سعف النخيل.. يُجَمِّل أساطير سيناء التاريخية

يصدر لأوروبا وأميركا ويتبارك به اليهود في أعيادهم الدينية

تم تصدير نحو 370 ألف سعفة للولايات المتحدة الأميركية العام الماضي ونحو 450 ألفا إلى إسرائيل خلال مواسم الأعياد («الشرق الأوسط»)
TT

دخل سعف النخيل في نسيج أساطير سيناء الدينية والتاريخية، خاصة من قبل المعابد اليهودية، التي تتخذه رمزا للبركة والقداسة في كثير من المناسبات والأعياد الدينية، كما يصدر لعدد من البلدان الأوروبية وكندا وأميركا للغرض نفسه.. فما إن تقترب تلك الاحتفالات والأعياد إلا ويملأ سعف النخيل المستورد من سيناء المصرية المعابد اليهودية، وتتزين به وجهات المباني في كل أنحاء الدولة العبرية، ويأتي هذا التقديس لسعف نخيل سيناء ظنا منهم أن سيناء هي أرض الميعاد المباركة التي وعدهم بها الرب.

وبعد سنوات كثيرة ظلت مصر تسمح بتصدير سعف نخيل سيناء إلى إسرائيل لاستخدامه في هذا الغرض، إلا أن السلطات المحلية بشمال سيناء قررت هذا العام منع تصديره لإسرائيل باعتبار أن قطعه أضر بثروة النخيل في سيناء والتي تقدر بـ367 ألف نخلة.

وحسبما يقول الدكتور سيد عطا أستاذ الأراضي الزراعية في جامعة قناة السويس فإن إقبال إسرائيل على استيراد سعف نخيل سيناء بات يهدد ثروة النخيل فيها، وهو ما انعكس على عمليات قطع سعف النخيل حيث أصبحت تتم في الآونة الأخيرة بصورة عشوائية وغير سليمة، مما أثر على إنتاجية النخيل الموجود في المنطقة. فعمليات القطع الجائر للسعف تؤثر على عملية التمثيل الضوئي والغذائي للنخل بما يؤثر على إنتاجيتها حيث إن السعف الأخضر يصنع غذاء النبات ويمد الثمار بما تتطلبه من مواد غذائية ومواد سكرية أخرى.

وأضاف: إن قطع السعف يستلزم اتباع طرق علمية وسليمة، ويقصد بها قطع السعف الأصفر والجاف والمصاب والسعف الزائد عن حاجة النخلة وإزالة الأشواك والرواكب والليف، ويجب أن يقتصر التقليم في السنوات الأولى من عمر النخلة على إزالة السعف الجاف فقط الذي توقف عن أداء وظيفته. كما يجب أن تتم طرق التقليم لكل نخلة حسب صنفها وقوة نموها، لافتا إلى أن مميزات التقليم أنه يسمح لأشعة الشمس أن تصل إلى (العذوق) مما يساعد في تحسين نوعية الثمار والإسراع في نضجها، كذلك المساعدة في تقليل الإصابة بالأمراض.

وعن أفضل أوقات قطع سعف النخيل قال: تكون عقب جمع الثمار مباشرة في فصل الخريف وفي أوائل فصل الربيع أثناء عملية التلقيح.

وأضاف أن جودة وإنتاجية نخيل سيوة والواحات أعلى أضعافا من إنتاجية نخيل سيناء، إلا أن نخيل سيناء لدى اليهود له مكانة خاصة لارتباطه لديهم بمعتقدات أنه من أرض الميعاد «سيناء» وأن هذه المنطقة هي التي ظهرت بها اليهودية لدى قناعتهم.

وأكد عطا أن السعف ليس الشيء الوحيد من منتجات النخيل الذي يتم تصديره، بل هناك الجمار وهو قلب النخلة حيث يتبرك اليهود بتوزيعه في الأعياد على المصلين داخل معابدهم للتبرك بأكله ويتميز بطعمه الحلو المائل للسكر.

ويقول سمير شبانة مصدر سعف النخيل من شمال سيناء: إن تصدير سعف نخيل سيناء له مردود اقتصادي على مصر حيث يتم تصديره لدول أجنبية وأوروبية ولا يقتصر تصديره إلى إسرائيل. مشيرا إلى أنه يصدر لكندا وهولندا وبلجيكا وإنجلترا وقد تم تصدير نحو 370 ألف سعفة للولايات المتحدة الأميركية العام الماضي، ونحو 450 ألف جريدة إلى إسرائيل خلال الموسم نفسه.

ويوضح شبانة أن السعف يتم تخزينه لحين تصديره حيث يتم ربط السعف في مجموعات ويتم وضعها في عبوات كرتونية ويتم وضع نحو 100 حزمة في العبوة الواحدة.

ويضيف: إن القطع يسمى «تقليم النخلة» ويتم فيه استخدام البلطة الكبيرة والمضلاع كأداة للقطع. كما يتوقف عدد السعفات المستخرجة من النخل على حسب طول النخلة وليس عمرها، ويتراوح عدد السعف المقطوع من النخلة الواحدة نحو اثنتين أو ثلاث تقريبا ويوجد بالنخلة الواحدة من 30 إلى 40 سعفة «جريدة». لافتا إلى أن عمليات التقليم لها آثارها وفوائدها على النخلة حيث تساهم في عملية التمثيل الضوئي للنخلة وتساعدها على النمو. ومن ثم، يحذر شبانة المزارعين من قطع قلب النخل، وهو ما يطلق عليه «الجمار» لاستخدامه في الأكل حيث يتمتع بمذاق طيب لما قد يسببه من توقف إنتاج النخلة وإصابتها بالعقم.

ويقول شبانة: إن القيادات التنفيذية في شمال سيناء اتخذت قرارات سابقة بوقف تصدير سعف نخيل سيناء لإسرائيل إلا أنه سرعان ما يتم التراجع عن هذا القرار وتعود عمليات التصدير. مشيرا إلى أن لجنة بيئية أقرت في تقرير سابق لها بسلامة نخيل سيناء وعدم تأثر عمليات إنتاج النخيل بقطع السعف.

ويتم استخدام السعف في بعض الصناعات المحلية ذات العائد الاقتصادي المحدود، كصناعة الأقفاص والخوص، كما يستخدم كبطانة للأثاث المنزلي، ويصل سعر الجريدة المستخدمة في الأغراض المحلية لنحو 25 قرشا وهو مبلغ زهيد جدا.

وتتميز هذه الصناعات المحلية بطابع فني حرفي، يدرس في معاهد الفنون الجميلة، حيث تصنع من السعف تحف فنية متعددة الأغراض ذات أشكال وألوان زاهية ونقوش فنيه.

ويتقاضى العامل في تقطيع السعف أجرة يومية تتراوح ما بين 40 إلى 50 جنيها عن تقطيع ما يقرب من خمس نخلات في اليوم الواحد، لذا يحرص المزارعون على تصدير السعف لما يحققه من عائد اقتصادي مرتفع. ويقوم بعض المزارعين في سيناء بشراء سعف النخيل من باقي المحافظات المصرية الأخرى لإعادة شحنه وتصديره لإسرائيل لزيادة الإقبال عليه.

ويطالب خبراء الزراعة في مصر بالاستفادة القصوى من سعف النخيل لتحقيق مردود اقتصادي. ففي دراسة أجراها الباحث الدكتور أحمد فؤاد عبد المطلب بمعهد بحوث الهندسة الزراعية، توصل إلى إمكانية استخدام سعف النخيل في تصنيع الأعلاف الحيوانية لسد جزء كبير من الفجوة المتزايدة فيها، من خلال استخدام آلة جرش وطحن لسعف النخيل من النوع الدقاق.. وأوصى البحث بضرورة جرش وطحن أوراق سعف النخيل لاستخدامها في تصنيع الأعلاف الحيوانية غير التقليدية.

وفي الخامس عشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام تبدأ الاحتفالات اليهودية بعيد البهجة، وقد سمي هذا العيد على مدى التاريخ بعدة أسماء من بينها «عيد السلام» و«عيد البهجة» ومدته سبعة أيام، ويأتي بعد عيد يوم الغفران، والمناسبة التاريخية لهذا العيد هي إحياء ذكرى «خيمة السعف» التي آوت العبرانيين في العراء أثناء رحلة الخروج من مصر، وكان هذا العيد في الأصل عيدا زراعيا للحصاد، وكان يحتفل فيه بتخزين المحاصيل الزراعية الغذائية للسنة كلها، ولذا فإنه يسمى بالعبرية «حج ها آسيف» أي «عيد الحصاد» وفي إسرائيل يُحتفل باليوم الأول من أيام عيد المظال على أنه يوم مقدس.

وتبرر إسرائيل إصرارها على استيراد سعف نخيل سيناء بأن السعف الذي تم استيراده في العام الماضي من منطقة الدلتا بمصر مصاب بأمراض خطيرة منتشرة في دول شمال أفريقيا.