التشكيلية المصرية هدى لطفي تحبس أوباما في زجاجة.. وتدعو لتحرير الرجل

في معرضها تحت عنوان «أن تكون رجلا»

من الأعمال المعروضة («الشرق الأوسط»)
TT

اتخذت الفنانة التشكيلية هدى لطفي من وضعية الرجل وعالمه مقوما فنيا لمعرضها الجديد بغاليرى تاون هاوس، بوسط العاصمة المصرية القاهرة. فتحت عنوان «أن تكون رجلا»، حاورت الفنانة فضاء الذكورة بكل متناقضاته، مركزة على الجسد كإطار للمعرفة والفن، ووسيلة لإغناء أعمالها التي يغلب عليها طابع التجهيز في الفراغ. مستعينة أيضا بشرائح متنوعة من الوسائط التعبيرية تشكل نوعا من الكولاج المجازي.. ففي أحد الأعمال تقرأ سطورا من رواية «أن تكون عباس العبد» للكاتب المصري أحمد العايدي، محفورة بخط مهذب على جدارية حمراء اللون، تظهر في منتصفها شخصية «باتمان» (الرجل الوطواط) الكارتونية الشهيرة، محاطة يمينا ويسارا بـ«كات وومان» (المرأة القط). مستغلة الصورة المتكررة لباتمان في توضيح الأيقونات الذكورية المثالية الحاضرة بشكل واسع في وسائل الإعلام ولعب الأطفال، في تشكيل وانضباط الجسد الذكوري.

تقول هدى لطفي لـ«الشرق الأوسط»: «معظم عملي مركز على فكرة الجسد، خاصة جسد المرأة المقيد في مجتمعنا العربي، ومع الوقت أدركت أن للرجل جسدا مقيدا هو الآخر، ربما بسبب وضعه في صورة القوي الذي يخوض الحروب، والمطلوب منه أخذ القرارات الحاسمة الناجحة، وكل الأدوار الافتراضية التي يفرضها عليه مجتمعنا، فهو مطالب بأن يكون سوبرمان.. الخارق.. الذي لا يهزم.. المنقذ الذي لا يُذل أبدا. وكل هذه الضغوط تسبب قلقا وتوترا نفسيا وروحيا، يحمله جسده بشكل تراكمي».

ويتكرر استخدام نموذج باتمان في جدارية أخرى باسم «خيال أميركي، صناعة صيني، عرض مصري»، فهي تجمع شخصيات الأكشن المفتولة العضلات من الأبطال السوبر وتماثيل المانيكان النصفية، مع صور لرجال عاديين، صُورت في شوارع القاهرة أو أُخذت من الإنترنت.

وكذلك تستخدم الإيقونات الثقافية كوضع صور الرئيس الأميركي باراك أوباما في جسد تمثال الحرية الشهير داخل زجاجة مغلقة بسدادة خشبية، معبرة عن رسائلها غير المباشرة إلى العالم «message in a bottle».

وكما عرضت هدى لطفي لشخصيات عالمية مشهورة مثل أوباما وألفيس بريسلي، فهي تطرقت لصور البقالين ورجال شرطة وكناسين وعمال وبنائين، ملقية الضوء على الأشكال الذكورية في الحياة اليومية التي غالبا ما يتم إغفالها، وهو ما تعبر عنه في عملها «وجوه مصرية» بوجوه ملتصقة فوق مقابض مجموعة من العكاكيز الطبية. وتوضح أن العكاز ربما يفسر بمعنيين.. الأول: أنهم فئات مهمشة في حياتنا اليومية، إلا أننا لا نستغني عنهم، وذكرهم في المعرض من باب التقدير والامتنان. الثاني: ربما يفسر العكاز على أنه مظهر للضعف والمرض والعجز.

تقدم هدى الذكورة كتيمات مستمرة ومتغيرة تتمثل في السلطة والضعف في آن واحد. مثلما يظهر في عملها النحتي «المسلة» المستوحى من التراث المعماري المصري القديم، لكنها توظفه كرمز ذكوري، مغطى بخليط من النصوص لكتاب مصريين وأفلام ومحادثات من الحياة الواقعية، مع صور ليد مفتولة العضلات. وهو ما يفسر نزعة التركيب وتعدد المستويات في معظم أعمال المعرض، وذلك من خلال استعمال مجموعات من الأشياء والصور المجمعة من أنحاء شتى، والتي تعطي معاني جديدة من خلال تراكيب مصممة بحرص، مثلما يظهر في عمل «لا أحد يفوز في المعركة بين الرجل والمرأة» الذي يتكون من رأس أصلع مجمع من قصاصات ورقية لحوارات إنجليزية من الأفلام السينمائية الشهيرة، كأنه نوع من الحوار الأبدي الذي لا ينتهي بين آدم وحواء. كما تلعب على مفهوم «الطاقة» من خلال مجموعة من الأقدام الفارغة البلاستيكية الشفافة تشكل دائرة مضاءة على أرضية خشبية، ويسقط عليها النور من زوايا معينة للإيحاء بأن القدم طاقة، وعتبة للبحث عن نورنا الداخلي.

ومن بين الأشياء اللافتة في المعرض حرص الفنانة على اكتشاف الأشياء المعاد تصنيعها، كاستخدامها للمانيكان والعكاز وأوراق الجرائد، فهي تتبني طريقة أركيولوجية في تنقيبها لمدينة القاهرة بحثا عن مواد لعملها، تنطوي على وقائع من حياتنا اليومية، ربما نتجاهلها بفعل الحياة العصرية السريعة التي نعيشها، ولتكسر من خلالها المفهوم التقليدي لمعارض الفن التشكيلي.

تقول هدى «أحرص دائما على أن أنتهج أساليب جديدة بعيدة عن الأساليب التقليدية للفن والمعارض، تدفع المشاهد ليفكر، ويتساءل فيما يري ويتلقى، إلا أن الفن المعاصر لا يأخذ وضعه في مصر حتى الآن. لذلك حرصت على أن يمثل هذا المعرض دعوة جديدة إلى التأمل واكتشاف حقيقة الذات بعيدا عن أدوارنا الحياتية والمؤثرات الاجتماعية والثقافية التي نلعبها بشكل روتيني - يومي».