قادمون جدد إلى لندن: تعلم الإنجليزية أحد أكبر التحديات التي نواجهها

عرب يشكون من قلة الاختلاط بالإنجليز.. ومن تكاليف التعليم الباهظة

شارع «إدجوار رود» الذي يعرف باسم «شارع العرب» فيه تسهل حياة العرب في العاصمة البريطانية، ولا يجعل تعلمهم اللغة الإنجليزية من الضرورات (تصوير: حاتم عويضة)
TT

الفكرة النمطية في دولنا العربية هي أن من يقضي في لندن مدة شهرين أو ثلاثة أو ربما ستة على أبعد تقدير فسوف يتعلم اللغة الإنجليزية بمنتهى السهولة، أما من يقضي أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام فلا بد أنه سوف يتحدث كأصحاب البلد وربما أفضل منهم.

ولكن هل الحقيقة كذلك؟ لعل الكثيرين يجهلون أن هناك من قضى نحو ثلاثين عاما في المملكة المتحدة من دون أن يتعلم سوى مفردات وجمل بسيطة لقضاء حاجاته اليومية، فما بالك بالقادمين الجدد؟! محمد الشامي (مصري، 32 عاما) قضى عامين ونصف في لندن لكنه يجد صعوبة في تعلم اللغة، ويقول: «أنا مصري ومتزوج من مصرية وأعمل في مكان عربي وأصدقائي كلهم عرب فكيف أتعلم الإنجليزية؟!».

ويوضح الشامي، الذي يعمل كعنصر أمن في مؤسسة عربية، مشكلته قائلا: «ليس لدي أصدقاء إنجليز، كما أنه ليس هناك وقت للتعارف، فأنا مشغول طوال اليوم بالعمل لتأمين مصاريفي ومصاريف أسرتي، الحياة صعبة وغالية هنا، يجب أن أدفع إيجار السكن والمواصلات والضرائب وما إلى ذلك، وليس لدي أموال إضافية لأنضم إلى دورة لتعلم الإنجليزية، كما أن مواعيد العمل تحرمني من ذلك أيضا»، ويبدأ عمل الشامي مساء وينتهي صباح اليوم التالي، وبالتالي عليه قضاء نهاره نائما. ويشعر الشامي بالمرارة فهو يدرك أن عدم تعلمه للإنجليزية يحرمه من فرص عمل كبيرة ولذا يجد نفسه مضطرا للعمل في أماكن عربية حصرا.

ويعد عدم الاختلاط بين الجاليات الأجنبية عموما ومع الإنجليز على وجه خاص، من أكبر العوائق التي تحد من تعلم الإنجليزية، التي تعتبر الأسهل من بين بقية اللغات الأوروبية كالفرنسية والألمانية والإسبانية. فأفراد الجالية العربية، عموما، يقيمون في أحياء متقاربة ويفضل أفرادها التعامل مع بعضهم وكذلك إقامة العلاقات الاجتماعية مع أفراد الجالية نفسها كما أن لهم أسواقهم ومراكز تجمعاتهم، الأمر الذي يحول من دون تعلم سريع للإنجليزية. ويشرح الشامي قائلا: «حتى لو التقيت الإنجليز فأنا لن أعرف كيف أعبر عن نفسي جيدا، ناهيك عن صعوبة فهم اللهجات المعقدة التي يتحدثون بها».

ويؤكد الشامي، الحاصل على بكالوريوس من كلية التجارة في القاهرة، أن «الذي لا يتعلم الإنجليزية سيشعر بالعزلة ولا يعرف ما أخبار البلد وما يجري فيه»، إذ سيصبح من العسير مطالعة الصحف الإنجليزية أو القنوات التلفزيونية.

وربما تقتصر المشكلة على البالغين، أما فرص الصغار فهي أكبر من ذلك بكثير لسرعتهم في التقاط المفردات عبر التلفزيون وتكوين صداقات مع أقرانهم من الأجانب. وللشامي ولدان أحدهما التحق بالمدرسة مؤخرا، ويقول: «ظروف أولادي حتما ستكون أفضل من ظروفي، لأنهم بالتأكيد سيتعلمون الإنجليزية».

أما إلهام شاكر (عراقية، 28 عاما)، فتقول إنها لم تتمكن من إيجاد فرصة عمل والاندماج مع المجتمع البريطاني المتعدد الأعراق والأصول إلا بعد مرور عامين، تصفهما بـ«القاسيين».

وتروي إلهام حكايتها قائلة: «عندما كنت في بغداد اعتقدت أن الأمر لن يستغرق سوى 4 - 6 أشهر لتعلم الإنجليزية، لكن الأمر استغرق عامين». وتضيف قائلة: «وجدت نفسي في لندن بعد أن حصل زوجي على فرصة عمل، وقد حصلت بدوري على تأشيرة دخول للمملكة المتحدة، لكن الحكومة البريطانية لا تتكفل بأي مصاريف لتعليم اللغة لأشخاص مثلنا، فهي تتكفل باللاجئين فقط، ولهذا كان علي أن أدفع تكاليف الدراسة، الأمر الذي كان متعسرا حينها، فراتب زوجي لا يسمح لي بالاشتراك في دورة تعليمية».

وتشرح معاناتها: «لقد بقيت عاما كاملا في البيت، فشلت خلاله في الحصول على أي فرصة للعمل بسبب اللغة الإنجليزية، حتى أبسط الأشياء كان يجب أن يرافقني زوجي لقضائها، مثل زيارة الطبيب أو الذهاب للمصرف أو البريد وما شابه».

وتقول إلهام، الحاصلة على بكالوريوس في اللغة العربية وكانت تعمل صحافية في إحدى الفضائيات العراقية، إن سكنها بالقرب من شارع «إدجوار رود» الذي يعرف باسم «شارع العرب» لكثرة وجود الجالية العربية فيه، حيث تتوزع على جانبيه محلاتهم ومقاهيهم الصغيرة، سهل عليها القيام بالكثير من المهام اليومية وخصوصا التسوق لأنها تتحدث مع الباعة بالعربية، لكنها عانت في الوقت نفسه لأن ذلك لم يتح لها ممارسة الإنجليزية.

والتحقت إلهام مؤخرا بمدرسة لتعليم اللغة الإنجليزية بعد حصولها مصادفة على منحة مجانية، وبعد انقضاء نحو أربعة أشهر من الدراسة المكثفة شعرت بأن لديها الثقة في أن تقضي احتياجاتها بنفسها، كما حصلت على عمل كبائعة في محلات «إسبري» التي تعتبر واحدة من أرقى المحال التجارية في العاصمة البريطانية.

وتبتسم إلهام اليوم وهي تستذكر معاناتها مع الإنجليزية التي لم تتقنها بعد، ولكنها تتطلع إلى 3 سنوات أخرى لكي تتحدث بها بطلاقة.

ويشعر الكثيرون بالحرج من الإقرار بأنهم بعد قضاء سنوات في لندن، لا يتحدثون سوى جمل بسيطة بالإنجليزية، بينما رفض آخرون التعليق على الموضوع عندما حاولت «الشرق الأوسط» التحدث إليهم. وقليل ممن يتحلون بالشجاعة أقروا بأن لديهم مشكلة. بينما أشارت إحداهن إلى مفارقة وهي أنها عندما كانت في بلدها الأم اعتادت أن تتحدث بصورة أفضل بالإنجليزية لأنها كانت تعمل في مؤسسة أميركية، مضيفة، رافضة الكشف عن اسمها، بأن لغتها الإنجليزية تراجعت كثيرا بعد أن بدأت العمل في شركة عربية في لندن.

وترى كاتي إيفنز، مديرة مدرسة «ريال أكشن» المتخصصة في تعليم اللغة الإنجليزية، أنها ساهمت في تغيير حياة الكثير من الأجانب من خلال العثور على فرصة عمل والاندماج في المجتمع بعد أن تعلموا اللغة الإنجليزية في مدرستها.

وتعمل كاتي منذ سنوات طويلة في مكتبها الصغير شمال لندن وهي تستقبل يوميا عشرات من الراغبين في تعلم اللغة الإنجليزية من القادمين الجدد للملكة المتحدة، وأغلبهم من اللاجئين الذين جاءوا من مختلف أصقاع العالم، من بينها العالم العربي.

وتصف كاتي طريقة التدريس بأنها «سهلة» وأنها تعلم اللغة الإنجليزية الدارجة وليس اللغة الرسمية الفصحى. وتوضح كاتي لـ«الشرق الأوسط» أن مدرستها تستخدم ما يعرف بطريقة «كالن» لتعليم اللغة الإنجليزية بسرعة.

وهذه الطريقة كانت قد ابتكرت من قبل ضابط في الجيش البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية لتعليم الجنود المرتزقة من الهنود ودول أفريقية على تعلم الإنجليزية خلال ستة أشهر قبيل انضمامهم إلى صفوف الجيش البريطاني. غير أنها أصبحت لاحقا طريقة شائعة في المدارس لتعليم الإنجليزية.

وتقول كاتي لـ«الشرق الأوسط» إن «إحدى المشكلات التي يواجهها القادمون الجدد للاستقرار في المملكة المتحدة هو صعوبة إيجاد مدارس تعلم الإنجليزية بسرعة وبصورة فاعلة، ولذلك فإنهم يسلكون في الغالب طريقا غير الذي رسموه لأنفسهم لدى وصولهم إلى هنا، ولذلك يبنون آمالهم على أطفالهم الذين يتعلمون اللغة أسرع من البالغين، لكنهم في الوقت نفسه لن يشكلوا عونا لأطفالهم في تعلم اللغة لأنهم ببساطة لا يجيدونها».

وتضيف كاتي: «يتحول البالغون تدريجيا إلى عبء على المجتمع لأنهم يعيشون على المنحة الحكومية، كما أنهم غير قادرين على الحصول على عمل بسبب حاجز اللغة. وأعتقد أن أغلب القادمين إلى هذا البلد لم يخططوا لأن يجدوا أنفسهم في هذا الموقع لكنهم اضطروا إلى ذلك». وتؤكد كاتي أن مدرستها تستقبل سنويا نحو ألف طالب يشكل العرب نسبة 20 في المائة منهم، أغلبهم من العراق ولبنان ومصر والمغرب.

وتشعر كاتي بالفخر وهي تتحدث عن طلابها وكيف تمكنت المدرسة من مساعدتهم في حياتهم قائلة: «يأتينا أحدهم وهو يعمل منظفا في مطعم وبعد عدة أسابيع من دوامه في المدرسة يتحول إلى نادل، وبعد أشهر أخرى ينتقل إلى وظيفة أكبر من ذلك، لقد غيرنا حياة الكثير من الأشخاص».