شارع الجميزة في بيروت.. سهر الرواد يؤرق راحة السكان

اتخاذ قرار بإقفال 9 ملاه وتحويلها للمشاة ليلا

لبناني يمر بجانب حانة أغلقتها السلطات في شارع الجميزة ببيروت (رويترز)
TT

منذ أن تحول شارع الجميزة في وسط بيروت إلى شارع السهر بامتياز وقبلة الرواد من مختلف المناطق اللبنانية، حتى صار مصدر التصادم و«المعارك» التي تنشأ يوميا بين السكان وأصحاب المطاعم. فهذا الحي السكني التراثي بأبنيته القديمة التي تشكل ذاكرة المكان خرقت هدوءه زحمة الملاهي الليلية والحانات التي ارتفع عددها بشكل كبير في الفترة الأخيرة، بما تحمله من ضجيج وزحمة سير وضوضاء صوت الموسيقى المرتفع حتى ساعات الصباح الأولى من دون تحديد وقت معين لإيقافها وإقفال الملاهي. مع العلم أن، وبحسب وزير السياحة اللبناني فادي عبود، «كل هذه الحانات والملاهي الليلية ليست قانونية، لأن الرخص المعطاة لأصحابها تمنحهم الحق فقط في فتح مطاعم».

واقع جعل أهالي الجميزة يرفعون الصوت عاليا في وجه أصحاب المطاعم من جهة والدولة اللبنانية من جهة أخرى بعدما ضاقت بهم «جدران منازلهم» في غمرة ضجيج الملاهي. منذ سنة تقريبا حمل هؤلاء وساداتهم ونزلوا بها إلى الشارع «يتسولون» ساعات النوم ويطالبون بحقوقهم الطبيعية في الراحة في منازلهم، وها هم اليوم يعودون إلى التحرك من جديد تحت شعار «سهار بس خليني نام». ولم يتوان نبيل الصفدي، أحد سكان الحي، من الإفصاح بأن أهل الجميزة لا يستطيعون النوم قبل تناول الأدوية المهدئة للأعصاب، مطالبا بإقفال كل الملاهي. كذلك فإن زحمة السير الخانقة التي يسببها العاملون في ««valet parking وسيارات الرواد وما ينتج عنها من ضجيج وإطلاق العنان لأبواق السيارات التي تصدح في المنطقة في ساعات الليل وتمنع أهالي المنطقة الوصول إلى منازلهم، تدخل أيضا ضمن الشكاوى الأساسية التي تؤرق راحة اللبنانيين في شارع الجميزة. فليس غريبا مثلا أن يضطر سكان المنطقة إذا عادوا في وقت متأخر إيقاف سياراتهم بعيدا والذهاب إلى بيوتهم مشيا على الأقدام هربا من زحمة السير التي تؤدي إلى إقفال الشارع. الأمر الذي جعل الأهالي يطالبون بمنع عمل المواقف الخاصة وتخصيص موقف خاص بعيدا عن الشارع لرواد المنطقة.

صرخة لاقت جوابا وإن كان متأخرا من الدولة اللبنانية، ولا سيما وزارتي السياحة والداخلية، فبعدما أنذر وزير السياحة فادي عبود أصحاب المحلات غير المستوفية للشروط بتسوية أوضاعها قبل 30 مارس (آذار) الماضي اتخذ في الأول من أبريل (نيسان) الحالي قرارا بإقفال 9 منها، واحدة لا تملك رخصة، والباقية لا تستوفي الشروط القانونية، بينما أعطيت مهلة إضافية لملاه أخرى لتسوية وضعها قبل اتخاذ قرار إقفالها. وحدد عبود الشروط القانونية بـ«خفض صوت الموسيقى والالتزام بمواعيد الإقفال، ووضع مخارج طوارئ، وتوفير الوسائل الصحية، ووضع عوازل للصوت والموسيقى، والتزام وجهة الاستثمار المحددة في طلب الترخيص»، مع العلم أن رخصة حانة لا تعطى في منطقة سكنية مثل منطقة الجميزة.

أما خطوة وزير الداخلية والبلديات اللبناني زياد بارود فقد تمثلت في إعلانه تحويل منطقة الجميزة ليلا إلى منطقة للمشاة فقط باستثناء أهالي المنطقة الذين يستطيعون إدخال سياراتهم باستعمالهم بطاقات ممغنطة خاصة تعطى لهم، إضافة إلى إخضاع المنطقة إلى المراقبة الدائمة عبر تركيز كاميرات مراقبة وتحويل «محطة شارل الحلو» في وسط بيروت مواقف للسيارات تسهل المهمة على رواد المنطقة.

وعلى الرغم من إشارة وزير الداخلية زياد بارود إلى أن جميع من عملوا على ملف «الجميزة» فشلوا حتى الآن، أكد أنه ليس من الصعب أن تتم «الموازنة» بين ما يطلبه أهالي الجميزة وأصحاب الملاهي، معتبرا أن حقوق السكان واضحة، وحقوق المستثمرين يجب أن تخضع للقانون.

ودعا بارود إلى تسوية بين السكان وأصحاب الملاهي، وأكد ضرورة تنظيم أوقات عمل المطاعم والملاهي، وتعزيز دور الشرطة السياحية. أما بالنسبة إلى المواقف الخاصة أو ««valet parking فدعا إلى ضرورة تنظيم هذه المهنة. وعن رأي سكان الجميزة في القرارات التي اتخذها وزيرا الداخلية والسياحة، قالت رئيسة لجنة أهالي المنطقة الدكتورة فاديا كيوان للـ«الشرق الأوسط»: «ما قام به الوزيران خطوة جيدة لغاية الآن، لكن ما يهمنا هو المضي قدما نحو التنفيذ، وأن لا تبقى القرارات حبرا على ورق كما كان يحصل سابقا حين كان يتم إقفالها ويعاد فتحها في اليوم التالي بعدما تدخل الوساطات السياسية على الخط». وتشير إلى أن القرار الذي أعلن عنه بارود يعبر عن مطلب الأهالي «لكن الأهم بالنسبة إلينا هو البدء في التنفيذ والتقيد بالقانون». وفي حين تؤكد كيوان حرص الأهالي على المحافظة على طابع منطقة الجميزة التراثي والسياحي ورفضهم إقفالها على أن يتقيد أصحاب المحلات بالشروط اللازمة لذلك، تلفت إلى أن الدكاكين الصغيرة ومحلات النجارة والموبيليا لا تزال تتحول بين ليلة وضحاها إلى حانة، الأمر الذي جعل المنطقة تفقد طابعها السكني ولا تتماشى مع متطلباته.