عبده خال: روايتي «ترمي بشرر» صادمة وتهز الكثير من القناعات

لقاء تكريمي له في بيروت بعد حصوله على جائزة «البوكر»

الروائي السعودي عبده خال (إ.ب.أ)
TT

هل يحق للروائي أن ينتهك خصوصيات الآخرين، وينسب إليهم أعمالا معيبة، كما حصل في رواية «ترمي بشرر»، عندما استخدم عبده خال اسم الملحن المصري محمد رحيم وجعله يتبنى ساقطة ويتورط معها في أعمال مشبوهة؟.. هذا سؤال طرحه أحد الحاضرين على الروائي عبده خال أثناء لقاء بيروتي، أول من أمس، أقامه له «النادي الثقافي العربي» لمناقشة روايته التي نالت جائزة «البوكر» مؤخرا.

ورد عبده خال على السؤال بأنه استخدم الاسم بمحض صدفة، وروايته التي فيها أكثر من 60 شخصية كان لا بد لها من أسماء، وبين هذه الأسماء محمد علي مثلا. فكم من محمد علي في هذا العالم بمقدورهم أن يدعوا أنهم مقصودون، وأن اسمهم قد استخدم واستغل.

في هذا اللقاء الذي قدمت خلاله الدكتورة رفيف صيداوي دراسة نقدية للرواية، وأدارته نارمين الخنسا، كانت مداخلات كثيرة لجمهور غفير، أراد أن يتعرف على عبده خال بعد أن قرأ روايته، أو قرأ عنها، وتابع الضجيج الذي أثير حولها. وهو ما أشعر الروائي السعودي بحرج، حيث استهل كلامه قائلا «أخشى أن ينطبق علي قول: اسمع بالمعيدي خيرا من أن تراه. فكم من روائي أحب الناس روايته، وسقط من عيونهم بعد أن سمعوه أو التقوه، فماذا أقول وكل هذا العيون تحدق بي، تنتظر ما سيصدر عني؟».

واللافت أن عبده خال خلال هذا اللقاء، بدا وكأنه يريد أن يدافع عن وجهة نظره، في مواجهة كل الاتهامات التي وجهت إليه منذ صدرت الرواية إلى اليوم، ورأى أن «الفرد يعبر إلى الإنسانية من خلال الحقيقة، لكن لكل حقيقته، بحسب ثقافته والزاوية التي ينظر منها إلى الأشياء». وتحدث خال، وهو الأستاذ الذي اختبر مهنته لسنوات طويلة، منتقدا التعليم واعتبره ضد الحرية، يستخدم لقولبة الناس والحد من آفاقهم. ورغم أن عددا من المعلمين كانوا في القاعة، بين الحضور، فإنهم لم يوافقوا وجهة نظر خال في التعليم ودوره الذي يمكن أن يكون سلبيا، إلا أنه دافع عن رأيه، وشرح أنه يعني التعليم الممنهج الذي يستغله النظام السياسي ليثبط همم الآخرين، وشرح بأنه ميال لما سماه «البدائية» التي تمنح الإنسان حريته وقدرته على التفلت من القيود.

وشرح الروائي السعودي للحضور أن «ترمي بشرر» قرأت من قبل أناس، لهم أمزجة وثقافات مختلفة، فثمة من ناسبت هواه وأمتعته، ومنهم من شعر وهو يقرأها بأنه يدخل منطقة لا تناسب ثقافته «لذلك هؤلاء يبدأون بتهشيمك. فهناك دائما تلك الجلية بين الحقيقة، الذائقة والثقافة، والكاتب لا يستطيع أن يرضي كل الناس».

ووصف خال «ترمي بشرر» بأنها رواية سعت لتمزيق أغطية الروح»، وذلك بعد أن قال «إننا نستر الجسد كي لا تظهر عوراتنا، أما الروح فخلقت لتكون طليقة، لكننا خبأنا الروح أيضا». هكذا أراد أن يقول خال إن «ترمي بشرر» هي تعرية لما هو مخبوء ومقصى، وكان بعيدا عن النظر. وشرح خال بأنه يعرف جيدا بأن روايته لن ترضي الكثيرين «لأنها صادمة وتهز الكثير من القناعات الثابتة لدينا.. وهي تظهر كم القاذورات التي نحاول أن نواريها».

وكانت الناقدة رفيف صيداوي وهي تقدم قراءتها لرواية عبده خال قد اعتبرت أن اعترافات بطل عبده خال «طارق فاضل تجاوزت أجواء بعض الروايات العربية والخليجية التي تفضح المستور والحكايا القابعة في زوايا المجتمعات العربية، مكتسيةً أهميتها من هذا الفضح. إذ نأت اعترافات طارق بالرواية عن الفضائحية بالمعنى المبتذل للكلمة، لتنسج خطابا قائما على بوح وتعرٍّ خالصين لجلاد تجاوز الخمسين واستفاق باحثا عن الإنسان فيه بعد أن نحّاه جانبا لسنوات طويلة من عمره. ومن خلال البوح والتعري تفضح الرواية بعض عيوب المجتمع السعودي العربي لكن عبر إطلالة نقدية راقية تستند إلى أدوات السرد الفني بقدر استنادها إلى أدوات التحليل الاجتماعي».

وركزت الناقدة رفيف صيداوي على الجرأة بشكل خاص، وقالت إن الراوي الجريء في رواية عبده خال «لم يتنصل للحظة من مسؤوليته ومن تورطه الإرادي بكل ما اقترفه من موبقات. فهو الذي علمته الحياة حكمة آمن بها حتى النهاية: (كل كائن يتخفى بقذارته، ويخرج منها مشيرا لقذارة الآخرين!)». واعتبرت صيداوي أن الحكمة الأخرى غير المعلنة عند الروائي عبده خال، هي أن الإنسان طيب بالطبيعة، وأن المجتمع هو الذي أفسده، شارحة أنها «حكمة الأديب والفيلسوف جان جاك روسو التي تبناها عبده خال في أكثر من عمل روائي، لينتج خطابا مناهضا لكل أشكال السلطة القمعية، سواء أكانت سياسية أو عائلية، أم اجتماعية عموما، وذلك عبر تقاطع أنا/الشخصية الروائية مع الهم الاجتماعي».

لقاء بيروتي عامر لعبده خال، أتاح له فرصة اللقاء بكتاب ومثقفين وأصدقاء، وفتح بابا للنقاش حول رواية أثارت تحفظات البعض في السعودية. ورغم أن عبده خال اعتبر هذا اللقاء، وربما كل لقاء لروائي مع جمهوره، هو «فخ ينصب له»، لذلك عليه أن يتحسب منه، فإن الفخ الذي نصب لعبده خال في بيروت لم يكن من النوع الصعب والمربك، فلعبده في بيروت أصدقاء وأحباء، وهؤلاء تحلقوا حوله سواء أثناء اللقاء أو خلال توقيعه لروايته «ترمي بشرر».