مع قدوم الربيع.. حبوب اللقاح تحول حياة ملايين الناس إلى جحيم

مجرد التعرض للهواء في مساحة مفتوحة يسبب لهم مشكلات حادة في التنفس والسعال وشعورا بالاختناق

كل عام في موسم الربيع تخصص المستشفيات غرفا خاصة لمعالجة مرضى الحساسية تجاه حبوب اللقاح (أ.ف.ب)
TT

أجبرت الحساسية الناجمة عن حبوب اللقاح، التي لطالما حطمت أعصاب الكثيرين، رجل الأعمال شيخ شير محمد (55 عاما) على التخلي عن عمله والبقاء داخل منزله. وسعيا للإبقاء على نفسه بعيدا عن الخلاء والمساحات المفتوحة، نادرا ما كان يتحرك إلى خارج منزله داخل مجمع «مارغالا» السكني في إسلام آباد.

ومع ذلك، تساعده هذه الإجراءات الاحترازية بالكاد على حماية نفسه من الإصابة بالحساسية الناجمة عن حبوب اللقاح مع قدوم فصل الربيع في العاصمة الباكستانية. ويجد محمد نفسه مضطرا لإغلاق جميع نوافذ وأبواب غرفة نومه والاحتفاظ بعدد من الأدوية بجانب سريره تحسبا لتعرضه لنوبة ربو.

وفي حديث أجرته معه «الشرق الأوسط»، قال محمد: «إن بضع قطرات من المطر أو عبير الأزهار أو حتى مجرد التعرض للهواء في مساحة مفتوحة يمكن أن يسبب مشكلة حادة في التنفس وسعالا شديدا واختناقا في الصدر».

من جهته، أوضح الدكتور أثار نياز رانا، رئيس قسم الحساسية والمناعة بمستشفى شيتا الدولي في إسلام آباد، أن الحساسية تجاه حبوب اللقاح قد تتفاقم لتصبح خطرا يهدد الحياة ذاتها.

واعترف في حديث إلى الصحيفة: «لا تتوافر لدينا أي سجلات، نظرا لأن الكثير من الوفيات التي تقع في إسلام آباد سنويا تمر من دون أن يلحظها أحد بسبب غياب الوعي».

واستطرد موضحا أنه «طبقا للأرقام الرسمية، هناك أكثر من 45.000 مريض يعانون من الحساسية تجاه حبوب اللقاح في إسلام آباد».

بوجه عام، تعد هذه الحساسية من الأنماط المعروفة في مختلف أرجاء العالم، وعادة ما تنجم عن حبوب لقاح النباتات التي تحملها الرياح من نبات لآخر.

داخل إسلام آباد، هناك نمطان من النباتات المسببة للحساسية تجاه حبوب اللقاح، يعد أسوأها الناتج عن ورق أشجار التوت التي تفرز كميات ضخمة من حبوب اللقاح خلال الربيع. أما النمط الآخر فيعرف باسم القنب، ويفرز كميات ضخمة من حبوب اللقاح خلال موسم الرياح الموسمية المطير الممتد من نهاية يوليو (تموز) حتى مطلع سبتمبر (أيلول).

إلا أنه بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجات حرارة الأرض، تبدلت الآن مواعيد تفتح الأزهار الخاصة بهذه النباتات. فيما مضى، كانت أزهار أشجار التوت تتفتح من نهاية فبراير (شباط) حتى مطلع مارس (آذار)، وتبلغ ذروتها في الأسبوع الأخير من مارس.

إلا أن موسم تفتح الأزهار تأخر هذا العام بسبب تأخر سقوط أمطار الشتاء. طبقا لما ورد في تقرير صادر عن أحد المعامل المحلية، بدأت أزهار شجر التوت في التفتح بعد 12 مارس، وجاوزت 25.000 علامة في هذا الوقت لتصل إلى ذروتها في 16 مارس بأكثر من 42.000 علامة.

في هذا الإطار، علق الدكتور عثمان يوسف بقوله: «على خلاف الحال في السنوات الماضية، باتت معدلات الإزهار أقل في الفترة بين 20 و24 مارس. ومع ذلك، فإنه لو أمطرت السماء ولو ليوم واحد، سيصل معدل حبوب اللقاح إلى مستويات ذروة غير متوقعة بحلول نهاية مارس».

جدير بالذكر، أن الصحف المحلية تحرص على الإشارة داخل صندوق أعلى صفحاتها الأولى إلى معلومات مفصلة بشأن كميات حبوب اللقاح المنتشرة في سماء المدينة، وذلك كي يتوخى المرضى الحذر ويتخذوا إجراءات احترازية لحماية أنفسهم عندما تصل كميات حبوب اللقاح إلى مستويات مرتفعة.

كل عام في موسم الربيع، تخصص المستشفيات غرفا خاصة لمعالجة مرضى الحساسية تجاه حبوب اللقاح. إلا أن الحكومة اتخذت خطوة إضافية هذا العام بإقامتها لمعسكر طبي مجاني لمعالجة هؤلاء المرضى داخل إسلام آباد.

وفي تصريحات لوسائل الإعلام، أعلن رئيس الإدارة المحلية في العاصمة الباكستانية أن تجربة إقامة هذا المعسكر أثبتت نجاحا كبيرا. وذكر طبيب يعمل في المعسكر قائلا: «نتولى علاج 200 مريض يوميا».

ويرى خبراء الحساسية في إسلام آباد أنه حال تشخيص المريض بالحساسية تجاه حبوب اللقاح وخضوعه للعلاج في المراحل الأولى من المرض، فإنه يتمتع بفرصة كبيرة للبقاء خارج دائرة الخطر. وأكد الدكتور رانا أنه في المقابل «حال تأخر تشخيص المريض بهذه الحساسية، من المحتمل أن تتردى حالته الصحية».

واستطرد موضحا أنه «عندما يكون المريض في حالة شديدة السوء، عادة ما أنصحه بالخروج من إسلام آباد والتوجه إلى أي مدينة أخرى مجاورة».

ويعتقد الأطباء الباكستانيون أن الانتقال إلى خارج العاصمة ربما يشكل سبيلا ناجعة لحماية المرء من الحساسية تجاه حبوب اللقاح، بدرجة أكبر من الأدوية والعقاقير الطبية.

وعن ذلك، قال الدكتور رانا: «هناك احتمال كبير أنه إذا انتقل المرء خارج إسلام آباد إلى مدينة أخرى لا توجد بها أشجار توت، سيشفى تماما».

بالنسبة لمحمد، رجل الأعمال، فقد جرى تشخيص حالته باعتبارها حساسية تجاه حبوب اللقاح منذ ستة أعوام، ونصحه الأطباء بالانتقال إلى مدينة أخرى لحماية نفسه من هذه الحساسية.

وقال: «منذ ستة أعوام، شعرت باختناق في صدري وصعوبة في التنفس واستشرت أطباء. وبعد إجراء بعض الاختبارات شخصوا حالتي بأنها حساسية تجاه حبوب اللقاح».

وأردف موضحا أن «مغادرة إسلام آباد لم تكن خيارا ممكنا لعدة أسباب على رأسها أن أعمالي التجارية تتركز في إسلام آباد. وثانيا، لم يكن من الممكن أن أترك أسرتي».

عاما بعد آخر، أخذت صحة محمد في التردي، وتسبب تناوله المستمر للعقاقير في تراجع شهيته للطعام، وبالتالي فقدانه بعضا من وزنه.

وقال محمد: «كل 20 يوما، كنت أضطر إلى تناول مضادات حيوية لمعالجة مشكلات الصدر».

الملاحظ أنه مع تفاقم المشكلات التي تسببها حساسية حبوب اللقاح لسكان إسلام آباد، تنامت الضغوط على عاتق الحكومة لاقتلاع أشجار التوت باعتبارها المصدر الرئيسي لهذه الحساسية.

وعليه، أعلن إمتياز عنايات، رئيس هيئة تنمية العاصمة، التي تعنى بنظافة وجمال العاصمة، أنه «في غضون العامين القادمين سنقضي على أشجار التوت لكونها مصدرا أساسيا في انتشار حساسية حبوب اللقاح».

وأضاف: «اجتثثنا 43.000 شجرة توت العامين الماضيين في إطار حملتنا لتطهير العاصمة من حساسية حبوب اللقاح. إننا نبذل قصارى جهدنا لاحتواء تفشي حساسية حبوب اللقاح، وسيتطلب الأمر عامين آخرين لاقتلاع آخر هذه الأشجار».

وأوضح المسؤول أن جهود اجتثاث أشجار التوت تجري بالمناطق التي تشهد التركيز الأعلى لها، مشيرا إلى أن القطاعين «إتش 8» و«إي 8» يضمان أكبر تركيز من أشجار التوت.

خلال الأيام الثلاثة الماضية، اقترب تركيز حبوب اللقاح في الجو في قطاع «إتش 8» من إسلام آباد إلى 33.000 للمتر المكعب من الهواء، وهي نسبة التركيز الأعلى داخل العاصمة طبقا لما أعلنته الشرطة.

وينصح الخبراء والأطباء المرضى بتجنب التعرض بلا ضرورة إلى العناصر المثيرة لحساسية حبوب اللقاح مثل الغبار والمبيدات الحشرية ودخان التبغ والطلاء الحديث والعطور والسير في الحدائق ووضع بسط على الأرضيات. كما نبهوا إلى ضرورة إبقاء المرضى نوافذ السيارات مغلقة أثناء الانتقال عبر القطاعات عالية التركيز بحبوب اللقاح من المدينة.

وقال الدكتور رانا إن هناك نقصا عاما في الوعي داخل العاصمة حيال خطورة المشكلة، موضحا أن «الكثيرين يموتون بسبب حساسية حبوب اللقاح لعدم تلقيهم العلاج في الوقت المناسب».

وشدد على أنه «ينبغي أن تشن الحكومة حملة لتثقيف أبناء المدينة بشأن هذه الحساسية والمشكلات التي يمكن أن تسببها».

واستطرد بأن بناء معسكر طبي واحد مجاني في المدينة ليس كافيا للتعامل مع المشكلة. وأضاف: «نحن بحاجة لمزيد من المعسكرات الطبية المجانية وللتوزيع المجاني للأدوية بداخلها».