قصة أقوى العائلات الباكستانية في «أغنيات الدم والسيف»

ابنة شقيق بي نظير بوتو تقوم بجولة لتدشين كتابها حول آل بوتو

بي نظير بوتو تلقي بالورود على قبر والدها ذو الفقار علي بوتو (رويترز) وفاطمة بوتو أثناء إطلاق كتابها في نيودلهي (أ.ف.ب)
TT

يبدو أنها تتعامل بسهولة مع حقيقة كونها عضوا في أسرة عريقة، حيث تقوم فاطمة بوتو، حفيدة ذو الفقار علي بوتو، رئيس الوزراء الباكستاني السابق، وابنة شقيق بي نظير بوتو، أول رئيسة وزراء للبلاد، بزيارة للهند لتدشين كتاب لها بعنوان «أغنيات الدم والسيف»، الذي يتناول قصة واحدة من أقوى العائلات الباكستانية - آل بوتو.

وتعمل فاطمة، الفتاة الجميلة ابنة السياسي الباكستاني مير مرتضى بوتو، الذي تعرض للاغتيال، على إثبات أنه في الوقت الذي يمكن بسهولة قتل الأرواح داخل دولة مضطربة سياسيا، مثل باكستان، يبقى من المتعذر محو الذكريات.

ويدور كتابها، المتسم بنبرة حادة، حول قصة فتاة ولدت في عائلة من أبرز العائلات السياسية على مستوى العالم، ولا تزال تسعى للقصاص لمقتل والدها، وتناضل عاطفيا من أجل التكيف مع 3 حوادث قتل مؤلمة طالت عائلة بوتو.

وأوضحت فاطمة أنها استقت عنوان كتابها «أغنيات الدم والسيف» من قصيدة ألفها الشاعر الإيراني اليساري خوسرو غولسورخي، الذي حوكم وأعدم في بلاده في ظل حكم الشاه، لمواقفه المناهضة للفساد والنفاق. جاء حديث فاطمة خاليا من أي خيلاء أو غطرسة، وتميز بالوضوح، وكان في الجزء الأكبر منه متفائلا. وحملت عيناها وميضا قويا، على الرغم من مسحة الحزن التي بدت فيهما. وعندما تنظر إلى ابتسامتها المتلألئة، يساورك اعتقاد بأنها مجرد امرأة شابة مفعمة بالحياة قادمة من الجانب الآخر من الحدود. بيد أن المظاهر، مهما كانت جميلة، تبقى خادعة. ومع ذلك، يبدو أن كتفي فاطمة الرقيقتين تحملان بسهولة أعباء هذه العائلة الكبيرة. في الحقيقة، مع حملها لقب مثل بوتو، لا بد أن الحياة لم تعدُ سلسلة من الرفاهية والرخاء لفاطمة، التي بدأت تشتهر الآن ككاتبة. لكن اسم العائلة الكبيرة لم يكن يوما ضمانا للسلام والسعادة. بالنسبة إلى فاطمة، لا يدور التساؤل الأكبر حول رفاهية الحياة، في الواقع الحياة ذاتها أصبحت بمثابة رفاهية لأفراد عائلتها، مع تعرض الكثيرين من أحبائها المحيطين بها للموت في سن صغيرة.

على سبيل المثال، قتل والدها، مرتضى بوتو، 42 عاما، بعد أن أصيب بأعيرة نارية في كراتشي عام 1996، في وقت كانت تموج باضطرابات. وبعد عقد، فقدت فاطمة عمتها بي نظير بوتو، التي تولت رئاسة الوزراء لفترتين، والتي اغتيلت في الـ56 من عمرها، في ديسمبر (كانون الأول) 2007. وفي عام 1979، أعدم جدها ذو الفقار علي بوتو، 52 عاما، الذي تولى منصبي الرئيس ورئيس الوزراء، بينما لقي شاهناواز، 27 عاما، عم فاطمة، مصرعه في حادثة غامضة في باريس عام 1985.

الآن، في سن الـ27، تعد فاطمة واحدة من النقاد النشطاء في باكستان، وكاتبة سياسية، وتسلط سوط انتقاداتها الحادة على القيادة الباكستانية، بما في ذلك الرئيس آصف علي زرداري، زوج عمتها الراحلة، لعدم اتخاذه جهودا كافية للقصاص من قتلة والدها.

في حديث إلى «الشرق الأوسط»، قالت فاطمة: «كان والدي كل شيء بالنسبة إليّ. لقد أسهم في تشكيل حياتي كلها، حيث اعتاد تولي قص شعري، واختيار ملابسي. كان الشخص الذي يشجعني دوما، وكان يرغب في أن تكون لي أفكاري الخاصة. وقد كان النافذة التي تعرفت من خلالها على العالم. وكان يرغب في أن أمتهن الكتابة..». الواضح أن حياة الابنة الصغيرة لا تزال تعاني فراغا كبيرا.

ووصفت في كتابها الأخير مشهدا لها عندما كانت في الـ14 من عمرها، وشاهدت والدها ملقى في بركة من الدماء داخل مستشفى في كراتشي، بينما تلكأ الأطباء في نقله إلى غرفة العمليات. وبذلك، ظل والدها ينزف حتى الموت. كان مير مرتضى قد تعرض لإطلاق النار من جانب قوات الشرطة في قلب كراتشي عام 1996 عندما كانت شقيقته، بي نظير بوتو، رئيسة الوزراء. مع انطلاق أصوات الأعيرة النارية خارج المنزل، اتصلت فاطمة بـ«بي نظير، لكنها لم تجب على المكالمة». بدلا من ذلك، أجاب زرداري، زوج بي نظير، الذي يتولى حاليا رئاسة البلاد، على المكالمة. وأخبر زرداري فاطمة: «ألا تعلمين أن والدك أصيب بطلق ناري؟». وتعيش فاطمة الآن وقاتل والدها لا يبارح ذهنها.

لكن ذهن فاطمة لم يكن مشغولا بقاتل والدها فحسب عندما عكفت على وضع كتابها، وإنما تتناول فاطمة أيضا في عملها الأخير حوادث القتل العنيفة التي تعرض لها جدها وعمها وعمتها. وقالت: «تتسم باكستان بتاريخ من العنف. إن قيمة الحياة في وطني رخيصة. لكنني أقول للناس: إن في إمكانكم قتل حياة، لكن يبقى من المتعذر محو ذكريات. بعد 14 عاما على مقتل والدي، يأتي هذا الكتاب ليكسر حاجز الصمت». ثم أردفت مبتسمة: «في الواقع لم أكن قط من النوع الصامت!». ولدت فاطمة في كابل في أفغانستان، عندما كان والدها في المنفى في عهد النظام العسكري بزعامة جنرال ضياء الحق. أما والدة فاطمة فهي فوزية فسيح الدين بوتو، ابنة مسؤول سابق في وزارة الخارجية. وقد انفصل والدا فاطمة عندما كانت طفلة، وتزوج والدها بأخرى لبنانية، هي غنوة بوتو.

على مدار الأيام القليلة الماضية، تنقلت فاطمة بين مدن مختلفة للترويج لكتابها الجديد. وحرصت على ارتداء «ساريات» شديدة الأناقة في رحلتها للترويج للكتاب في الهند. وعن ذلك، قالت فاطمة ضاحكة: «لقد نشأت وأنا أرى جدتي ترتدي الساري دوما».

بغض النظر عن طبيعة رد الفعل التي سيلقاها كتابها في بلادها، يبقى أمر واحد مؤكدا، أنها نجحت في كسب قلوب الهنود بشخصيتها الساحرة، وبالتأكيد بكتابها.

في كتابها، تشير فاطمة دوما إلى زرداري بعبارة «قاتل والدي».

في حديثها عن زرداري وبي نظير، تتحدث فاطمة في كتابها بصراحة شديدة، ومن بين ما كتبته: «كباكستانية، أشعر بخيبة الأمل لكون زرداري رئيسا. إن لديه سجلا من إساءة استغلال السلطة». بالنسبة إلى ما إذا كانت سامحت بي نظير، العمة التي جلبت لها هدايا في يوم من الأيام، أجابت فاطمة: «أشعر بسلام الآن. السماح ليس اللفظ المناسب لوصف شعوري، وإنما من أجل أن نحيا ينبغي أن نترك الماضي يمر، بما يحمله من ألم كبير».وقد أطلقت فاطمة كتابها، في كراتشي، على الطريق ذاته الذي شهد لفظ والدها أنفاسه الأخيرة. ويقال إن فاطمة والناشرين أبقوا على أمر الكتاب طي الكتمان حتى طرحه في الأسواق. وعن ذلك، قالت فاطمة: «نعم، لم نكن واثقين من رد فعل الدولة. إن المأساة تجعل المرء أكثر حساسية، لكنها تجعله أيضا أكثر حذرا. الآن، أشعر بسلام داخلي. وقد رغبت في وضع هذا الكتاب، وقد جاء نتاجا لنضال مستمر».

ومثلما يفعل صحافيو التحقيقات الأكفاء، نجحت فاطمة في صياغة موضوع مثير متناغم، وإن كان الكتاب لا يحمل سوى القليل من المعلومات الجديدة، حيث كان كل ما يتضمنه تقريبا معروفا من قبل، بما في ذلك دور زرداري في قتل والدها.