نساء الشرق في معرض بمنزل فيكتور هوغو في باريس

مخيلات رسامي الاستشراق تصورتهن سلطانات كسلاوات وغانيات خاضعات

نساء حبيسات في جنائن الحريم
TT

في منزل أديب فرنسا الكبير فيكتور هوغو، الواقع في ساحة «فوج» الباريسية، يقام حاليا معرض بعنوان «الشرقيات»، يشتمل على لوحات سعى من خلالها رساموها الأوروبيون إلى التنفيس عما كان يحتبس في مخيلاتهم عن نساء البلاد البعيدة ذات الشموس الحارة. وجاءت تسمية المعرض اقتباسا من ديوان للشعر بالعنوان ذاته، كان هوغو قد نشره عام 1929 وتضمن 41 قصيدة من وحي مدن جنوب البحر المتوسط.

وإذا كان هوغو قد دافع، في تقديمه لتلك القصائد ذات الصور الإيروتيكية والنبرة الاستفزازية، عن حرية الأديب والفنان في الإبداع والمضي إلى أقصى ما تقوده إليه آفاق الشعر وجوامح الخيال، فإن النظرة إلى الرسم الاستشراقي، في العقود التالية له، لم تنبهر بجمالياته الأكيدة بقدر ما سلطت رأيا نقديا يرى في نساء تلك اللوحات وموديلاتها العارية نوعا مخجلا من الاستلاب الذي مارسه الفنان الغربي المنتمي إلى بلد يستعمر أرض الآخرين ويستبيح أهلها جاعلا منهم مجرد عبيد ومحظيات يرضخن لنوازعه الدفينة.

بأي عين ينظر المتفرج العربي إلى لوحات هذا المعرض؟ وهل استضافة منزل هوغو لها يخرجها من سياقها المذكور ويدرجها في إطار سلسلة التكريمات التي تجري برمجتها في هذا المكان، مثل الاحتفال، عام 2008، بأهم مؤلفات الساكن الشهير له؟ إن هوغو نفسه، المولود في بيزونسون (شمال شرقي فرنسا) عام 1802 والمتوفى في باريس عام 1885، كتب في مقدمة ديوانه يقول: «إن الشرق أصبح، بالنسبة إلى الذكاء مثلما هو للخيال، نوعا من الشاغل العام». وابتداء من أوائل القرن التاسع عشر، راح كبار الرسامين الرومانسيين يقصدون بلاد الشرق القريب لينهلوا الإلهام من طبيعتها ذات الأسرار ومن غموضها الذي يثير حواسهم. لهذا وجد هؤلاء في قصائد هوغو مرايا تعكس المفردات والألوان والتكوينات والزخم الإبداعي. لقد أسقطوا كل استيهاماتهم على الشرق وراحوا يرسمون ما في هواجسهم ورؤوسهم من سلطانات كسلاوات ومخدرات وجواري سمراوات وفاتنات، غير عابئين بحقيقة الوضع المزري الذي كانت عليه مستعمرات الشمال الأفريقي.

نساء الشرق، بالنسبة إلى الخيال الغربي آنذاك، لا عمل لهن سوى الاستحمام والتعطر والتزين وتمشيط الجدائل في انتظار قدوم الحبيب. وكلما ارتفع منسوب الغموض الكامن وراء الأسيجة العالية والستائر التي تحجب مداخل البيوت، امتلأت اللوحة بالأجساد اللامعة المتخففة من غلالاتها، وكأن الرسام يتعمد الخلط بين المنازل الآهلة بسكانها وبين المواخير التي تفتح أبوابها لاستقبال المسافرين والبحارة. وعلى الرغم من هذا الحكم، يمضي المعرض في محاولة لمد جسور بين ما فاضت به مخيلة فيكتور هوغو وما خططته أو ضربته على خامات اللوحات ريشة فنانين من أمثال ديلاكروا، وفيرنيه، وبولانجيه، وديكا، وجريكو. وهناك منحوتات ولوحات محفورة لمناظر طبيعية، جاءت كلها من مقتنيات المتاحف الفرنسية والمجموعات الخاصة، أي من «اللوفر» و«أورساي» والمكتبة الوطنية ومتاحف مدن ليون وليل ومونبلييه، ومن المتحف البريطاني، والمعرض الوطني في أثينا. ويستمر المعرض حتى أوائل يوليو (تموز) المقبل.