتسخين الماء وحفظه لأن لون الإسفلت الأسود وقابليته على امتصاص الحرارة تجعله وسطا ممتازا لحفظ الحرارة. فهو مشروع بيئي وتعتبره شركة «أومز» مكملا لنظام الطاقة الشمسية يتطور معها كطاقة مستقبلية بديلة. وكلما ارتفعت الحرارة، وزاد سير السيارات عليه، زادت قدراته على رفع درجة حرارة الماء المخزون، لأن احتكاك الإطارات بالإسفلت ينتج المزيد من الحرارة.

ويجري جمع الماء الساخن من فوق أسطح الشوارع في الصيف بواسطة شبكة الأنابيب تحت الإسفلت وتحزن بعد ذلك في مخازن تحت الأرض بنحو 100 متر. وفي الشتاء يجري ضخ الماء مجددا إلى شبكة الأنابيب التي تنقله إلى البيوت القريبة للتدفئة. وطبيعي فإن جزءا من هذا الماء سيستخدم لتدفئة الإسفلت الخارجي أيضا وحفظ درجة حرارته في الشتاء فوق الصفر.

من ناحية الاستخدام لتدفئة البيوت والمكاتب، هذا يعني تقليل التكلفة، وحفظ البيئة، وانبعاث ثاني أكسيد كربون أقل، واستخدام أمثل لمياه المطر. من ناحية الشوارع هذا يعني حياة أطول للإسفلت، تشقق وحفر أقل في الشتاء، انبعاث ثاني أكسيد كربون أقل، لا داعي لرشح الأملاح المضادة للثلوج في الشتاء، تكلفة صيانة أقل وزحام واختناقات أقل على الطرقات السريعة.

وذكر مخترع الطريقة المهندس الهولندي هينك فيرفيرييم أن النظام الذي ابتدعه يعني استخدام حرارة الإسفلت الذي ترتفع في أيام الصيف إلى 45 درجة مئوية. ويمكن للطرق، وإن كلفت اليوم مالا أكثر، أن تقلل على الدولة الكثير من المال، بل إن من الممكن تعويض التكلفة خلال 10 سنوات فقط. وحسب تقديراته «إذا حولنا كل طرقات هولندا السريعة إلى طرق منتجة للطاقة فستتوفر بين أيدينا طاقة هائلة لا تقل عن الطاقة التي تنتجها محطة نووية حديثة». ويتولى المهندسون، وفريق عمل من العمال المتخصصين، بناء أول وحدة تجريبية من شارع الطاقة على مسافة من الطريق السريع قرب نوتردام.