السيرك القومي المصري يودع مقره الشهير بجوار نيل القاهرة

أنشأه عبد الناصر في الستينات.. وفنانوه يحتجون على نقله

السيرك القومي بالعجوزة يعاني من الميزانية المتدنية ونقص الأجور
TT

بدا البلياتشو عمرو عاشور، وهو شاب في الثلاثينات من عمره، حزينا إزاء قرار وزير الثقافة المصري فاروق حسني بنقل مقر السيرك القومي إلى محافظة السادس من أكتوبر، على مساحة كبيرة تبلغ 23 فدانا، وهو يؤكد أن الموقع الجديد يليق بتاريخ فناني السيرك، بخاصة أن الموقع القديم أصابه التدهور وعدم النظافة.

يرى عاشور أن الأفضل من نقل السيرك هو تطوير السيرك الحالي، فهو نزهة الفقراء. ويتساءل في إحباط «مين هيجيلنا هناك؟!»، في إشارة إلى أن الموقع الجديد بعيد عن العمران وبعيد عن التجمعات السكنية وبعيد عن رواد السيرك خاصة من السياح العرب الذين يقطنون مناطق المهندسين والعجوزة وهي منطقة السيرك. وكل أولئك لن يأتوا إلى المكان الجديد.

تاريخيا، السيرك فن فرعوني، فالفراعنة أول من روضوا الحيوانات واستخدموها في الترفيه عن الملوك، وحديثا كان فن السيرك محصورا بين أسرتي عاكف والحلو، وبعد ثورة يوليو (تموز) 1952 اهتم جمال عبد الناصر بإنشاء سيرك قومي، ولم يكن أمامه سوى التجربة السوفياتية التي بهر بها عندما زار الاتحاد السوفياتي آنذاك، إذ كان السيرك الروسي الحديث من بين الأماكن التي يفتخر السوفيات بها أمام ضيوفهم.

وقرر عبد الناصر عقب عودته من إحدى زياراته لروسيا أن ينشئ السيرك القومي بالعجوزة، واستقدم الخبراء السوفيات في السيرك كغيره من المجالات المختلفة، وبدأت مدرسة السيرك في تخريج أبنائها بداية من افتتاحها في عام 1962 وحتى افتتاح السيرك رسميا في عام 1966، وظل السيرك القومي قويا رائدا ينتظره المصريون والعرب في جولاته في بلدان الوطن العربي المختلفة.

يقول محمد أبو ليلة، مدير السيرك «كل ما يريدونه هو قطعة الأرض، فهي 6 فدادين تطل على النيل، وتقدر بملايين الجنيهات، ولا يهمهم رواد السيرك أو عماله، فمن سيذهب إلى المقر الجديد؟ بالطبع لن يذهب أحد. إنهم يريدون قتل السيرك».

بدت الكلمات الغاضبة تخرج من أبو ليلة كالسيل «من أيام فتحي سعد (المحافظ السابق للجيزة) عندما طلب من (فاروق) حسني نقل السيرك لأنه يشغل مساحة كبيرة، فضلا عن انبعاث روائح كريهة منه بسبب ذبح الحيوانات لتقديمها إلى الأسود والنمور، وقتها قررنا عدم ذبح الحيوانات في حرم السيرك والاتفاق مع مورد للحوم لحل المشكلة».

وتابع غاضبا «بعدها طلعولنا بحكاية تانية، وهي أن سور السيرك لا يزيد ارتفاعه على متر ونصف المتر، وهو ما يعرض المشاة لمخاطر إذا ما هرب أحد الحيوانات».

ويضيف «عاوزين يدفعوا 100 مليون عشان ينقلونا، طب ما يدفعوا نصهم ولا ربعهم عشان يطوروا المكان هنا ويعملوا فرع في أكتوبر وإحنا موافقين، بس إحنا مكاننا هنا ومش هنروح حتة غير هنا».

ومن جهته، أبدى الوزير فاروق حسني تصميمه على نقل السيرك إلى مقره الجديد، مشددا على أن «قرار نقل السيرك لا رجعة فيه»، ورأى حسني أن العاملين بالسيرك القومي تنتابهم نظرة قاصرة للغاية تجاه مستقبلهم، خاصة أن وزارة الثقافة تعتبرهم كفاءات نادرة بالعالم العربي يجب الارتقاء بهم ورعايتهم وتنمية مهاراتهم وموهبتهم، ومسألة النقل والتطوير هي نوع من الارتقاء بهم وتقدير لوضعهم ومكانتهم التي يستحقونها.

ويقول حسني «السيرك على وضعه الحالي بالعجوزة لا يليق أبدا بهم، خاصة أنه يعاني من التدهور وعدم النظافة، وعليه يجب إنشاء مكان للسيرك القومي يتناسب مع اسمه ويتناسب مع العاملين به، ويكون واجهة حضارية لهم ولمصر ولموهبتهم الكبيرة النادرة».

ويدافع عن المشروع الجديد شريف عبد اللطيف، وكيل وزارة الثقافة، قائلا «إننا نسعى لإيجاد مقر سيرك حقيقي، فالمسألة ليست مجرد خيمة، فهناك أمور أكبر من تلك».. وتجنب عبد اللطيف الحديث عن مستقبل قطعة الأرض المقام عليها السيرك، بخاصة أنها تتمتع بموقع ممتاز، ويشكل المكان كله وحدة ثقافية متكاملة الأدوار، حيث يضم بجانب السيرك، مسرح السامر، وهو مهدم منذ سنوات، ولا يزال قيد الإنشاء من جديد، ثم قصر ثقافة منف، ومسرح البالون، وهو مسرح مخصص لحفلات الفرق الشعبية، ومسرح الغد، ويهتم بالتجارب الطليعية المسرحية.

ويرفض عبد اللطيف تطوير مقر السيرك الحالي، مشيرا إلى أن «حياتنا فيها مسكنات كثيرة، وجاء وقت التدخل الجراحي، وربما الآن هو الوقت الملائم للتدخل الجراحي وهو في مصلحة المريض».

لا تبدو مشكلات السيرك فقط في نقله، فعماله رواتبهم ضعيفة، وكما يقول وليد عاشور «أعمل في السيرك منذ أكثر من 26 عاما، أي عندما كنت في السابعة من عمري، وراتبي لا يتجاوز الـ500 جنيه، أي أقل من 100 دولار أميركي».

ويتفق معه أبو ليلة في أن رواتب عمال السيرك بسيطة، إذ لا يوجد دعم مادي، والأمر نفسه بالنسبة للفنانين في السيرك، فلم يتحسن وضعهم منذ رحيل وزير الثقافة الأسبق يوسف السباعي، وكما يقولون «مشكلات السيرك تتراكم يوما بعد آخر، في ظل ميزانية متدنية».