شباب لبنان يدمن السهر

بعضهم يعتبر الأمر ضروريا لمظهره الاجتماعي

في دراسة نشرت في صحيفة لبنانية، ورد أن 44% من الشباب الجامعيين يسهرون ليليا خارج المنزل
TT

كل الأمسيات صالحة للسهر واللهو لدى الشباب اللبناني. ولا لزوم لاقتصار الخروج على العطل الأسبوعية والرسمية أو الأعياد. ويدل على ذلك ارتياد أحد المطاعم أو النوادي أو المقاهي مطلع الأسبوع للتأكد من أن العثور على طاولة غير مشغولة هو أمر شبه مستحيل، لا سيما إذا تعلق الأمر بمكان رائج له سمعته الرفيعة في الأوساط الشبابية. وغالبا ما تتواتر المعلومات عن افتتاح ناد ليلي أو مطعم أو مقهى ليتدفق إليه فضوليو السهر، وكأنهم يقومون بواجب لا بد من الالتزام به، وإلا يصاب مظهرهم الاجتماعي بنكسة.

ويكفي أن تقول صبية لصديقتها: «سهرنا أمس في المكان الفلاني. وكان الجو رائعا»، لتبادر الصديقة إلى تأكيد أنها تعرف المكان، سواء كانت زارته أم لا، وإلا تشعر بالإحراج كونها تخلفت عن الالتحاق بالموضة السائدة.

هذا الواقع لمسه أحمد، الشاب اللبناني الذي يعمل في القطاع المصرفي في دولة آسيوية. إذ فوجئ خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت في إجازة قصيرة بأن الشباب يسهرون أيام العمل العادي حتى ما بعد منتصف الليل. ليناموا أقل عدد ممكن من الساعات، ثم يستأنفون أعمالهم في اليوم التالي. يقول: «غالبا ما أعمل حتى المساء. وعندما أعود إلى المنزل، لا أفكر إلا في الهدوء والراحة واستجماع طاقتي لليوم الثاني، في حين يقتصر السهر على العطلة الأسبوعية. وأحيانا أفضل القيام برحلة لاستكشاف البلد الذي أقيم فيه أو بكل بساطة في البيت مع كتاب جديد أو فيلم مميز. أما الجلوس في الملاهي والمطاعم فلا أجده جذابا إلى الحد المشابه لما يحصل في بيروت».

ويرى أن «الاهتمام المفرط للشباب اللبنانيين بالسهر يعكس إدمانا على أمور سطحية. والأحاديث التي تدور بينهم تؤكد ذلك. فهم إما يتحدثون عن سياراتهم الجديدة التي اشتروها بالدين أو عن ملابسهم التي تكلفهم نسبة عالية من رواتبهم، أو يتجادلون في السياسة بتوتر من خلال اصطفافاتهم المذهبية. لا أحد يذكر أنه قرأ كتابا أو استوقفته حالة إنسانية أو اجتماعية تستحق الدراسة».

والأغرب في هذه الظاهرة أن فئة من الشباب والصبايا يصرون كل مساء على ارتياد عدة أماكن للسهر، وكأن المطلوب منهم إثبات وجودهم في كل من هذه الأماكن ليصار إلى تصنيفهم في خانة عصرية تسمح لصورهم بتصدر صفحات المجلات الاجتماعية.

ويقول إبراهيم، وهو منسق الموسيقى في أحد مرابع شارع مونو وطالب جامعي يعمل ليلتي الاثنين والخميس ليوفر مصروفه الخاص، إن «المكان يبقى مزدحما ابتداء من الساعة 11 ليلا إلى قرابة الثانية فجرا. كما أن الواقفين أكثر من الجالسين حول الطاولات. وبعضهم يدخل لفترة نصف ساعة ويرقص قليلا، ويتحادث مع أصدقائه ثم يغادر إلى ناد آخر».

ويشكل أبناء المسؤولين وكبار رجال الأعمال نسبة لا يستهان بها من الساهرين. هؤلاء يتمتعون بامتيازات خاصة. يصلون إلى مكان السهر بسيارات حديثة مع مرافقين. والمفروض أن تكون طاولتهم حاضرة لاستقبالهم في أي يوم من أيام الأسبوع وفي أي ساعة حتى عند الفجر، وإلا يعتبرون أي خطأ إهانة لا تغتفر. وغالبا ما يثير هؤلاء «إشكالات» إذا لم يعرف أحد الساهرين مقامهم، فأزعجهم بتصرف أو ملاحظة، لا تسبب إزعاجا في الأحوال الأخرى. وبالطبع يسارع القيمون على المكان إلى مراعاتهم وتطييب خواطرهم على حساب الزبون العادي.

وفي دراسة نشرتها شركة «الدولية للمعلومات» قبل أربعة أشهر في صحيفة لبنانية، ورد أن 44% من الشباب الجامعيين يسهرون ليليا خارج المنزل، في حين أن 1% لا يسهرون إطلاقا، و14% مرة في الأسبوع، و41% مرتين أسبوعيا. وتبعا للجنس فإن 52% من الذكور يسهرون ليليا مقابل 32% من الإناث، واللواتي يتجهن إلى السهر مرتين في الأسبوع (47%)، أو مرة واحدة (20%)، في حين أن الذكور الذين يسهرون مرة واحدة يشكلون نسبة 10%، والذين يسهرون مرتين يشكلون نسبة 37%.

وقد أفادت أكثرية 46% من المستطلعين الذين شملتهم الدراسة أن معدل إنفاقهم الأسبوعي على السهر يتراوح ما بين 100 و200 دولار، في حين أن 30% ينفقون ما بين 50 و100 دولار، و17% ينفقون ما بين 200 و300 دولار، و5% ما بين 300 و350 دولارا، و1% 50 دولارا أو أقل. وهذه النسب تعني أن هناك 68% من الطلاب الذين يسهرون يصل معدل إنفاقهم الشهري إلى ما بين 400 و1400 دولار.

وترى الاختصاصية الاجتماعية سامية شحادة أن «سبب هذه الظاهرة يعود إلى الفراغ الذي يعاني منه الشباب بعد تحول اهتمامهم إلى الأمور الاستهلاكية، وابتعادهم عن كل ما له علاقة بالفكر والنشاطات الاجتماعية». وتضيف: «لم يعد لدى فئة من شباب لبنان أي ارتباط بأمور تتجاوز التحصيل السريع للمال ومن ثم إنفاقه على مجالات البهجة. وفي المقابل نجد أن فئة أخرى تتطرف في التزامها الأحزاب المذهبية واستغراقها فيها. والمخيف في الأمر أن الاعتدال لم يعد شائعا ليقتصر على نسبة ضئيلة قياسا إلى الفرز بين الانفلات والتطرف».

شحادة التي تقيم حاليا في دولة أميركية تبدي خوفها من الأجواء السائدة في لبنان. وتفضل تنشئة ابنتها حيث تقيم، ووفقا لمفاهيم أخلاقية ومتوازنة حازمة من دون تشدد. تقول: «حيث أقيم يمنع على المراهقين التجول ليلا كما نرى في بيروت. فالملاهي والنوادي تستقبل هؤلاء من دون رقابة أو التزام بالقوانين الموجودة».

والالتزام بالقوانين مفقود في قاموس المراهقين والشباب في لبنان. وهم يعرفون «كلمات السر» التي تفتح لهم أبواب السهر، لذا يحرصون على الدخول في شلل تجمع أسماء معروفة، بحيث يحق لهم ما لا يحق لسواهم.

فقد اعتبر تلميذ في مرحلة التعليم الثانوي أن شرطي السير لا يملك الحق في توقيفه في الشارع والطلب منه أوراق دراجته النارية بعد منتصف الليل. لذا سارع إلى الاتصال بقريبه الوزير ليعيد الشرطي الحازم إلى «حجمه الطبيعي».

هذا الشاب يحلم بالانتهاء من مرحلة المدرسة ليدخل الجامعة ويستبدل السيارة بالدراجة النارية ، فيخرج ويسهر و«ينبسط» كما يردد. وهو يعتبر أن واجبات الدولة والأهل تجاهه تأمين حقه في «الانبساط»، أي التسلية وفق وجهة نظره التي لا ترتبط بتحمل المسؤولية والقدرة على التنظيم.

ويبقى أن هذا البحث عن التسلية يعرض الشباب إلى أخطار، منها البحث عن مصادر تمويل بمختلف الطرق، إضافة إلى إدمان التدخين والكحول والمخدرات، لا سيما أن خطر المخدرات في صفوف الشباب اللبنانيين أصبح واقعا لم تسع الأجهزة المختصة في الدولة إلى دراسته وإحصاء عدد المدمنين والعمل على إيجاد السبل لمعالجتهم وفق خطة وطنية باتت ملحة.