بيع الكتب نشاط مدر للأرباح في العاصمة الباكستانية

ثقافة قراءة الكتب أصبحت ملاذا جديدا.. والمكتبات تشكل مفارقة في النشاطات التجارية

لا يقتصر الأمر داخل المكتبة على وجود تشكيلة كبيرة من الكتب بل إن زوارها من مختلف الأعمار
TT

تنتشر داخل العاصمة الباكستانية إسلام آباد ثقافة قراءة الكتب، أو على الأقل هذا ما يظهره عدد المكتبات داخل العاصمة بصورة واضحة. ويمكن الذهاب إلى أي سوق رئيسية أو متجر داخل المدينة وستجد مكتبة لبيع الكتب وسط مجموعة من المحلات الأخرى تتنوع أنشطتها ما بين بيع الملابس والحلي وأدوات التجميل، بالإضافة إلى المطاعم.

وعلى ضوء الوضع الأمني المتردي داخل إسلام آباد، عانت الأنشطة التجارية بصورة كبيرة على مدار الأعوام الأربعة الماضية. ومع ذلك، تقدم هذه المكتبات مفارقة واضحة. ويقول محمد سعيد، صاحب «سعيد بوك بنك»، أكبر مكتبة في سوق «جناح» بمدينة إسلام آباد «لا يزال بيع الكتب نشاطا مدرا للأرباح».

وعلى الرغم من أنه يوجد بوتيك ومحل بيتزا إلى جوار مكتبة سعيد، ولا يذهب إليهما أحد عندما تقع إسلام آباد تحت وطأة تفجيرات إرهابية، فإن المكتبة تعد مكان بيع الكتب الأكبر داخل المدينة الذي لا يزال يقْدُم إليه السكان، لا سيما في ساعات المساء.

يجب عليك أن تلتمس طريقك داخل الممرات الضيقة بين الأرفف وسط عدد كبير من النساء والرجال الذين يتصفحون الكتب داخل مكتبة سعيد.

وربما يعود السبب في ذهاب عدد كبير من الأشخاص لمكتبة سعيد كل يوم إلى أنها تناسب مختلف الأذواق. ويقول محمد سعيد «لدينا كتب متنوعة تتناول التاريخ الهندي والساحة السياسية داخل الشرق الأوسط والدين والفلسفة والأدب والخيال العلمي والأدبيات الإسلامية والشؤون العسكرية والأمن الدولي».

ولا يقتصر الأمر داخل المكتبة على وجود تشكيلة كبيرة من الكتب، فتقريبا جميع المكتبات داخل إسلام آباد تحتوي على كتب متنوعة تتناول المواضيع المختلفة. ويقول محمد يوسف، صاحب مكتبة «مستر بوكس» التي تعد أقدم المكتبات داخل إسلام آباد «لدينا تشكيلة كبيرة من الكتب بسبب سوق الكتب الكبير داخل إسلام آباد».

وتوجد داخل مكتبات إسلام آباد كتب من مختلف أنحاء العالم، بل لا يقتصر الأمر على الكتب، حيث توجد أحدث الصحف والمجلات من باقي أنحاء العالم خارج المكتبات. وعلى سبيل المثال فإن المكان الوحيد داخل باكستان الذي تعرض فيه صحيفة «الشرق الأوسط» وغيرها من الصحف اليومية العربية هو المكتبات داخل إسلام آباد. وفي الواقع، فإن هذه المكتبات تعتبر بديلا للمكتبات العامة، خصوصا على ضوء ندرة المكتبات العامة داخل العاصمة الباكستانية. ويقول مسؤول حكومي بارز «توجد مكتبة وطنية داخل إسلام آباد، وتوجد مكتبة تابعة للبرلمان في المدينة، ولكن لا يمكن للمواطنين العاديين الدخول إلى هذه المكتبات». وعلى ضوء ذلك يتضح ما يدفع عشاق الكتب إلى الذهاب للمكتبات. لكن ثمة اختلافا كبيرا بين المكتبات العامة والمكتبات الموجودة داخل إسلام آباد. ويقول ساجد علي خان، وهو موظف حكومي يخدم داخل إسلام آباد «قبل خمسة أعوام، اعتدت بصورة منتظمة الذهاب لشراء الكتب لأن سعرها كان في المتناول، لكن في الوقت الحالي أتعرف على الجديد منها وحسب».

ويقول محمد سعيد إن تعويم العملة الباكستانية أثر بصورة عكسية على القوة الشرائية داخل المجتمع الباكستاني، ويشير إلى أنه «بسبب تعويم العملة الباكستانية، ارتفعت أسعار الكتب بصورة مستمرة، وتخطط الحكومة في الوقت الحالي لفرض ضرائب جديدة على بيع الكتب، الأمر الذي سيزيد من الأسعار مجددا».

وتنشر معظم الكتب الموجودة داخل هذه المكتبات، والمفضلة لعشاق الكتب الباكستانية، عادة داخل الولايات المتحدة وأوروبا. ويقول ساجد علي خان «بعد تعويم الروبية الباكستانية في مقابل الدولار الأميركي أصبحت هذه الكتب خارج المتناول».

وأخيرا، بدأت الكتب التي تنشر داخل الهند عن الإسلام وتاريخ الحكام المسلمين داخل شبه القارة الهندية تجذب انتباه محبي الاطلاع داخل باكستان. وحقق كتاب ألفه رضي الدين عقيل، وهو مسلم هندي، ويحمل عنوان «بسم الله» أعلى مبيعات داخل إسلام آباد. ويحكي الكتاب قصة المسلمين الأوائل وكيف طبقوا الدين، والحكام المسلمين وكيف طبقوا الشريعة الإسلامية على الأغلبية من الهندوس غير المسلمين.

ويقول أحد بائعي الكتب داخل إسلام آباد «كان هناك إقبال كبير على هذا الكتاب». ومرة أخرى مثلت الأسعار المرتفعة المشكلة الكبرى. ويقول بائع كتب «كان سعر الكتاب 499 روبية (6 دولارات أميركية)، لكن لأن الكتاب نشر داخل الهند فقد بلغ السعر 499 روبية هندية، وعند تحويل ذلك إلى الروبية الباكستانية يرتفع السعر إلى أكثر من 1000 روبية بسبب الفارق بين العملتين الهندية والباكستانية».

ويذكر أنه في السابق كانت الحكومة الباكستانية تدعم بعض الكتب، وكان من بين هذه الكتب سيرة ذاتية للحاكم العسكري السابق داخل باكستان الجنرال برويز مشرف حملت عنوان «على خط النار».

ويقول محمد يوسف، صاحب مكتبة «مستر بوكس»: «أكبر عدد من نسخ الكتب بعته خلال الثلاثين عاما التي مضت على افتتاح مكتبتي كان من كتابين، الأول (سيدي الإقطاعي) من تأليف تامينا دولتانا، والثاني (السيرة الذاتية للجنرال مشرف)».

وقد حقق كتاب «سيدي الإقطاعي» أعلى مبيعات لأنه تناول تفاصيل تتناول علاقة حب بطلها سياسي باكستاني مشهور (غلام مصطفى خار)، وألفته زوجته السابقة تامينا دولتنا، وكان مثل سيرة ذاتية له.

وربما يمثل وجود عدد كبير من المكتبات القديمة، إلى جانب مكتبات جديدة، في إسلام آباد بديلا للمقيمين داخل العاصمة لإشباع عطشهم إلى الكتب. ويقول أصحاب المكتبات داخل إسلام آباد إنهم يبيعون الكتب القديمة بأقل من نصف الأسعار الأصلية. ويقول مالك إعجاز، الذي لديه تشكيلة من الكتب القديمة «اذهب إلى أي مكتبة جديدة داخل إسلام آباد واسألهم عن سعر (تاريخ الفلسفة الغربية) لبرتاند روسلز.. سوف يقولون إن سعره يبلغ 1700 روبية (20 دولارا أميركيا)، وبعد ذلك اذهب إلى مكتبتي وستجده يبلغ 700 روبية (8 دولارات أميركية)».

ويقول مالك إعجاز، الذي يستمتع بفكرة أنه مصدر المعرفة القليلة التكلفة داخل إسلام آباد «نقدم بديلا رخيص الثمن للكتب المرتفعة الثمن». ويقول «تعرفت على صحافيين ومثقفين وموظفين حكوميين بارزين عندما يقومون بزيارة متجري لشراء الكتب القديمة. إن هذا مصدر رضا شخصي بالنسبة لي».

ويقع متجر مالك إعجاز داخل سوق «جناح»، وتحيط به محلات ملابس من كل الجوانب. ولديه أكثر من 20 ألف كتاب. ويقول «لدي 2000 كتاب في الشعر وحده».

وعندما سألنا مالك إعجاز عن المكان الذي يحصل منه على هذه الكتب قال «أستوردها من لندن وأميركا، وعندما ينهي الدبلوماسيون الأجانب مدة عملهم داخل باكستان يأتون عادة إلى متجري بصناديق ضخمة من الكتب ليبيعوها قبل أن يتركوا باكستان».