ناسك هندي لا يتناول الطعام والشراب.. ويعيش على اليوغا

التحليلات الدماغية الأولية تظهر أن حالة أعصابه جيدة كما لو كان عمره 25 عاما

يجري فريق طبي دراسة على براهالد جاني (82 عاما) وهيرا راتان مانك (73 عاما) لتطوير استراتيجيات البقاء لمساعدة الجنود الذين قد يواجهون هذا الوضع عندما يضلون طريقهم في الصحراء أو الغابات («الشرق الأوسط»)
TT

هل يستطيع أحد البقاء على قيد الحياة من دون طعام ولا مياه لأكثر من أسبوع؟ الإجابة هي قطعا «لا»، لكن هناك ناسكا يعيش في مدينة أحمد آباد الهندية يدعي أنه ظل على قيد الحياة من دون طعام ولا مياه على مدار العقود السبعة الماضية.

عكف معهد علم وظائف الأعضاء والعلوم المرتبطة، ذراع البحث لمنظمة التنمية والأبحاث التابعة لوزارة الدفاع الهندية، على مدار الأيام الثمانية الماضية مع لجنة مؤلفة من 35 طبيبا وعالما متخصصا على دراسة لاكتشاف السر وراء تمكن هذا الرجل من فعل ذلك.

براهالد جاني (82 عاما) يدعي أنه ليس لديه أي رغبة لتناول الطعام ولا المياه. ويخضع هذا الرجل للمراقبة في مستشفى ستيرلينغ في أحمد آباد، الذي يُنظر إليه على أنه الأفضل في الهند.

اكتشف هذا الفريق الطبي عدة حقائق مذهلة بشأن هذا الرجل، الذي يرتدي ساريا لونه أحمر وأتقن أسلوب اليوغا. ويستطيع جاني الاحتفاظ بكميه من البول داخل مثانته من دون الحاجة إلى تناول المياه أو أي سوائل، كما أنه قادر على امتصاص هذا البول داخل جسده. ويستطيع أيضا السيطرة على أعضاء جسمه الداخلية باستخدام أنشطة خاصة في اليوغا وتظهر التحليلات الدماغية التي خضع لها أن حالة الأعصاب لديه جيدة كما لو كان عمره 25 عاما.

وقبل جاني، الذي خضع لاختبار طبي مماثل لمدة 10 أيام عام 2003، التعاون مرة أخرى للخضوع لتحليلات مدتها 15 يوما. وخلال هذه التحليلات سيتم إجراء سلسلة من الاختبارات الجسدية تشمل التصوير بالرنين المغناطيسي ورسم المخ أو التخطيط الكهربائي للدماغ ورسم القلب ودراسة الهالة واختبارات دم ودراسات نفسية وعصبية.

ويجري الفريق الخاص بالمعهد سالف الذكر هذه الدراسة على الرجل ليعلموا ما إذا كان بمقدورهم تعلم أي نصائح حول استراتيجيات البقاء وذلك لمساعدة الجنود الذين قد يواجهون هذا الوضع عندما يضلون طريقهم في الصحراء أو الغابات أو في أي مناطق مرتفعة.

وتتم مراقبة هذا الفحص الذي يستمر لمدة 15 يوما بصورة مستمرة ليل نهار، حيث تم تثبيت كاميرات فيديو تعمل طوال اليوم والليل دون توقف في الغرفة الخاصة به، فيما تراقب كاميرا فيديو محمولة تحركاته كلما كان عليه الخروج. وهذه الغرفة نفسها لا يدخلها ضوء الشمس.

صرح الطبيب والأخصائي في داء البول السكري أورمان دروف لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف «أن الهدف من إخضاع هذا الرجل لأجهزة المسح الطبي هو فهم أي نوع من الطاقة يدعم وجوده، إذا لم يكن الطعام والمياه وراء ذلك. وإذا تمكنا بنهاية الثلاثة أشهر، التي نخطط من خلالها التوصل إلى ملاحظات قائمة على الفحص الذي يستمر 15 يوما، من التوصل إلى تفسير لهذه الفرضية، فإن ذلك سيكون مفيدا للبشرية بأكملها. والملاحظات المستنتجة من دراسة الحالة تلك قد تكون مفيدة بالنسبة للكثير من الجنود وضحايا الكوارث ورواد الفضاء، الذين يتعين عليهم البقاء على قيد الحياة من دون طعام أو مياه لفترات طويلة». وحول السبب وراء اهتمام وزارة الدفاع بحالة جاني، قال مدير معهد علم وظائف الأعضاء والعلوم المرتبطة (جي إلفازاغان): «لدينا جنود في المناطق الحدودية، التي لا يتاح الطعام ولا المياه فيها بسهولة. إننا نحاول تحديد مصدر الطاقة التي يستفيد منها جاني. وإذا كان من الممكن تحويل ذلك إلى الجنود، أو إذا كان من الممكن لهم استخدامه بصورة أو بأخرى، فسيكون هذا الأمر مفيدا للغاية. وقد يكون ذلك مفيدا أيضا في وضع استراتيجيات للبقاء على قيد الحياة أثناء الكوارث الطبيعية المستقبلية والأوضاع غير المستقرة والاستكشافات خارج الأرض مثل البعثات المستقبلية إلى القمر والمريخ».

إلا أن «إلفازاغان» لم يكن متأكدا بشأن ما ستكشف عنه الدراسة. وقال: «عندما يحدث تطور، سنكشف عنه للعالم»، مضيفا أن «جاني يقول إنه يستغرق في التأمل من أجل الحصول على الطاقة. لن يكون بمقدور جنودنا الاستغراق في التأمل، لكننا نود اكتشاف المزيد بشأن هذا الرجل وجسده».

وهذه ليست المرة الأولى التي يخضع فيها جاني للملاحظة العلمية. ففي عام 2003، خضع لدراسة من جانب فريق من الأطباء بقيادة طبيب الأمراض العصبية البارز الدكتور سودير شاه. وتفاصيل هذه الدراسة متاحة على الموقع الإلكتروني الخاص بالدكتور شاه «www.neuro.org»، ويسرد شاه على الموقع التكوين «الخارق» لجاني، وأكثر من 10 اختبارات مختلفة تشمل اختبارات على القلب واختبارات نفسية تم إجراؤها على مدار 10 أيام، وأشار إلى أن هذه الاختبارات لم تظهر أي انحرافات ملحوظة في آلية عمل الجسم. وباستذكار حادثة وقعت أثناء الاختبارات التي أجريت عام 2003، قال الدكتور شاه: «لقد اكتشفنا أن المثانة الخاصة به تحتوي على 120 مليمترا من البول. وطلبنا منه خفض هذه الكمية إلى 50 مليمترا. ومن دون إخراج البول، نجح في فعل ما طلبناه منه. وبحلول المساء، طلبنا منه خفض كمية البول إلى لا شيء. وفي الوقت المحدد، لم تكن هناك أي قطرة بول في مثانته. يجب على أي إنسان إخراج البول كي يعيش. وإذا لم يفعل، سيصاب بفشل كلوي، لكن جاني كان في ظروف صحية جيدة». ويدرس الدكتور شاه والفريق الطبي الخاص به ما إذا كان جاني بدا عليه علامات الشيخوخة أم لا خلال الأعوام الستة الماضية.

«وفي عام 2003، تأكدنا من ادعاءات جاني ولاحظنا كذلك أن الدلائل البيولوجية الخاصة به ظلت في صورتها الطبيعية على نحو غامض. وفي هذه المرة، خططنا تجاوز مجرد التصحيح. وسيتم إجراء بحث مفصل، يشمل مجموعة من الاختبارات المتعددة في غضون 15 يوما وذلك بهدف فهم هل يوجد هناك أي تحول بيولوجي حدث في الأجهزة الخاصة بجاني بسبب فترة الصيام الطويلة». ووفقا لشاه، على مدار الأيام الثمانية الماضية لم يخرج جاني بولا ولا برازا، ولم يتناول حتى الطعام ولا الشراب. وأضاف شاه: «وعلى الرغم من ذلك، في حين أن عمره بلغ 83 عاما، فإنه نشيط بالقدر الكافي لصعود درجات السلم». وقال شاه إن ذلك في حد ذاته ظاهرة فريدة ليس لها أي تفسير طبي.

وقال الدكتور شاه: «يستطيع الفرد أن يعيش من دون طعام ولا مياه لمدة من ثلاثة إلى اثني عشر يوما، ولقد درسنا في الماضي أن الناس كانوا يصومون لمدة 16 أو 30 يوما، لكنهم كانوا يتناولون المياه بعد 8 أيام، وبكل تأكيد كانوا يخرجون البول، لكن هذا الرجل لا يخرج حتى البول».

وقال الأطباء أيضا إنه لا توجد أي علامات تعب أو أي مشكلات أخرى على هذا الناسك، وإنه لا يزال يفضل صعود السلم على استخدام المصعد.

وقبل عدة أعوام، دعت وكالة «ناسا» للفضاء هيرا راتان مانك، مهندس هندي يبلغ من العمر 73 عاما ولم يأكل أو يشرب لعدة أعوام، لدراسة كيف تمكن من البقاء على قيد الحياة على ضوء الشمس. وفي كل يوم، يحدق مانك في ضوء الشمس لمدة ساعة من دون أن يطرف له جفن. وتحقق العلماء بوكالة «ناسا» أن مانك قضى 130 يوما كان يتناول خلالها الماء فقط. وأطلقوا على هذا النوع من البقاء على الماء والطاقة الشمسية اسم ظاهرة هيرا راتان مانك. وتوقف عن تناول الطعام تماما بعدما قام برحلة الحج إلى الهيمالايا عام 1995.

وفي عام 1992، بعدما تقاعد عن العمل في مجال الشحن، بدأ في البحث بصورة جادة عن الممارسة القديمة وهي التحديق في الشمس، التي كان مهتما بها منذ طفولته. وهذه طريقة قديمة ومنسية تقريبا، وكانت تتم ممارستها في الأزمنة القديمة في مختلف المناطق بالعالم. وأثناء دراسته، كان مانك يستلهم المعرفة من المصريين القدماء والإغريق والهنود. وقضى مانك سنوات في البحث في ممارسات التحديق في الشمس في الثقافات المختلفة وصاغ بروتوكولا آمنا وفعالا.

وعندما توصل إلى نقطة معينة في ممارسة التحديق في الشمس، لاحظ مانك أنه فقد الرغبة في تناول الطعام. ومنذ الثامن عشر من شهر يونيو (حزيران) عام 1995، لا يزال مانك يعيش فقط على الطاقة الشمسية والماء.

وتم توجيه الدعوة إلى مانك لزيارة جامعة توماس جيفرسون ومدرسة الطب بجامعة بنسلفانيا، التي خضع فيها لنحو 130 يوما من الملاحظة عام 2002. وأراد الفريق الطبي في هذه الجامعات فحص شبكية العين والغدة الصنوبرية والمخ الخاص به. وشكلوا فريقا للملاحظة بقيادة الدكتور أندرو بي نيوبيرغ، وهو عالم بارز متخصص في المخ، والدكتور جورج سي برينارد، العالم البارز في الغدة الصنوبرية. واكتشفت النتائج الأولية أن الخلايا الرمادية في مخ مانك تتجدد. وتم التقاط نحو 700 صورة، في المناطق التي وُجد فيها أن الخلايا العصبية تعيد الارتباط بنشاط. وعلاوة على ذلك، كانت الغدة الصنوبرية الخاصة به تتمدد، ولا تنكمش كما هو الحال في كبار السن. فالحجم المتوسط لهذه الغدة هو 6×6 مليمتر؛ لكن في حالة مانك، كان مقياسها 8×11 مليمتر على أساس الرنين المغناطيسي. لذا، اعتقد الفريق أن النمو وإعادة التنشيط للغدة الصنوبرية قد يلعبان دورا مهما في تحويل ضوء الشمس إلى صورة من صور الطاقة، التي يستخدمها الجسم.

ومنذ عام 2002، ألقى هيرا راتان مانك آلاف المحاضرات في عشرات الدول، وعقد مقابلات مع الوكالات الحكومية في كثير من الدول، وساعد منظمات العلاج بالطاقة الشمسية في 7 دول. وكانت إحدى هذه المنظمات هي الجمعية الدولية للعلاج بالطاقة الشمسية في سويسرا، وتحظى هذه المنظمة بالاعتراف من جانب إدارة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية بالأمم المتحدة. وأحد أهداف هذه المنظمة هو تقديم التحديق في الشمس على أنه وسيلة لمكافحة انتشار الإيدز.

ونشرت أكثر من 400 صحيفة في جميع أنحاء العالم مقالات حول هذا الرجل. وأذاعت الكثير من القنوات التلفزيونية برامج حوله، تشمل مقابلات رئيسية أجرتها الخدمة العالمية بهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وشبكة «زد تي في» في الهند، وتمت إعادة بث هذه المقابلات مرات كثيرة. ونشرت وسائل الإعلام الأخرى أخبارا حول مانك، بما في ذلك بعض وسائل الإعلام في أوروبا وروسيا وأميركا اللاتينية واليابان والشرق الأوسط.

وهناك حالة أخرى مشابهة وهي السيدة زينايدا بارانوفا، التي تبلغ من العمر 73 عاما، وتوقفت عن تناول الطعام في التاسع والعشرين من شهر مارس (آذار) عام 2000. فقد توقفت في بادئ الأمر عن تناول الطعام لمدة أسبوعين، وتوقفت عن شرب المياه كذلك. وادعت أنها توقفت عن شم رائحة الطعام على الرغم من أنها من الممكن أن تشم بقية الأشياء الأخرى. وتقول إنها تحصل على التغذية من الهواء. وخضعت للفحص من جانب العلماء بمعهد بومان، الذين فوجئوا للغاية عندما اكتشفوا أن العمر البيولوجي لهذه المرأة يوافق 20 عاما.

وادعى الدكتور مايكل ويرنر، باحث ألماني في أمراض السرطان، في عام 2005 أنه لم يتناول أي طعام لمدة أربعة أعوام. وقال إنه يحصل على الطاقة التي يحتاجها من ضوء الشمس وكان يشرب فقط الماء مع مقدار صغير من عصير الفواكه. وفي كتابه بعنوان «العيش من خلال طاقة الضوء»، كتب يقول: «لا أستطيع في الحقيقة تسفير ما يحدث في حالتي على أساس علمي، لكن ربما يكون مقدار صغير من الإيمان هو كل ما يحتاجه المرء».