مصر: دار ابن لقمان.. محفل بطولات المنصورة ضد الفرنسيين

بين جدرانها قبع ملك فرنسا لويس التاسع مقيدا في أغلاله

TT

«هنا أُسِر لويس التاسع ملك فرنسا من 7 أبريل (نيسان) 1250م إلى 7 مايو (أيار) 1250م».. هكذا تقابلك اللوحة الرخامية التي تعتلي بابا ضخما مرصعا ببعض أبيات الفخر التي تسخر من تزايد عدد قتلى الفرنسيين عن 30 ألفا.. إنها دار ابن لقمان، مستودع بطولات مدينة المنصورة (120كم شمال القاهرة)، التي أخذت اسمها من انتصارات أهلها على قوات الحملة الصليبية السابعة وقائدها لويس التاسع ملك فرنسا.

كان ملك فرنسا يطمح للسيطرة على القدس فجهز حملة ضخمة قوامها ما يقرب من 50 ألف جندي جمعهم في قبرص، وتأخر وصول الحملة إلى الأراضي المصرية ثمانية أشهر، وكانت مصر العقبة الوحيدة أمامه لإتمام غرضه. كان حاكم مصر حينذاك الملك الصالح نجم الدين أيوب في الشام، وكذلك ابنه الأمير توران شاه. وصلت أنباء الغزو للملك فقرر العودة إلى البلاد لكنه مات في أثناء عودته.

وأخفت زوجته شجرة الدر الخبر عن جنوده حتى عودة ابنه توران شاه.. في تلك الأثناء واصل الفرنسيون الزحف إلى المنصورة بعد استيلائهم على ميناء دمياط شمال مصر، وقاد المملوك بيبرس البنقداري الجيش المصري فتصدى للغزاة، وفور عودة توران شاه قطع الإمدادات عن الفرنسيين، وهزموهم هزيمة نكراء في بلدة قرب المنصورة تسمى سلامون، في معركة البحر الصغير، فقدوا خلال المعركة ما يقرب من ثلاثين ألفا، كان من بين القتلى شقيق الملك لويس التاسع روبرت كونت ارتووا، وقرر الملك الفرنسي جمع قواته مرة أخرى والانسحاب التدريجي إلى الشمال، فلاحقته القوات المصرية وطوقته في بلدة شمال المنصورة اسمها «ميت الخولي عبد الله». أسره المصريون هناك واقتادوه ذليلا إلى المنصورة، وهناك أودعوه بيت القاضي فخر الدين ابن لقمان قاضي القضاة، حيث قُيّد بالأغلال هو وقائدان من قادة جيشه، ولم يفرج عنه إلا بعد تخلي الفرنسيين عن دمياط ودفع 10 ملايين فرنك فدية لإطلاق سراحه.

بني بيت ابن لقمان مع بناء مدينة المنصورة، وكان البيت يطل على النيل مباشرة، أما اليوم فيبعد عن مجرى النيل نحو 500 متر نتيجة العوامل المناخية وعمليات الردم والحفر مع مرور الزمن.

حُبِس لويس التاسع في غرفة علوية يتم الصعود إليها بسلم خشبي، ووضع تحت حراسة خادم نوبي اسمه الطواشي أبو المحاسن صبيح، كان يعمل في قصر الملك نجم الدين أيوب، بينما حُبِس اثنان من قادته في غرفتين أسفل محبسه.

وافتتح الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الدار كمزار سياحي وتاريخي عام 1960، وضم إليها إضافة إلى البيت الأصلي لابن لقمان، مكان احتجاز القادة وأدواتهم ومقاعدهم، قاعة للفنون التشكيلية توثق معارك المنصورة منذ الزحف على المدينة وحتى طرد قوات آخر حملة صليبية.

في الطابق العلوي يوجد تمثالان، أحدهما لملك فرنسا والقيود في يده جالسا على مقعده الحقيقي وأمامه منضدة عليها أدوات نحاسية كان يستخدمها، والثاني للطواشي صبيح وهو يقف منتصبا بجانبه. وفور تخطي الزائر للباب الخشبي الضخم الموثق لأشعار النصر، تقابله في الردهة مجموعة من القناديل المزخرفة بالآيات القرآنية التي يعود صنعها إلى ما يتعدى ألف عام هي عمر الدار، ثم تمثال يرمز للوحدة بين مصر وسورية، أقيم في ستينات القرن الماضي مع افتتاح الدار.

وتضم قاعة العرض مجموعة من التماثيل لعدد من الشخصيات التاريخية، وهي شجرة الدر، وتوران شاه، والملك الصالح، والطواشي صبيح. كما تضم القاعة مجموعة من الخناجر الحديدية والسيوف التي استخدمت في المعارك وقتها، إضافة إلى خوذة من النحاس، وقميص من الصلب يرتديه الجنود للحماية من ضربات السيوف. كما تضم الردهة حوضا من الرخام كان يستخدم لشرب الأسرى.

ويقول مسؤول بالدار إن وزارة الثقافة المصرية واجهت صعوبات كثيرة في أعمال الترميم بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية، خصوصا أنها بنيت في الأساس على شاطئ النيل، لكن تم التغلب على تلك المشكلات للحفاظ على قيمتها الأثرية وعدم الإخلال بها، وافتتحت للجمهور الشهر الحالي بصورة لائقة.

وقال المسؤول إنه رغم المدة القصيرة التي قضاها الأسرى في الدار، وهي شهر، فإن قيمتها ترجع إلى أنها الأثر الوحيد الباقي في المدينة الدال على مجد الأيوبيين وهزيمة الفرنسيين.

وبنيت الدار على الطراز العربي، أي كانت مقسمة في الأصل إلى حرملك (مكان إقامة النساء) وسلاملك (مكان جلوس الرجال)، لكن ما بقي منها اليوم حجرة متسعة في الطابق الثاني وحجرتان صغيرتان في الأرضي.. لكن أهم ما بقي بين جدرانها كمّ لا يقدر بثمن من العزة والفخر.