محمد بن عيسى: الثقافة العربية تعيش أزمة على أكثر من صعيد

قال إنه عايش في «مؤسسة منتدى أصيلة» درجات من المقاومة وخشية الناس من أي إصلاح

محمد بن عيسى
TT

قال محمد بن عيسى، أمين عام «مؤسسة منتدى أصيلة» ووزير الثقافة المغربي الأسبق، إن الثقافة العربية تعيش أزمة على أكثر من صعيد، نتيجة مخاضها العسير، بالنظر إلى تقلبات الأوضاع في بعض الدول العربية، التي تداولت السلطةَ فيها أنظمة مدنية شمولية وعسكرية، زادت من تهميش الثقافة والحذر من المثقفين.

ولفت بن عيسى، في محاضرة ألقاها مؤخرا في إطار منتدى «مؤسسة عبد الحميد شومان» في الأردن، تحت عنوان «تدبير الشأن الثقافي في الوطن العربي: الواقع والتطلعات»، إلى أن الثقافة العربية في العقود الأخيرة شهدت خسوف الاتجاهات العقلانية، وتراجع المشروع العقلاني في الفكر العربي، مما نتج عنه علو أصوات تدعو إلى العودة إلى الماضي وإلى الموروث الثقافي، كما سادت الروح الدوغمائية، وادعاء الحقائق المطلقة. وتحدث بن عيسى عن تجربته في إطار «مؤسسة منتدى أصيلة»، التي بدأت عام 1978، وتجربته في وزارة الثقافة (منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي)، وقال إن الفائدة في تجربته في مؤسسة من المجتمع المدني أكثر وأكبر من تجربته في الوزارة، مشيرا إلى أن التجربة الأولى مكّنته من الاحتكاك المباشر، ومن معرفة مشكلات القطاع الثقافي الآنية والموروثة، في شموليتها وتعقيداتها، وفي مقدمتها رسوخ تلك النظرة التقليدية البيروقراطية، الجامدة في التعاطي مع الشأن الثقافي. بينما بيّن له العمل الحكومي الحدود التي لا ينبغي أن تتجاوزها أية سياسة ثقافية تطمح إلى تسيير، ودون مخاطر، قطاع الثقافة وفق منظور حديث.

وكشف بن عيسى كيف أنه عايش في «مؤسسة منتدى أصيلة» درجات من المقاومة، وخشية الناس من أي إصلاح، معتبرا ذلك ظاهرة طبيعية. إلا أنه قال إنه يجب عدم الاستسلام لها، بل التعاطي معها بحكمة وروية.

وذكر بن عيسى أنه تعلم في وزارة الثقافة كيف يلائم بين إرضاء مطالب النخب، وانتظارات الرأي العام، وإرضاء رغبات المعنيين، من منتجين ومستهلكين، في ظل الإكراهات المالية والإدارية والتشريعية، وفي ظل التوازنات السياسية في أية حكومة.

ووصف بن عيسى تجربته، بشقيها المدني والرسمي، بأنها «كانت خصبة ومنعشة لي، بقدر ما وجدت فيهما من ضروب المقاومة للإصلاح».

وزاد بن عيسى قائلا: «أظن، بعد مضي نحو ثلاثة عقود من الزمن، أني حاولت الموازنة، قدر المستطاع، بين مسؤولياتي الوظيفية، بما اقتضته من التزام بالبرنامج الحكومي، مثلما لم أجد تعارضا صارخا بين العملين، فأعمل في مكتبي بوزارة الثقافة، في الرباط، وفي نهاية الأسبوع أنتقل إلى مدينتي أصيلة لأتابع، وسط شروط مغايرة، وبمعية زملائي، المشاريع الثقافية الطموحة التي أطلقناها. كانت (ثنائية) رسمية ومدنية، ممتعة ومحفزة».

إلى ذلك، قال بن عيسى إن أي حديث عن السياسة الثقافية (بالإفراد والجمع) يبقى غير دقيق، إذا ما أُهمل المعطى المحلي، وغرق في ضباب العموميات.

، مشيرا إلى أن الحكومات الوطنية، في أكثر الديمقراطيات الغربية، أصبحت تميل أكثر فأكثر نحو التخلي الطوعي عن تدبير شؤون الثقافة، وجعلها ضمن صلاحيات السلطات المحلية، معتبرا أن هذا التطور في التعاطي مع الشأن الثقافي أتاح تعدد المقاربات، وأفاد بعض التجارب من بعض، فبرزت أشكال من الشراكة في التدبير بين الفاعلين الخواص والعموميين في الميدان. وهو توجه - يضيف بن عيسى - ينبغي على «حكوماتنا العربية أن تشجعه، وأن تمضي فيه قدما، باعتباره منطلق المنهج الرشيد في تدبير الشأن الثقافي».

وأبدى بن عيسى، الذي شغل أيضا منصب وزير الخارجية، وسفير بلاده في واشنطن، ملاحظات أولية، بخصوص الوضع الثقافي العربي في أبرز تجلياته. وذكّر بأمر هام، قد يغيب عن الأذهان أحيانا، يرتبط بالجهاز الموكول إليه تدبير قطاع الثقافة في الوطن العربي.

وقال إن «بلداننا اتخذت من وزارة الثقافة مؤسسة ذات رسالة آيديولوجية، فاقدة للاستقلال في التسيير والتدبير، لدرجة أن أنظمة ألحقت الثقافة بقطاعات حكومية أخرى، مثل الإعلام، وفي أحسن الأحوال التربية والتعليم، وضمنها بلادي التي لم تخصّ قطاع الثقافة بوزارة مستقلة إلا في عقد السبعينات من القرن الماضي».

وأشار بن عيسى إلى أنه بينما كانت قاعدة المثقفين، منتجين ومستهلكين، تتوسع في المجتمعات العربية، وما لزم ذلك من مستجدات ومطالب وإمكانيات مادية وبشرية، ظل القطاع مفتقرا إلى كثير من مقومات التدبير الناجع، بل حكمته عقلية تنظر إليه على أساس أنه مرفق محدود، لا يهم إلا فئة ضيقة من المجتمع، متسائلا: «كيف يمكن تدارك سلبيات تلك النظرة؟».