علماء ألمان يغطون قمم الجبال بـ«سجادات» من الجليد

في محاولة للحفاظ على البيئة وتشجيع الرياضة الشتوية

يعول العلماء على السجاد الجليدي في إعادة الحياة الطبيعية لسفوح الجبال التي ذاب عنها الجليد في العقدين الماضيين
TT

منذ عقود تخلت ملاعب كرة القدم عن الأرض المزروعة بالحشيش لصالح «السجادات الخضراء» الجاهزة التي يمكن فرشها بسهولة، وهذه تمرر ماء المطر إلى الأرض التي تحتها، ويمكن إصلاحها بسهولة. وما يفعله العلماء الألمان حاليا في جبال الألب يشير إلى إمكانية مماثلة في المستقبل لفرش الشوارع والحدائق بسجادات من جليد.

وهذا، على الأقل، سيثير انتباه مناطق حوض الراين التي تشكو من عدم احتفالها بأعياد ميلاد «بيضاء» منذ عقود. فطريقة صناعة السجاد الجليدي بسيطة، ويمكن لكل إنسان أن يصنعها في بيته، ويلعب عليها مع الأطفال، حسب تصريح البروفسور إدوار هايندل من جامعة فورتفانغن في قلب الغابات السوداء في جنوب ألمانيا.

ويقول هايندل، الحائز لجائزة وزارة البحث العلمي لقاء أبحاثه في البيئة والمناخ، إن مشروع إنتاج سجادات الجليد يرمي إلى تقليل ظاهرة ذوبان الجليد على الأرض، حماية البيئة عموما، وتوسيع الرياضة الشتوية التي تعاني من الانحسار في الأعوام الأخيرة بسبب ذوبان المساحات الجليدية على قمم جبال الألب في ألمانيا وسويسرا والنمسا.. إذ تنعكس درجات الحرارة المرتفعة باطراد على الأرض، خصوصا في القطب، حيث ترتفع درجات الحرارة بمقدار نصف درجة كل 10 أعوام، مؤثرة على اقتصاد الغابات والأشجار والأخشاب. وسيؤدي انحسار الثلج إلى حدوث المزيد من حرائق الغابات، وبالتالي إلى المزيد من تلوث البيئة بغاز ثاني أكسيد الكربون. كما ستؤدي الحرارة المرتفعة إلى تنشيط الحشرات والقوارض الضارة التي ستأتي على الأشجار والمزروعات. وستقود هذه التغيرات إلى انحسار السياحة في البلدان الباردة، التي تعتمد على سياحة التزلج، وتضر في سياحة البلدان الحارة التي سترتفع الحرارة فيها إلى درجات لا تطاق بالنسبة لسياح مناطق شمال الكرة الأرضية.

قد تبدو فكرة تغطية مناطق جبال الألب، التي انحسرت عنها الثلوج، بالسجاد الجليدي الصناعي فكرة «مجنونة»، لكن هايندل وزملاءه نجحوا سلفا في إنتاج هذا السجاد بمساحات صغيرة، على أمل إنتاجها لاحقا لتغطية كيلومترات من الصخور الجبلية العارية. واستعرض هايندل في جامعة فورتفانغن أول سجادة جليدية صغيرة «ميني» غطت مساحة 300 متر مربع. علما بأن جامعة فورتفانغن تقع بالقرب من مدينة شفيننغن، في الغابات السوداء التابعة لولاية بادن فورتمبيرغ، وترتفع نحو 800 متر عن سطح البحر. كما نجح العلماء، في ديسمبر (كانون الأول) 2009، بتغطية حقلين زراعيين في مدينة فورتفانغن بسجادة من جليد مساحتها 1100 متر مربع وسمكها 1.6 متر. كما استعرض الباحث أمام الصحافيين مترا مكعبا من الجليد الصلب، تمت صناعته حديثا، ويرتفع وزنه إلى 800 كغم.

ويخطط فريق العمل، مع بداية الشتاء المقبل في ديسمبر، لفرش جزء من قمة جبل «فيلدبيرغ» بسجادة من الجليد الصناعي مساحتها 2000 متر مربع وسمكها متران. ويريد العلماء معرفة طول فترة صمود السجادة أمام الاستخدام اليومي للمتزلجين، وتأثيرها على البيئة النباتية والحيوانية، وكيفية تحويلها إلى ماء صالح للشرب مجددا في فصل الصيف. وترتفع قمة جبل فيلدبيرغ إلى 1493 مترا عن سطح الأرض وتعتبر من أكثر مناطق الرياضة الشتوية جذبا للسواح.

وحسب معطيات هايندل فإن طريقة صناعة الثلج باستخدام «مدافع الثلج» المعروفة أصبحت «ثلج البارحة» كما يعبر الألمان عن الأشياء القديمة التي عافها الدهر. فطريقته تستخدم الماء الطبيعي، ولا تستخدم أي مواد كيماوية، وتستخدم النافورات المسالمة بدلا من «المدافع». ولا تحتاج الطريقة سوى إلى درجة حرارة صفر مئويا، أو ما دونها، لرش الماء على مساحة ما وانتظار أن تتجلد، ليجري رش طبقة جديدة عليها، ثم طبقة أخرى، إلى حين بلوغ سمك الجليد المطلوب.

فمن المعروف أن العلماء أنتجوا الجليد الصناعي، وليس الثلج العادي، قبل أكثر من 60 سنة، لكنهم استخدموا دائما المواد الكيماوية المساعدة في إنتاجه في الهواء الطلق. ويعود الفضل إلى الفيزيائي الياباني يوكي شيرو ناكايا في إنتاج أول جليد صناعي في المعامل خلال الأربعينات من القرن العشرين. تلاه فنسنت شيفر بتطوير عدة طرق لعمل الجليد الصناعي في الهواء الطلق. إذ بذرت السحب التي تحتوي على ماء مفرط البرودة بأنوية جليدية صناعية، مثل يوديد الفضة وبلورات معدنية جافة. وفي بعض الحالات تستخدم الكريات الجليدية أو البروبان السائل كعوامل بذرية.

ولم يكشف هايندل المواد التي تستخدم لمنح طبقات الجليد ذلك التماسك الذي تتطلبه «سجادة» مثل سجادات حشيش الملاعب، لكنه أشار إلى أن الطريقة تستخدم أقل ما يمكن من الطاقة، تسلط ضغطا على الماء بمقدار 3 بارات، ويمكن استخدام نافورات الحدائق المنزلية في إنتاجها.

ويعول العلماء على السجاد الجليدي في إعادة الحياة الطبيعية لسفوح الجبال التي ذاب عنها الجليد في العقدين الماضيين. إذ تعرضت الأحياء الجليدية الصغيرة، الحيوانية والنباتية، إلى الانقراض بفعل انحسار الجليد. إذ إن الجليد ليس مصدرا مهما للماء فحسب، بمعنى أنه يوفر الماء لكل من الأنهار ومحطات توليد الكهرباء من القوة المائية وخزانات الري، لأنه يعمل أيضا كعازل جيد أيضا. ويساعد الثلج على حماية النباتات وحيوانات السبات الشتوي من هواء الشتاء البارد. ومع ذلك فإن التجمعات الجليدية الزائدة على المنحدرات والواجهات الجبلية، غير المحاطة بالغابات، قد تسبب حدوث انهيارات ثلجية خطيرة ومفاجئة. وعلى أي حال، وحسب تصريح هايندل، سيكشف صيف 2011 ما إذا كان الجليد الصناعي على جبل فيلدبيرغ قد أعاد الحياة إلى الأحياء الميكرو والماكروسكوبية التي تعيش تحت الجليد عادة.

عدا عن ذلك، وفي خطوة لاحقة، سيدرس العلماء إمكانية استخدام الطريقة لحفظ الماء في المناطق التي تقل فيها المياه، استخدام سجادات الجليد لتوفير مياه الشرب، والاستفادة منها على السفوح لإنتاج الكهرباء. ويمكن للسجاد الجليدي أن يكون ذا فائدة سياحية واقتصادية لجبال إسبانيا التي تقل فيها المياه.

وتشير دراسة المعهد الألماني للدراسات الاقتصادية بالأرقام إلى الخسائر التي سيتعرض لها القطاع السياحي جراء ظاهرة الاحتباس الحراري. إذ إن زيادة درجات الحرارة بمقدار 4.5 درجة مئوية حتى عام 2100 ستعمل على إذابة الجليد على مناطق جبال الألب الألمانية التي تعتاش من السياحة. ويمكن لذوبان الثلج خلال هذه الفترة أن يؤدي إلى انخفاض مناسيب نهري الراين والدانوب والأنهار الأخرى، وأن يتسبب في جفاف مناطق الغابات الجنوبية. وستؤدي هذه التحولات بدورها إلى ارتفاع كلفة مياه الشرب وإلى ارتفاع تكاليف التزود بالطاقة.

جدير بالذكر أن سطح اليابسة على كوكب الأرض مغطى بنحو 15 مليون كم مكعب من الجليد حسب تقدير العلماء، وهو ما يشكل 10 في المائة من مساحة الأرض. وكانت هذه النسبة ترتفع إلى 32 في المائة في آخر عصر جليدي مر على الكوكب الأزرق.

وقدم المعهد الأوروبي للدراسات المناخية دراسة تعيد أسباب ارتفاع مناسيب البحار إلى ظاهرة ذوبان جليد القطبين وارتفاع درجة حرارة المحيطات. وترتفع مناسيب البحار حاليا بمقدار 3 مليمترات كل سنة، وتعود أسباب ذلك إلى ذوبان جليد القطبين (40 في المائة) وارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات (60 في المائة).