الفخامة والغموض في لوحات الشيخ راشد آل خليفة

يقيم معرضا شخصيا بعنوان «اللوحة المحدبة: منظور جديد» في متحف البحرين الوطني

الفنان البحريني الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة داخل مرسمه
TT

افتتح في متحف البحرين الوطني المعرض الفني الخاص بالفنان البحريني الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة، الذي يحمل عنوان «اللوحة المحدبة: منظور جديد»، ويشتمل المعرض على 50 عملا فنيا قام الشيخ راشد بإنجازها خلال عشرة أعوام، حيث شهدت أعمال الفنان في هذه الفترة تناغما في الأبعاد بين الشكل والمضمون وامتزجت الألوان والمكونات بشكل غير تقليدي لتعكس بذلك النضج الفني والروح الإبداعية التي يمتاز بها.

وخلال الافتتاح الخاص للمعرض مساء أول من أمس احتشد عدد كبير من نخبة المجتمع البحريني، على رأسهم الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، ومجموعة من الوزراء والأعيان، إلى جانب كثير من المهتمين بالفنون والصحافيين والنقاد وأصحاب المعارض الفنية، وعدد من كبار الضيوف من أرجاء العالم، كان من بينهم الأميرة وجدان الهاشمي، مؤسسة ومديرة الجمعية الملكية للفنون الجميلة في الأردن؛ والشيخة لولو الصباح العضو المؤسس لشركة «جام» JAMM للخدمات الاستشارية الاستراتيجية الفنية المستقلة؛ والدكتور خالد خريس، المدير العام للمتحف الوطني للفنون الجميلة في الأردن، وفايز بركات، صاحب «مجموعة بركات للتحف والآثار» في لندن، وبيفرلي هيلز وأبوظبي؛ والفنان آدم حنين، وغيرهم.

وتتمتع اللوحات الفنية للشيخ راشد بتركيبة غنية، فهي مكونة من طبقات مصقولة بحرفية وتقنية عاليتين، تزخر بمزيج راق من الألوان يمتع النظر ويحاكي الوجدان، ويرسم هذا المعرض صورة عن أهم المحطات في المسيرة الفنية للشيخ راشد آل خليفة، الذي يشغل منصب وكيل وزارة الداخلية لشؤون الجنسية والجوازات والإقامة، ويقدم تشكيلة متنوعة من أفضل الأعمال التي أنتجها خلال مسيرته الحافلة.

يذكر أن الشيخ راشد آل خليفة بدأ مسيرته الفنية في الستينات من القرن الماضي برسم المناظر الطبيعية، لينتقل بعدها في عقد الثمانينات إلى الأعمال المجازية، ثم ليتحول إلى المدرسة التجريدية في مطلع التسعينات. وتعكس أعماله منذ عشر سنوات عملية الانتقال التدريجي إلى التجريدية بشكل كامل، إضافة إلى الاعتماد المتزايد على اللوحة المحدبة.

منذ سنوات والشيخ راشد يعتمد الرسم على لوحاته المحدبة. وسنة بعد سنة، أعطى لنفسه حرية أكبر في الانتقال من تصوير الأشكال المفهومة في أعماله الفنية، حيث بدأت الألوان تمتزج وتتناثر بلا قيود، كما أصبحت لوحاته تتكون من عدة طبقات، لتكون النتيجة النهائية أشبه بسلسلة جبلية من الألوان المجردة تضم القمم والوديان، وكأنها كوكب مليء بالألوان عند رؤيتها من بعد. إلا أن هذه الأعمال لا تصور كواكب أو جبالا، بل هي أعمال لا تحمل موضوعا محددا.

ويقول الفنان الشيخ راشد آل خليفة، إن الرسم على اللوحة المحدبة أتاح له «زيادة الطابع التجريدي لأعمالي الفنية. كما أن اللوحة المحدبة تتيح للمشاهد التفاعل مع عناصر اللوحة بشكل لم يكن ممكنا في أعمالي السابقة، إضافة إلى أنها تقدم للمشاهد منظورا جديدا ورؤية من زاوية مختلفة».

وفي لوحاته المحدبة الأخيرة، استخدم الفنان مواد جديدة، مثل الورنيش الصيني والقماش والصمغ لإكمال انحناءات اللوحة. كما اكتسبت اللوحات عمقا أكبر وألوانا أكثر قتامة، في الوقت نفسه الذي أصبحت فيه تحمل تأثيرا دراميا أكبر.

وتحاكي أعمال الشيخ راشد روحا فنية لا تعتمد الأبعاد المادية بألوان زاهية فحسب؛ بل تخاطب الجمال وتجسده بحرية وإبداع. فلغة الحوار التشكيلي لديه هي الألوان ولوحاته هي السيمفونية التي يعزف من خلالها أجمل الإيقاعات اللونية التي تطرب العين بأرقى موسيقى بصرية. وامتازت أعماله الفنية التي قام بتشكيلها من عام 2000 إلى عام 2008 بأبعاد ثنائية مزجت بين الألوان المجردة والتعبير التجريدي بأسلوب خاص بعيدا عن الأطر التجريدية الحديثة، فأطلق العنان لريشته لتحلق بعيدا في عالم اللوحة بمزيج من الألوان الزيتية بصورة متناغمة ومتناسقة تارة وبشكل عفوي تارة أخرى، وبضربات أفقية وعمودية شكل هذه الطبقات ومن ثم قام بصقلها وتشذيبها بحرفية عالية، ليظهر بذلك العمق الحقيقي للوحة المحدبة ويبرز فيها مكامن الجمال والإبداع.

لقد أمضى الشيخ راشد نحو 40 عاما في البحث والتأمل من خلال الرسم بعلاقة غير جدلية تطورت فيها أعماله من المرحلة الانطباعية إلى الرمزية فالتجريدية. فهو يمتلك فلسفة خاصة يترجمها من خلال أعماله الفنية، ففي الربع الأخير من عام 2009 إلى مطلع عام 2010 قام الفنان باستكمال مجموعة من اللوحات المحدبة أحادية اللون بأحجام مختلفة. وبشكل مختلف ومغاير لكل ما هو تقليدي، استطاع الفنان أن يدخل مواد جديدة مثل الورنيش الياباني والقماش والصمغ، بطريقة تقنية أضفت على لوحاته بعدا آخر. تتصف أعماله الحديثة بالفخامة والغموض وتعبر عن فكر فلسفي عميق وطاقة إبداعية خلاقة، نتجت عن موروث فني ثقافي عريق. فبهيمنة اللون الأسود الملكي وبمزيج من الأحمر الناري والأبيض النقي، تأخذك هذه اللوحات لتبحر بعيدا في عالم من الإيحاءات والوجدانيات. يذكر أنه قد سبق للشيخ راشد أن أقام معارض خاصة بأعماله في كل من البحرين وفرنسا وسويسرا والولايات المتحدة (ميامي وواشنطن) وإيطاليا والأردن. وهذا المعرض هو الثالث الذي يقيمه في البحرين، كما أنه شارك في معارض جماعية في أوروبا والشرق الأوسط والشرق الأقصى.

سيستمر معرض «اللوحة المحدبة: منظور جديد» المقام في متحف البحرين الوطني من 12 أبريل (نيسان) ولغاية 12 يونيو (حزيران) 2010.