الهنديات.. «السادة الجدد» اللائي يدرن السياسة الخارجية

يشكلن ربع العاملين في السلك الدبلوماسي الهندي وسفيرات لدى عدد من الدول العربية

نيروباما راو
TT

تعيش النساء الهنديات حاليا أزهي عصورهن، فقد أصبحن السادة الجدد اللائي يدرن السياسة الخارجية الهندية. فقد تمكنت النساء من اختراق المجال الذي كان حكرا على نظرائهن من الرجال ليصبحن سفيرات في عواصم أجنبية تعتبر بعضها غاية في الأهمية في العلاقات الهندية وبعضها الآخر غاية في القسوة والخطورة بالنسبة إليهن.

من بين 600 دبلوماسي في وزرة الخارجية الهندية توجد 129 سيدة، لكن العدد لا يمثل أهمية بقدر ما تمثله المهام الجسام التي تضطلع بها هؤلاء السيدات والتي يطمح الكثير من الرجال إلى نيلها. وبدءا من الولايات المتحدة إلى أستراليا، ومن قطر إلى ليبيا، تواجه السفيرات الهنديات تحديات الحرب وينازلن الخصوم على طاولات المفاوضات، كما ترأس عدد من النساء البعثات الهندية والقنصليات حول العالم بأعداد كبيرة، ولعل المدهش وجودها في العالم العربي الذي نادرا ما ترسل الدول الغربية دبلوماسييها من النساء للعمل فيه.

فكانت ديبا غوبالان أول سفيرة هندية لدى قطر تأخذ مكانها بين نظرائها من السفراء الرجال. وقد بلغت في فترة عملها التي استغرقت عامين من الوصول إلى مناطق في العالم العربي ما لم يتمكن الكثير من نظرائها من الرجال من الوصول إليه.

كما ترأست نينغتشا لوفوم السفارة الهندية في بيروت، حيث أشرفت على إجلاء الهنود العاملين في البلاد خلال الحرب مع إسرائيل، كما أسهمت أيضا في إجلاء مواطنين من دول أخرى مثل سريلانكا وبنغلاديش ودول جنوب آسيا الأخرى، وتلقت إشادات من هذه الدول. وتشعل لوفوم الآن منصب سفيرة الهند لدى صربيا.

وكانت مانيميكالاي موروغيسان واحدة من سفيرتين للهند لدى ليبيا، وكانت قد عملت من قبل في السودان، التي تشكل صعوبة حتى بالنسبة إلى نظرائها من الرجال.

حتى في السياسة الخارجية يطمح إليها الجميع للعمل سفراء فيها كروسيا والولايات المتحدة والصين. وقد تمكنت النساء الهنديات من اختراق هذه الحصون، فكانت نيروباما راو أول هندية تشغل منصب سفيرة للهند لدى الصين في الوقت الذي كانت فيه بلادها بحاجة إلى الدعم الصيني خلال توقيع الاتفاق النووي بين الهند والولايات المتحدة الأميركية. باشرت راو عملها إبان احتجاجات التبتيين في الهند، حين ثار غضب الصين من الموقف السلبي للهند، ولم يكن هيّنا عليها أن تواجه استدعاءين في يوم واحد من قِبل وزارة الخارجية الصينية، لكن راو أصرت على أن الأمر مشروع تماما نظرا إلى حساسية قضية التبت. وقالت: «عندما يتطلب الأمر تدخلا سوف نتدخل».

وقامت وزارة الخارجية الهندية بتعيين ميرا شانكار، الدبلوماسية البارزة، سفيرة في واشنطن العام الماضي، وهو ما يعد أرفع المهام الدبلوماسية في عرف الخارجية.

وكان عام 2009 فاصلا في تاريخ المرأة الهندية، حيث كانت نيروباما راو أول امرأة هندية تشغل منصب وزير الخارجية. ويقول مسؤول في وزارة الشؤون الخارجية الهندية مشيرا إلى الكثير من البعثات الدبلوماسية والمناصب الحكومية التي تشغلها هنديات: «الأمر لا يقتصر فقط على وزارة الخارجية بل انظر إلى عدد النساء اللاتي يتولين مناصب حساسة في الدولة». فتشغل سوجاثا سنغ منصب رئيس المفوضية العليا في أستراليا. وباسواتي موخرجي سفيرة الهند في اليونسكو. وريفا غانغولي داس القنصل العام للهند في شنغهاي. وبيرمورسا شارما تراسي البعثة الهندية في لشبونة. وشيترا نارايانان سفيرة الهند لدى سويسرا، وميترا فاشيشت سفيرة الهند لدى كوبا. وفيجايالتاثا ريدي رئيس بعثة الهند في تايلاند، وروتشي غانشيام سفيرة للهند لدى غانا، ولافانيا براساد سفيرة الهند في قبرص.

وفي الهند ذاتها شغلت النساء الكثير من المناصب العليا في البلاد مثل لاثا ريدي التي تشغل منصب وكيل وزارة الخارجية الهندية للشرق وبارباتي سين فياس وكيل وزارة الهندية لدول أوروبا. إلى جانب تولي الكثير من النساء مناصب قيادية في وزارة الخارجية بصورة غير مسبوقة.

وكان مبدأ المساواة بين الجنسين قد وصل إلى أقصاه مع وصول السيدات إلى أروقة وزارة الخارجية حيث كسرن سطوة سيطرة الرجال على مقاليد السياسة الخارجية. وقد تكون روتشي غاناشيام، المفوضة العليا للهند في غانا، الدليل الأبرز على ذلك. فقد كانت الهندية الأولى التي تشغل ترأس بعثة الهند في إسلام آباد في الوقت الذي كانت المضايقات التي يتعرض لها الدبلوماسيون الهنود في باكستان أمرا مألوفا والحياة بالغة الصعوبة هناك.

عملت غانشيام أيضا في نيبال وبعثة الهند في نيويورك، ولم تواجه أي تمييز، وتقول إنها كانت تُعامَل كمحترفة طوال عملها.

وكانت فيجاي لاكشامي بانديت أول سفيرة للهند لدى موسكو إبان الاتحاد السوفياتي السابق في حكومة رئيس الوزراء الأسبق جواهر لال نهرو كما ترأست السفارة الهندية في واشنطن والمفوضية العليا في لندن. لكن بانديت لم تكن تنتمي إلى وزارة الخارجية آنذاك. وعلى الرغم من براعتها يمكن للبعض الاحتجاج بأن كونها شقيقة جواهر لال نهرو ساعدها كثيرا.

كانت الأوضاع مختلفة حتى وقت قريب فلم تشغل النساء مناصب عليا في وزارة الخارجية ولم ترقَ إلى مرتبة مساعد الوزير، أو ترأس البعثات الدبلوماسية بل كن يشغلن مناصب مساعدين لهم، أو يتم تعيينهم في مناطق نائية من العالم أو منحهم مهمات ذات أولويات أقل.

وتستدعي فينا سيركي، المفوضة العليا إلى بنغلاديش، كيف كان الآباء خلال عقدي الستينات والسبعينات يترددون في إرسال بناتهم إلى دول أجنبية بمفردهن. إلى جانب ذلك كانت الوظائف محظورة على السيدات المتزوجات وإذا ما رغبن في الزواج فعليهن الحصول على إذن من الوزارة. المدهش أنه حتى الرواتب لم تكن متساوية فقد كانت النساء يتقاضين رواتب أدنى من نظرائهن من الرجال الذين يعملون في نفس الوظيفة. لكن ذلك لم يعد قائما الآن.

لم يكن الأمر سهلا لتغيير هذه الأفكار. ويعود الفضل في إجبار الحكومة على تغيير سياستها من التمييز على أساس الجنس إلى سي بي موثاما، أول دبلوماسية هندية عام 1949. والآن تشغل النساء الهنديات عددا كبيرا من المناصب أكثر من ذي قبل، ولديهن القدرة على السفر وارتياد مناطق جديدة وجعل وزارة الخارجية الهندية مطمحا لكل فتاة هندية.

شهد النصف الثاني من العام الماضي تقاعد عدد من السيدات الرائدات في مجال العمل الدبلوماسي الهندي، فقد تقاعدت سي بي موثاما وكي روكميني مينون - أول وثاني سيدة تعمل في وزارة الخارجية - لكنهما تركتا إرثا مشرّفا لسيدات برزن في الصف الأول للسياسة الخارجية الهندية. فقبل ثلاثين عاما واجهت النساء تفرقة غير مبررة في أروقة وزارة الخارجية حيث يسرن بثقة في الوقت الحالي.

جاء وقت في السابق كان على النساء العاملات في وزارة الخارجية التعهد فيه بتقديم استقالة إذا ما تزوجن. لكن هذه القواعد الصارمة وغير العادلة تم تغييرها بفضل سي بي موثاما التي لجأت إلى المحكمة العليا في الهند للاحتجاج على التفرقة على أساس الجنس، وربحت الدعوى.

وفي كتابها «مذبوح من النظام: الأزمة الحقيقية في الهند» تقول: «عندما سمح القانون باصطحاب رئيسة البعثة الدبلوماسية زوجها على نفقة الدولة مرافقا لها، رُفض طلبي في مرافقة أمي لي لأن القوانين كانت تنصّ على (هو) لا (هي)».

وتذكر أيضا أنه قبل أي من 30 عاما لم يتراجع جاغات مهتا عن رسالته التي جاءت في ثلاث صفحات والتي قال فيها للنساء العاملات في الوزارة ألا يتوقعن ألا يتم تعيينهن حيث يعمل أزواجهن. وقد رأت النساء في ذلك مشكلة، لا الرجال الذين سعوا للحصول على مناصب أعلى. ولم يتراجع الوزير إلا بعد تهديد الأربعين سيدة العاملات في الوزارة باللجوء إلى المحكمة العليا.

وتروي موثاما كيف لم يرغب أحد في إرسالها خارج البلاد بحجة أنها قد تضطر إلى السفر في أثناء الليل.

وقد رفضت المحكمة العليا القضية، لكن قبل أن تحكم على أن القضايا التي أثارتها الشاكية لا يمكن رفضها.

وتقول نيلام ديو القنصل العام الأسبق في نيويورك، التي شغلت منصب سفيرة الهند لدى ساحل العاج عندما اندلعت أعمال العنف هناك: «لم تكن بنات جيلي خصما سهلا، لكن التمييز كان على أشده. فقد كان الرجال يعتقدون أنهم يحمون النساء، ولكنهم انتهوا إلى إقصائهن». وتشير إلى ضرورة تحدي القوالب النمطية طوال الوقت، فتقول: «إننا لا نرسل المرأة إلى المناطق التي لا تتقبل النساء في موضع قوة، لكننا نرسلهن إلى شمال أوروبا لأننا نعتقد أن أوروبا قادرة على تقبل المرأة. من المفارقة أن تعين ديو سفيرة لدى الدانمرك، وهو منصب مريح وليس بالتأكيد أحد الأماكن التي تخوض فيها الهند معاركها.

لكن بهذه الصورة التي ترتقي بها النساء سلم وزارة الخارجية الهندية، لن يمضي وقت طويل حتى تسيطر النساء على مقاليد الأمور بها.